عبد القادر الفطواكي
في زمنٍ تهاوت فيه معايير المتابعة داخل قاعات التحرير الكلاسيكية، وذبل فيه ما تبقى من الحبر على صفحات الجرائد، انبثقت من رحم الحاجة، تجربة إعلامية غيرت قواعد اللعبة، إنها "شوف تيفي"، القناة التي اختارت أن تنزل من أبراج التنظير العالية، إلى قلب الشارع لتجد نفسها على عرش المتابعة، بدون منافس.
لم يكن ظهور "شوف تيفي" حدثا عابرا، بل كان تحولًا بنيويا في مفهوم الصحافة المغربية، إذ حاولت أن تقدم للمواطن المغربي أخبارا بلغة تشبه لغته، وصوت شبيها بصوته، وصورة تشبه يومه ومساءه وليله كذلك. لا تكلّف في الأداء، ولا تنميق في العبارة، بل صدق في القرب وجرأة في الطرح وسرعة في الوصول.
حين ولدت "شوف تيفي"، وجدت نفسها في مواجهة "محمية" ظلّت لعقود حكرًا على نخب صحافية لا ترى في الصحافة إلا امتدادًا لأزيائها الأيديولوجية، بعض من هؤلاء لم يهضموا هذا "الدخيل"، لأنه ببساطة، نجح في أن يفعل ما عجزوا عنه، نحج في أن يُقرب الصحافة من المواطن، لا المواطن من الصحافة.
لم تكن قناة "شوف تيفي" تملك في بداياتها سوى جرأتها، لكن سرعان ما تحولت إلى مرجع إعلامي فعلي في لونها وشكلها، تتوعد بها المخالفين والمفسدين، ويستنجد بها المظلومون، حيث تتداول تقاريرها كوثائق أمام القضاء والرأي العام.
أرقام لا تُكذّب ولا تُكذَّب، أكثر من 25 مليار مشاهدة في سنة واحدة فقط، وفق معطيات رسمية صادرة عن القناة. ليس الأمر مجرّد متابعة، بل ولاء رقمي من جمهور واسع وجد في "شوف تيفي" متنفسًا لتصريف آلامه ومنصة للتعبير عن آماله.
وفي حين تسجّل قنوات عمومية وخاصة تراجعًا لافتا في نسب المشاهدة، وتعيش الصحافة الورقية آخر أنفاسها، تواصل "شوف تيفي"صعودها المدوي، متربعة على قمة المنصات الإعلامية المغربية والإفريقية.
والنجاح هنا ليس صدفة ولا حظًا. بل هو نتاج اختيارات تحريرية ذكية، واستثمار جاد في الموارد البشرية واللوجستيكية. فالقناة توفر أعلى الرواتب مقارنة بمنابر إعلامية وطنية كبرى، وتضمن بيئة عمل احترافية من حيث المعدات والاستوديوهات، وطاقم صحفي وتقني احترافي.
كثيرون سارعوا إلى تصنيف القناة في خانة "التفاهة"، لكنهم تناسوا أن ما يُمارَس في كبريات العواصم الأوروبية وأمريكا تحت مسميات صحافة "البيبل" وما تلتقطه كاميرات "الباباراتزي" التي تقتنص مجمل تفاصيل حياة المشاهير والنجوم، لكن الأمر شنّع به عندنا حين يحمل طابعًا محليًا، فحين تُمارَس الصحافة بلغتك ولهجتك وواقعك، تُرمى بتهم التبسيط. لكن التبسيط هنا ليس تسطيحا، بل في بعض الأحيان جسرا يوصل الخبر إلى من لا وصال له بالإعلام الرسمي.
"شوف تيفي" ليست قناة نخبوية، بل قناة مفصّلة على مقاس المغاربة، تُقلق البعض لأنها ببساطة مرآة تذكّرهم بواقع يحاولون الهروب منه. لكنها في المقابل، فتحت الباب أمام مواطن كان يوما ما مُهمشا، ليُصبح شريكا في الفعل الإعلامي، وشاهدًا لا مجرد متفرج.
لم تأتِ فكرة تسميتها بـ"قناة الشعب" من فراغ. فمبدعها "إدريس شحتان" كان يعلم أنها ستمثل بالنسبة للكثير من المغاربة المنصة الأولى لطلب الإنصاف وكشف الفساد وفضح التجاوزات. لا تحتاج إلى وسيط ولا إلى حجز موعد، يكفي أن ترفع هاتفك، حتى تجد طاقمًا جاهزًا على أهبة الاستعداد، يصلك بالصوت والصورة، ويضع مظلمتك أمام ملايين المشاهدين.
في زمن تنهار فيه الثقة بالإعلام التقليدي، وتُعاد فيه صياغة العلاقة بين الصحفي والمتلقي، فرضت "شوف تيفي" نفسها كفاعل رئيسي في المشهد الإعلامي الرقمي، قناة لا تدّعي الكمال، لكنها في كل الأحوال، أعادت الاعتبار للصحافة القريبة من الناس، وجعلت من المشاهد بوصلة لا يمكن تجاهلها.
23 juillet 2025 - 16:00
11 juillet 2025 - 19:00
24 juin 2025 - 08:00
16 juin 2025 - 12:00
23 octobre 2024 - 14:00
12 septembre 2025 - 12:00
04 septembre 2025 - 17:00