عبد القادر الفطواكي

نسيم حداد الباحث في عوالم الفيزياء النووية، والحاصل على دكتوراه الدولة في هذا الصنف المعقد من العلوم، قرر ومنذ سنوات خوض تحدي من نوع خاص، من خلال رحلة في فضاء الفن المغربي الأصيل، بداية بفن العيطة الشعبي، ومرورا  بالأغنية الغيوان، والملحون، مُعرجا على الأغنية الأمازيغية و الطرب الحساني وغيرها من الأنماط والأشكال الموسيقية التراثية التي تزخر بها بلادنا، في خطوة قلب من خلالها نسيم كل الأعراف محاولا المزاوجة بين البحث العلمي والفني الشعبي التراثي في محاولة لإعادة بعض من توهج هذه الألوان الفنية الفلكلورية، وإعادة الاعتبار لشيوخها الذين ظلوا على الهامش، وتوثيق هذا التراث الشفهي اللامادي.

نسيم حداد عرفنا بمسارك المهني و الدراسي

حصلت على شهادة الباكالوريا بشعبة العلوم الرياضية، وإجازة في العلوم الرياضية و المعلوماتية، ثم ماستر في الفيزياء المعلوماتية من جامعة محمد الخامس بالرباط. بعدها انتقلت إلى المركز الأوروبي للأبحاث النووية بسويسرا حيث حصلت على دكتوراه الدولة في الفيزياء النووية، بعد أن شاركت في ما يزيد عن 350 بحث علمي منشور في جرائد عالمية.

هذا و قد تشرفت بالعضوية في هذا المركز كباحث في كاشف الجزيئات ATLAS، و مبرمج لبرامج معلوماتية متخصصة في الفيزياء المتقدمة، و قد زاوجت عملي كباحث بالعمل في الحقل الفني كمحاضر و باحث في التراث الشعبي بمختلف تلويناته من عيطة، ملحون، گناوة، حمادشة و غيرها مع تقديم مجموعة من السهرات رفقة المجموعة التي كونت في مختلف المهرجانات داخل و خارج الوطن.

كيف بدأ شغفك بالفن و الطرب العيطي

كان اكتشافي لتراث العيطة، وحفظي لمثونها ونصوصها الشعبية باكرا، حيث كان للمدرسة الغيوانية بعد أن تشبعت بهياكلها اللحنية و مفاهيمها الثورية للموسيقى التقليدية الفضل الكبير، إذ أنني لمست الثورة الفنية التي جاءت بها مجموعة ناس الغيوان من خلال الاهتمام بالتراث الشعبي المنسي، ففي ناس الغيوان تلمس النفحات الملحونية والإيقاعات الحمدوشية بالإضافة إلى الحال الگناوي و بالخصوص النزعة البدوية الجميلة المرتبطة بتراث العيطة، فبدأت أستمع وبالموازاة مع ناس الغيوان لأمهات العيوط العبدية والورديغية والحوزية، و من ثم تولد الشغف بهذا النمط الغنائي الفريد من نوعه.

أنت باحث في الفيزياء النووية ما سبب عشقك للعيطة دونا عن الأنماط الموسيقية الأخرى

شغفي بالتراث الشعبي المغربي يشمل جميع الأنماط الغنائية الموجودة من شمال المملكة إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها، بدأت البحث حقيقية في التراث الگناوي من خلال تأطير مجموعة من المحاضرات بالمغرب و خارجه بالديار الإسبانية و الإيطالية و السويسرية. كما عملت في التراث الأمازيغي لسنوات لكن جل ما وُثّق من عملي كان مرتبطا بتراث العيطة خصوصا بعد الفيلم الوثائقي الذي قدمت على قناة الجزيرة الوثائقية، والذي كان نقلة نوعية في التعامل مع التراث الشعبي و ممارسيه إذ قمت برحلة فاقت 5000 كلم، جمعت من خلالها العيوط المغربية بمختلف أنواعها، بعد لقاء أهم شيوخ هذه الأنماط، كما أن سلسلة "فرسان التراث"، و التي لاقت استحسانا كبيرا من طرف المتتبعين، سلطت فيها الضوء على العيطة أكثرعن غيرها من الأنماط.

اهتمامي حقيقة يشمل جل الأنماط الغنائية الشعبية و أتمنى أن أنجح في المساهمة و لو بقليل في الحفاظ على تراثنا الشعبي و الذي هو أساس هويتنا.

ما هي المجهودات التي  بذلتها في سبيل الحفاظ على هذا الموروث الشعبي

أحاول جاهدا أن أقدم كل ما في جهدي من أجل الحفاظ على التراث الشعبي المغربي من خلال التوثيق النصي و التوثيق اللحني، و ذلك من خلال الأفلام الوثائقية التي أقدمها للقنوات التلفزية والإذاعية، و كذا من خلال الدعم الذي أقدمه للشيوخ و ممارسي التراث في جل أعمالهم.

 وهنا أستحضر تقديم العيطة النادرة "سيدي حسن" التي بذل فيها الشيخ جمال الزرهوني جهدا كبيرا في جمعها.
 كما أعمل كذلك على جمع جميع القصائد تراث العيطة، لأعمل فيما بعد على توثقها بطريقة علمية تراعي الوحدة النصية واللحنية التي تغيب عن جل ما يردد حاليا نتيجة التناقل الشفهي لهذه العيوط، كما سأقدم بحلول الصيف المقبل سهرة فنية ثقافية كبرى بعنوان "نسيم حداد و فرسان العيطة" بمدينة الرباط، ستشمل مجموعة من الأنماط العيطية بحضور مجموعة من الشيوخ الذين سيُغنون لأول مرة يشكل جماعي، لتكون هذه السهرة بداية لمشروع طويل سيشمل جل المدن المغربية.

في ظل وفاة عدد من رواد هذا الفن كيف تنظر لحال ومستقبل العيطة 

أستطيع القول أن العيطة بحال أفضل، لكن هذا لا يعني أنه لا خوف على هذا الموروث الشعبي في غياب سياسة ممنهجة للحفاظ على الغناء الشعبي، و في ظل شح الدراسات الأكاديمية في هذا الباب، اللهم بعد الأكاديميين المشكورين الذين أسسوا للبحث التراثي في المغرب. كما أن غياب التوثيق النصي واللحني بأُسس أكاديمية وعلمية يجعلنا نفقد نصوصا ومثونا كثيرة خصوصا مع وفاة رواد هذه الأنماط الموسيقي التراثي.

أين وصل مشروع كتابك مع حجيب

نحن على مشارف الانتهاء من تصوير حلقات السيرة الذاتية التي ستقدم بداية صوت و صورة في انتظار الشروع في كتابة السيرة الذاتية في كتاب، هذه السيرة الذاتية ستشمل الحياة الشخصية و المهنية للفنان حجيب والتي دامت أكثر من 30 سنة، مع الاعتماد على شهادات لشخصيات من عالم الفن، الرياضة، السياسة و الإعلام، حيث سندرج مجموعة من العيوط خلال بث هذه الحلقات والتي سيقدمها حجيب لأول مرة.

 حدثنا عن ابتكاراتك المهنية و مشاريعك الفنية

في ما يخص مجال الفيزياء النووية، لا أزال أعمل على برنامج كنت قد طورته في مرحلة الدكتوراه والذي يعد من بين أدق البرامج المعلوماتية الذي يعمل بها مشروع "أطلس" حيث سأعمل على تطويره لمسايرة النسبة العالية لتصادم البروتونات داخل كاشف "أطلس".
أما بخصوص المشاريع الفنية، فقد انتهيت من تصوير حلقة الصينية رفقة الفنان المصري 'حمزة نمرة'، والتي ستقدم في برنامج "ريميكس" الذي سبق و أن قدم أغنية إناس إناس للمرحوم رويشة.

كما أعكف على  التحضيرات لسهرة "نسيم حداد و فرسان العيطة" التي ستقدم في مدينة الرباط مباشرة بعد شهر رمضان المقبل. من جهة أخرى، لقد بدأت في تسجيل برنامج جديد يحمل اسم "بحر الغيوان" والذي سأقدم من خلاله بحثا شاملا عن النمط الغيواني ومجموعة "ناس الغيوان" خصوصا بعد أن تشرفت و كُلفت بحمل مشعل ناس الغيوان الذي قدمه لي قيدوم ناس الغيوان الفنان عمر السيد خلال برنامج "حكاية ناس الغيوان" الذي بُث على قناة "الغد" الإماراتية.