عزيز بوستة
لا حديث في الصالوات السياسية، إلا عن تعديل حكومي وشيكًا. في حقيقة الأمر فالحديث عن هذا التعديل أو التغيير الحكومي مستمر منذ سنة تقريبًا، ومع تكرار الشائعات وتداول الأسماء، بدأت الملل يتسلل إلى المتابعين، خصوصًا عندما يُتوقع أن يكون رد الفعل بعد الإعلان عنه هو: "كل هذا من أجل هذا فقط؟!"..
الغريب أن هناك إجماعًا بين المحللين والمتتبعين للشأن السياسي على الرأي نفسه، إذ يكاد يكون التشكيك أكبر من الترقب لأي تغيير يُنتظر من فريق يُفترض أنه يقود البلاد.
هذا التشكيك لديه ما يبرره من الأسباب، أبرزها أن حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود التحالف الحكومي الحالي، لم يكن مؤهلًا بطبيعته لإدارة حكومة.
واليوم، ومع توليه هذه المهمة، تضاعفت التحديات داخل الفريق الحكومي، وارتفع الغضب الشعبي، وبدأت الشكوك تساور المراقبين، ما أفضى إلى حالة من الاستياء وعدم الاكتراث لدى شريحة كبيرة من المغاربة.
وأخيرًا سنشهد هذا التعديل، رغم أن الاستقالة الجماعية أو طلب حجب الثقة كانت ستكون أكثر ملاءمة، خصوصًا بعد ثلاث سنوات من "ممارسة السلطة" التي كشفت خلالها مؤسسات الحكامة عن سلسلة من أوجه القصور لدى الحكومة الحالية، وخصوصًا رئيسها.
1- سنة 2020، أطلق مجلس المنافسة تحقيقًا حول احتكار شركات توزيع المحروقات، إذ تعود الشركة الأكبر من حيث الحصة السوقية لرئيس الحكومة، الذي وإن لم يعد يديرها رسميًا، تظل هناك آثار ملموسة لعلاقته بها. وقد تم لاحقًا إدانة مجموعة من شركات التوزيع، ومن ضمنها شركة رئيس الحكومة، مما أضاف قلقًا على مصداقية المشهد السياسي.
2- نشر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في أبريل الماضي تقريرًا حول الشباب العاطلين عن العمل المعروفين بـ"NEETs"، إلا أن رئيس الحكومة استقبل التقرير بانتقاد غير مباشر، معتبرًا توقيت نشره مقصودًا لإحراج الحكومة. وبعد فترة، تم نقل رئيس المجلس أحمد رضا الشامي إلى منصب آخر.
3- أعلنت المندوبية السامية للتخطيط في فبراير الماضي عم أرقام بطالة مرتفعة، وهو الأمر الذي أثار قلقًا لدى رئيس الحكومة الذي سارع إلى التشكيك فيها، عبر مقارنة أرقام المندوبية بأرقام أخرى من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي CNSS ولم يمضِ وقت طويل حتى تم استبدال أحمد الحليمي بشكيب بنموسى.
4- الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بدورها نبهت إلى تراجع استجابة الحكومة لمكافحة هذه الظاهرة، ليأتي الرد من مصطفى بايتاس، المتحدث باسم الحكومة، بنبرة حادة، مشككًا في عمل اللجنة ورئيسها محمد بشير الراشدي، الذي قد يكون جزءًا من التعديل المنتظر.
5- واصل بنك المغرب، على لسان والي البنك عبد اللطيف الجواهري، انتقاده لسياسات الحكومة الاقتصادية واعتماد سياسات مضادة للتضخم. وتظل الشائعات تشير إلى قرب مغادرة الجواهري لموقعه.
إضافة إلى ذلك، مازال مجلس الجالية المغربية بالخارج في انتظار تنفيذ التوجيهات الملكية التي لا زالت الحكومة متأخرة في تنزيلها، ويبرز كذلك دور مؤسسة "وسيط المملكة" في مساعيها حلحلة ملف طلبة الطب والصيدلة، ولكنها لم تتمكن من إنجاح الوساطة بسبب تصاعد التوترات مع الحكومة، وأيضًا بسبب صدام بين مختلف الأطراف المعنية. وأخيرًا، تبقى هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز غير مفعّلة حتى الآن، على الرغم من أن الدستور نصّ على إنشائها منذ سنة 2011!.
في الختام، يبدو أن هذا التعديل المنتظر لن يكون أكثر من تبديل في الأدوار وإرضاء لمكونات الأغلبية وتوازنات حزبية، مع أسئلة حول من يراقب العمل الحكومي فعلًا في ظل إضعاف مؤسسات المراقبة وتشتت المعارضة؟.
في النهاية، نجد أنفسنا أمام حكومة تثير طريقتها في الإدارة العديد من التساؤلات، مع تشكيك مبرر في حكامتها. فالمؤسسات الدستورية المكلفة بمراقبة الأداء الحكومي توجه سيلا من الانتقادات ضمن مجالات اختصاصها، لكنها سرعان ما تواجه غضب رئيس الحكومة أو من يواليه من الشخصيات السياسية، مما يؤدي إلى إبعاد رؤسائها. وهكذا، ومع تهميش دور الهيئات الرقابية، ووجود معارضة ضعيفة ومشتتة لا تتسم بفعالية كافية، يبقى التساؤل قائمًا: من يراقب أداء هذه الحكومة، باستثناء الوزراء السياديين الذين يدركون ما يقومون به ومع من يتعاونون؟.
إذن، ما الفائدة من التعديل الحكومي الذي يجري الحديث عنه في الوقت الحالي، والذي قد يكون قد تم بالفعل عند قراءة هذه الكلمات؟ يبدو أن التعديل لن يكون أكثر من وسيلة لإبعاد شخصيات قد أنهت مرحلة تألقها، وإدخال أخرى تنتظر دورها، وإرضاء الأغلبية الحكومية، وحسم بعض الحسابات، وضبط التوازنات الحزبية، وغيرها من الأهداف. "تولد الجبل فولد فأرا".
أما المواطن، فهو سينتظر... لأنه اعتاد على ذلك!
23 octobre 2024 - 14:00
02 avril 2024 - 10:00
22 janvier 2024 - 13:00
25 décembre 2023 - 20:00
20 décembre 2023 - 20:00