عزيز بوستة يكتب:
عقدت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين (ANME)، يوم الخميس 18 شتنبر، جمعها العام العادي، وجرت الأمور للوهلة الأولى بشكل عاديا. لكن في الحقيقة لم يكن كذلك. فقد خيّمت على أشغال هذا الجمع أجواء "استثنائية"، إذ كان مخصصا للوقوف على مكتسبات وإنجازات وإخفاقات المكتب المنتهية ولايته برئاسة إدريس شحتان.
تمت المصادقة على التقريرين الأدبي والمالي، وبعد حصولهما على تزكية بالإجماع من الحاضرين، غادر الرئيس ومكتبه المنصة، بالمعنى الحرفي والمجازي معاً. حينها حان وقت انتخاب فريق جديد، لكن المفاجأة – أو ربما لم تكن كذلك – أن عدداً من الناشرين تدخلوا للمطالبة بتجديد الثقة في المكتب السابق، وفق المبدأ المعروف: "لا نغيّر فريقاً رابحاً". لكن السؤال المطروح في ذات السياق هو كالآتي هل ربح هذا الفريق فعلاً؟ هنا تبدأ التوضيحات.
نعود بالزمن إلى ربيع سنة 2020، حين أصدر وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت البلاغ الشهير الذي أعلن الحجر الصحي العام، ثم تلاه ببلاغ آخر يقضي بتعليق بيع الصحف وبالتالي توقف طبعها. في الأجواء التي سادت آنذاك – وما زلنا نتذكرها – بدا ذلك وكأنه إعلان لنهاية الصحف والمجلات والدوريات. أما بالنسبة للصحافة الإلكترونية، فكانت الضربة أخفّ، لكن مع غياب الإعلانات، كانت المواقع الإخبارية مهددة بالاندثار التدريجي وصولاً إلى الزوال. متأخرة عن الصحف الورقية، نعم، لكنها مهددة بالموت في النهاية لا محالة.
هنا انبثقت أول مبادرة من الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، التي كان يرأسها حينها عبد المنعم ديلمي، حيث أقنعت الدولة بتحمل أجور العاملين في مؤسسات الصحافة "المطابقة" للشروط القانونية، أي تلك التي كانت في وضعية إدارية سليمة (ملفات مودعة ومسجلة رسمياً لدى محاكم المملكة).
في سنة 2022، قدّم عبد المنعم الديلمي استقالته، فخلفه رشيد نيني الذي لم يمكث سوى بضعة أشهر قبل أن يسلم مقعده لنائبه إدريس شحتان، مدير قناة شوف تيفي، الذي تولى رئاسة الجمعية إلى غاية 18 شتنبر 2025، حيث أعيد انتخابه رئيساً. هذه المرة، بالتزكية، وبالإجماع.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تحقّقت إنجازات عديدة، إذ لم يغادر المكتب المسير للجمعية أروقة وزارة الاتصال التي يقودها المهدي بنسعيد. نقاشات مطوّلة وحادة حول مشروع الدعم العمومي الموجّه لقطاع الإعلام، انخراط مباشر في إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة (مع فترة انتقالية امتدت لعامين)، جهود جبّارة لتأطير الصحافة الرياضية وتيسير عمل الصحفيين في هذا المجال، ثم سلسلة من المبادرات الشاقة لتوحيد صفوف المهنة.
كُتب وقيل الكثير عن هذه الجمعية، وعن رئيسها، وعن ما وُصف – بتجاوز كبير – بـ "الريع الإعلامي". لكن بعيداً عن تفاصيل ما يُعدّ من صميم عمل جمعية تدافع عن مصالح قطاعها، يبقى الواقع أنّ الإعلام المغربي ما يزال قائماً، تحميه الدولة وتدعمه، ويزداد قوة بفضل التقاء عمل الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين مع وعي الوزارة بأهمية وجود صحافة قوية. فهل الإعلام المغربي قوي اليوم؟ لا. لكنه يسعى ليصبح كذلك، وليحافظ على قوته.
خلال خمس سنوات، أعيد تنظيم القطاع وإعادة هيكلته، وأصبح يمتلك آفاقاً أوضح لمستقبله ومساره. ولذلك، نعم، لقد ربح المكتب المنتهية ولايته رهانه، وجاءت إعادة انتخاب الرئيس إدريس شحتان، بالإجماع والتصفيق، لتوجّه رسالة قوة إلى مختلف شركاء الجمعية.
لكن، وكما كان متوقعاً، تكفّل المزاج النقدي والروح الاحتجاجية للرأي العام بإضفاء بعض من الضجيج، لا الكثير من الضجيج، الرافض لهذه الإعانات الممنوحة على شكل أجور، والمندّد بـ"الصحفيين الريعيين" وبالتالي "المُشترَين"، واللائم للحكومة على سعيها إلى "شراء" صمت وسائل الإعلام… غير أن جولة سريعة في عناوين الصحف وافتتاحياتها تكفي للتأكد من أن هذه التهم مجانبة للحقيقة؛ فجزء من الصحافة يساند الحكومة ويدافع عن سياساتها، بينما جزء آخر – أكبر حجماً – لا يكفّ عن مهاجمتها في مواضيع وقضايا شتى. أما النقاشات بين وزارة الاتصال ووزارة المالية، فكانت في الغالب شاقة، وأحياناً متشنجة، لكن الحصيلة موجودة وملموسة! نعم، قطاع الصحافة، مثل قطاع السياحة أو العقار، يستفيد من دعم الدولة ومن إعانات عمومية، وهذا أمر إيجابي. ولماذا هو إيجابي؟ لأن وسائل الإعلام تؤدي مهمة ذات منفعة عامة وخدمة عمومية لا غنى عنها.
ولنلقِ نظرة حول العالم لقياس حجم الإجحاف الذي يتعرّض له القطاع في المغرب بفعل هذه الهجمات، وهو قطاع، مهما قيل، يظل حيوياً لضمان التعددية السياسية والتعبير عن مختلف التوجهات الفكرية في البلاد. فالأغلبية الساحقة من دول العالم تدعم صحافتها وتساندها، إما عبر منح مباشرة نقدية، أو إعفاءات جبائية، أو مساعدات في التوزيع. وإذا ما احتسبنا الإعلام العمومي، فإن جميع الدول من دون استثناء تدعمه؛ مليارات الدولارات تُضَخّ في قطاع لا يقلّ أهمية عن غيره. والسبب أن النموذج الاقتصادي للإعلام، الذي كان طويلاً قائماً على مداخيل القراء والإعلانات، قد انتهى تماماً؛ إذ استحوذت شبكات التواصل الاجتماعي على القراء وعلى سوق الإعلانات معاً. والنتيجة وضع معقّد وشبه مستعصي، لم يعثر أي بلد على حلّ جذري له، ولن يعثر.
في ديمقراطيتنا التي تسير ببطء، حيث يصنع الرأي العام على الشبكات وبفعل المؤثرين، لم يعد وجود صحافة تعددية ترفاً بل ضرورة. فخلال أزمة كوفيد، سجّل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ارتفاعاً ملحوظاً في نسب القراءة؛ ففي لحظات الأزمات، يعرف الناس أن عليهم التوجّه إلى وسائل إعلام تقدّم أخباراً موثوقة ومدققة.
ويبقى عنصر بالغ الأهمية: شخصية الرئيس. فإدريس شحتان، مؤسس ومدير "شوف تيفي"، تحوّل إلى الهدف المفضل للنقد اللاذع من طرف شريحة واسعة من الجمهور؛ ولم تعد المسألة مجرّد نقد، بل تجاوزت إلى نوع من الاحتقار المفرط والنفور المبالغ فيه. ومع ذلك… فإن "شوف تيفي" حققت 25 مليار مشاهدة في عام واحد، و23 مليون متابع على "فيسبوك"، و16 مليون زائر فريد، و66 مليون مشاهدة يومياً. أي ما يعادل نصف سكان المغرب تقريباً!… فإن لم يعجبك الخط التحريري لـ "شوف تيفي"، فالحل إمّا أن تتجاهلها، أو أن تغيّر الشعب! وفي غياب ذلك، لماذا لا يُحتكم إلى رأي الناشرين الذين أعادوا، بالإجماع وبالتصفيق، انتخاب إدريس شحتان على رأس جمعيتهم؟
فبفضل جهوده وجهود مكتبه التنفيذي، اللذين تمكّنا من إقناع وزير الثقافة والشباب والتواصل مهدي بنسعيد، الذي نجح بدوره في إقناع وزير الميزانية فوزي لقجع، ما يزال المغرب يتوفر على صحافة تعددية، منظمة، أقوى وأكثر تماسكاً، رغم اختلاف التوجهات التحريرية بين هذا المنبر وذاك.
وعليه، فإن الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين اليوم باتت أكثر قوة، وستواصل، رغم الانتقادات والهجمات والشتائم، عملها من أجل حماية، بل وإنقاذ، الإعلام المغربي.
02 septembre 2025 - 14:00
01 septembre 2025 - 21:00
15 juillet 2025 - 20:00
07 juin 2025 - 20:00
10 mars 2025 - 20:00
12 septembre 2025 - 12:00
13 septembre 2025 - 11:00
18 septembre 2025 - 18:15