بقلم عزيز بوستة
نعرف من هو عبد اللطيف وهبي، لكننا نجهل الهوية الحقيقية للجهة التي تسمي نفسها "جبروت"، نعرف بشكل جزئي ما يملكه وهبي، ونعرف أيضاً ما تخلى عنه وتحت أي شروط، لكننا لا نعرف على وجه الدقة دوافع هذه الحملة المنظمة ضده. ومع ذلك فإن فصول القضية لا تكمن في خلفيات الهجوم فحسب بل في الوقائع المنسوبة إليه كذلك.
سنة 2020، قبل أن يصبح وزيراً للعدل، اشترى وهبي عقاراً بقيمة 12 مليون درهم عبر قرض بنكي. وبعد أربع سنوات، تم تسديد هذا القرض بالكامل من عائدات بيع ممتلكات أخرى تابعة للعائلة، ليقوم بعدها الوزير بتفويت نفس العقار لزوجته، مصرّحاً بأنه لا تتعدى قيمته مليون درهم. وما إن خرج الخبر حتى انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات غاضبة وانتقادات لاذعة، ووجد الوزير نفسه في مرمى سهام الجميع.
هنا تبدأ فصول أكثر إثارة، إذ اختار وهبي الخروج إلى العلن عبر حوار مصور مع موقع "هسبريس"، ليروي حقيقة ما وقع مؤكدا أن زوجته لا تعمل، وأن وهب العقار ليضمن لها استقراراً مالياً من خلال نقل ملكية العقار إليها في إطار ما يسمى بـ" الكد والسعاية"، مشدداً على أنه لم يحقق أي ربح من العملية، ومستعد لأي افتحاص ضريبي أو مواجهة قضائية وهو في حد ذاته موقف يُحسب له.
قامت مجموعة "جبروت" بعملية اختراق، كما يفعل القراصنة، سواء كانوا محليين أو أجانب (فتلك حكاية أخرى)، وسرّبت الوثائق تتلقفها وسائل الإعلام، وتجعل منها مادة إعلامية دسمة أغنت بها عناوينها وأصبحت مادة للتداول والبوز. من جهته، قبل الوزير الردّ بكل صراحة وشفافية وبشكل مباشر، لكن كلامه ظل رواية من طرف واحد.. هل انتهى الأمر؟ لا، فبكل بساطة لأن كل هذا الكلام لا يلزم إلى شخص السيد الوزير، لكن ومع ذلك، لا أحد يمكن لأحد من حيث المبدأ أن يدحضه... لا تزال إدارة الضرائب معنيّة بالأمر، للتأكد من أن كل ما جرى قد احترم الضوابط والقوانين الضريبية، وكذلك دور مؤسسة القضاء، لأن الأمر لا يتعلق بمواطن عادي، بل بوزير للعدل، ورئيس جماعة تارودانت، وأمين عام سابق لحزب بالأغلبية الحكومية.
لذا، من واجب العدالة التأكد من أن سداد القرض البنكي تم بطريقة قانونية، كما يجب عليها أن تنظر في الأسباب والنتائج المترتبة عن هذا التخفيض الغير المبرر في قيمة عقار انتقل من 12 مليون درهم إلى مليون درهم فقط. هل سجّل المحافظ العقاري عملية نقل الملكية؟ وإذا كان قد فعل، فلماذا لم يثر انتباهه هذا الانخفاض الحاد في القيمة؟ وماذا عن مكتب التوثيق الذي أشرف على عملية التفويت؟ هل كان يملك الحق والصلاحية للقيام بذلك؟.
ولكي نكون واضحين: إذا كان تدخل العدالة مطلوبًا، فذلك من باب الحرص على سمعة وصورة البلد، لأن وزيرًا سياديًا معني بقضية قد تكون غير قانونية. لا أحد متهم، ولا أحد مُدان مسبقًا، لكن العدالة يجب أن تقوم بدورها. وهذا ما ينبغي على مسؤولينا أن يفهموه… فاليوم لم يعد بالإمكان القيام بأي شيء خارج القانون دون أن يتدخل فيه الرأي العام. المبلغون عن الفساد موجودون في جميع الإدارات، والقراصنة يتربصون. وعندما نتحدث عن المبلغين، فإننا لا نعني أولئك من طينة "جيراندو" وأمثاله، المحتالين الحاقدين، المدانين دومًا بتهم القذف والكذب والافتراء، بل نقصد المبلغين الحقيقيين، أولئك الذين يفتّشون وينقّبون ويستقصون.
من الآن فصاعدًا، لم يعد بالإمكان إخفاء أي شيء، باستثناء الأسرار الحقيقية للدولة، المحمية بعناية (على الأقل وهذا ما نأمله). أما الانزلاقات الشخصية (كالسكر، الزنا، تعاطي المخدرات...)، والرواتب التي تُثير غيرة قارون (خصوصًا في المؤسسات العمومية التي تعاني من عجز)، والمجاملات الصغيرة بين الأصدقاء... كل ذلك كان ممكنًا في السابق، ولا يزال كذلك، غير أن الفرق اليوم هو أن كل شيء يمكن أن يُكشف، وإذا قابل الرأي العام ذلك باللامبالاة أو تجاهله القضاء، فإن الأمور قد تتفشى وتستفحل كما تنتشر خلايا السرطان.
في هذا الحكومة التي تتوافق طبيعتها مع المال والسلطة، تتعدد التجاوزات، وتكثر الشكوك أكثر فأكثر. الفساد يتقدم في هذا البلد، وصورة الفساد تتغلغل أكثر منه. التشريعات الموجهة لمحاربة الممارسات السيئة تتراجع، بينما تزدهر الحصانات من خلال بعض النصوص القانونية التي تم اعتمادها، أو تلك التي كان من المفترض أن تُعتمد ولم تُعتمد قط.
وإلى جانب ذلك، نشأت دينامية جديدة في المجتمع فتحت على مصرعيها أمام الرأي العام وتتمثل في الاهتمام بالشخصيات الأقل شعبية. لماذا؟ لأن مسؤولين آخرين سبق وأن وُجهت إليهم أصابع الاتهام، لكن قضاياهم انتهت إلى لا شيء، لكونها كانت قانونية أو على الأقل مستندة إلى مظاهر قانونية. أما عبد اللطيف وهبي فبسبب مزاجه السياسي الحاد وطباعه وسلوكياته، وتواصله المثير للانتقادات، وبسبب ميله للجوء إلى القضاء (أو التهديد باللجوء إليه) ضد الصحفيين، فإنه يثير استياءً شديدًا. فقد كثّر من تصريحاته العشوائية وتصريحاته الحادة، التي غالبًا ما تكون جارحة ومتسلطة. وزير العدل، الذي يُعتبر من بين أفضل وزرائنا نظرًا لكفاءته التقنية وجرأته السياسية، يتمتع أيضًا بقدرة فريدة على إثارة غضب أغلب الأطراف تقريبًا. تأخر التشريعات المتعلقة بالإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، والحظر القانوني المفروض حاليًا على الجمعيات، والمواطنين، والنيابة العامة في التبليغ عن الجرائم المالية المحتملة، التي يرتكبها مسؤولون عموميون، بالإضافة إلى أسلوب تواصل السيد وهبي، كلها عوامل تساهم في تراجع شعبيته.
في مغرب اليوم، يسود مناخ مشحون، تتوالى فيه البلاغات والتبليغات، وتتقاطع فيه التصفيات السياسية مع دوافع الانتقام. وما يُنشر على شبكات التواصل الاجتماعي لا ينبغي أن يُواجه تلقائياً بالقمع والإدانة، لأنه غالباً ما يحتوي على جانب من الحقيقة. وتشغيل آلة الزج في السجون ليس الخيار الأمثل، لأن مواجهة التكنولوجيا الجديدة لا يمكن أن تتم بالأدوات والأساليب القديمة.
11 juillet 2025 - 19:00
24 juin 2025 - 08:00
16 juin 2025 - 12:00
23 octobre 2024 - 14:00
02 avril 2024 - 10:00
19 juillet 2025 - 10:00
16 juillet 2025 - 17:00
19 juillet 2025 - 19:00