عبد القادر الفطواكي
لم يكد حبر القرار الأممي الأخير حول الصحراء المغربية يجفّ في نيويورك، حتى انتقلت أصداؤه إلى الجزائر، حيث بدا واضحًا أن معركة الخطاب الدبلوماسي دخلت مرحلة جديدة وربما أخيرة وهي "مرحلة الإعلام".
فبعد حلول وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة ضيفا كبيرا على حوار خاص بالقناة الثانية "دوزيم"، لتوضيح خلفيات القرار الأممي التاريخي في ملف الصحراء المغربية، رد التلفزيون الجزائري الدولي ليلة أمس الأحد بحوار مماثل ( في الشكل لا المضمون طبعا) مع وزيره للخارجية أحمد عطاف. ليلتان متتاليتان، وملف واحد، لكن بمقاربتين متباينتين تمامًا، لغة الثقة والانتصار من الرباط، ولغة الدفاع والتبرير في معسكر أصيب حكامه بـ”عقدة المغرب” إسمه الجزائر.
في حواره مع القناة الثانية، كشف بوريطة كواليس القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن، مؤكدًا أن الملك محمد السادس لعب دورًا محوريًا في إنجاح هذا المسار الدبلوماسي المعقّد، من خلال تدخل مباشر وحاسم لتوحيد المواقف داخل المجلس. لقد أبرز الوزير أن الملك تابع شخصيا، وبشكل يومي، مسار المفاوضات في نيويورك، وأجرى اتصالات مباشرة مع قادة دول مؤثرة، ما جعل كفة التأييد تميل لصالح المغرب بأغلبية 11 صوتا.
لكن ما ميّز خطاب بوريطة لم يكن فقط في مضامينه، بل في نبرته المتزنة وحججه الدقيقة، حيث قدّم للمشاهد في المغرب وخارجها رواية منسجمة وواثقة: المغرب لا يحتفل فقط بقرار أممي، بل يؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي تحولت إلى قاعدة مرجعية في القانون الدولي. خطابه لم يكن ردًّا على أحد، بل امتدادا لرؤية ملكية واضحة ترسم للمغرب موقعه كقوة استقرار إقليمي ودبلوماسية مسؤولة.
على الجانب الآخر، ظهر الوزير الجزائري أحمد عطاف في حوار مطوّل مع التلفزيون الجزائري الدولي، بدا فيه متشنجا حذرا ومتحفّظا في بعض مقاطعه. لقد حاول "عطاف" تقديم قراءة مغايرة للقرار الأممي، متحدثا عن “استمرار العملية السياسية” و”أهمية الدور الأممي”، لكنه تجنّب مواجهة الحقيقة الجديدة: أن القرار الأممي كرّس المبادرة المغربية كأساس وحيد للتسوية. خطاب كبير خارجية الحزائر كان أقرب إلى تبرير موقف أكثر منه إلى عرض رؤية، واعتمد على عبارات عامة فضفاضة لم تنجح في إخفاء حجم التراجع الدبلوماسي الجزائري.
حتى لغة الجسد لم تكن محايدة؛ فعطاف ظهر متشنّجا في بعض اللحظات، يزن كلماته بحذر، وكأنه يدرك أن الرأي العام الإقليمي بدأ يُقارن بوضوح بين أداء دبلوماسيتين: واحدة تصنع القرار، وأخرى تحاول تفسيره بعد صدوره.
وبتحليل بسيط أظهرت المقارنة بين اللقاءين أن الإعلام الرسمي في الجزائر أصبح جزء مهما من أدوات المعركة الدبلوماسية بعدما خسرها العسكر على الأرض، محاولا حفظ ماء الوجه حكام قصر "المرادية"، مع محاولة استمرارهم في التسويق "نظرية العدو الافتراضي" للاستهلاك الداخلي.
لقد حرص المغرب، على توظيف الإعلام العمومي لتوضيح مواقفه الرسمية والإخبار بها، مع توسيع زاوية النظر حول هذا النصر الدبلوماسي المغربي الكبير، مع تأطيره في سياق وطني وملكي واضح، بينما في الجزائر استُخدم كوسيلة دفاعية لامتصاص أثر القرار. فالفرق كان جليا في مضمون الرسائل، وفي منطقها الداخلي فالمغرب تحدث من موقع الفعل أما جارتنا "المشاكسة" الجزائر فتحدثت من موقع ردّ الفعل.
وراء هذا النجاح الإعلامي والسياسي، تبرز بصمة الملك محمد السادس، الذي حوّل ملف الصحراء من قضية نزاع إلى مشروع وطني تنموي ودبلوماسي متكامل. فمنذ سنوات، عملت الدبلوماسية الملكية على ترسيخ مقاربة قوامها الواقعية والشرعية الدولية، وجعلت من الحكم الذاتي مبادرة تتسع يومًا بعد يوم لاعترافات دولية متزايدة. إن خطاب بوريطة لم يكن إلا ترجمة ميدانية لهذه الرؤية التي تراكمت بالهدوء والحكمة، حتى أصبحت اليوم محل إجماع دولي.
وهكذا، وبين ثبات الموقف وحكمة القيادة، يواصل المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، نهج سياسة اليد الممدودة، إيمانًا بأن المستقبل لا يُبنى على الخلافات ولا تُرسم حدوده بالجدران، بل بالتفاهم ووحدة المصير.
فالدعوة الصادقة التي يوجهها في كل مناسبة إلى الأشقاء في الجزائر، إنما تعبّر عن رؤية ملك حكيم يضع مصلحة الشعوب فوق كل اعتبار، ويؤمن بأن التاريخ والجغرافيا والدم المشترك أقوى من كل محاولات التفرقة.
إن عودة إخواننا المغاربة المحتجزين في تندوف إلى وطنهم الأم تبقى حلمًا مشروعا، ونداء إنسانيا يترجم إصرار المملكة على طيّ صفحة الماضي، وفتح آفاق جديدة من التعاون والإخاء، خدمةً لاستقرار المنطقة وازدهار شعوبها.
20 octobre 2025 - 20:00
03 octobre 2025 - 09:40
29 septembre 2025 - 20:00
21 septembre 2025 - 10:00
02 septembre 2025 - 14:00
ضيوف المواطن
مواطن حمدي24 octobre 2025 - 12:00