لم يستغرق الأمر سوى سبعة أيام لا غير لتظهر لنا مدى هشاشة الأمور، وتتجلى خفة هذا الحكومة التي لا تُحتمل... كان متوقعًا أن ينفجر الأمر بهذه السرعة، الشباب عملوا على تسريع وثيرة الأحداث، هزّوا المشهد كما عبّروا بطريقتهم الخاصة وبلغتهم عمّا ظلت تنادي به فئات من المجتمع المدني منذ زمن.
وفي انتظار أن يتفضل أعضاء الحكومة بقول شيء مفهوم، وأن يجد علماء الاجتماع الوقت والمسافة الكافية لتحليل ظاهرة GenZ212 وفهم هذه القطيعة الجيلية التي تتشكل أمام أعيننا بينما السياسيون عاجزون عن استيعابها، يمكن تسجيل بعض الملاحظات:
- فئتان مختلفتان من "جيل z": الطيبون والأشرار
في غضون أسبوع، بدأت ملامح الحركة تتضح فئة "الطيّبين" هم أولئك الذين تظاهروا حاملين شعاراتهم حول الصحة والتعليم وتخليق الحياة العامة... أي حول الأمل. لكنهم سرعان ما انتقلوا من مرحلة "المطالبة" إلى مرحلة "التمسّك بالحقوق"، وصاروا اليوم يطالبون برحيل الحكومة. لقد تشدّد خطابهم وتزايد تنظيمهم، دون انزلاق إلى المواجهة، بل حافظوا على احتجاج سلميّ وهادئ... "سِلمية"، وهم على ما يبدو لن يتوقفوا قريبًا.
أما "الأشرار"، فقد فقدوا الأمل، يصرخون من عمق اليأس، لكن احتجاجهم خَلّف خسائر بشرية (ثلاثة أشخاص لقوا حتفهم خلال محاولة هجوم على ثكنة للدرك الملكي بمنطقة لقليعة) ومادية كبيرة، مع مئات الجرحى في صفوف القوات العمومية وعشرات السيارات المحروقة.
ردّ السلطات كان منطقيا حازما، فيما ساهم تدخل الأسر (ولو متأخرًا) في تهدئة الوضع لدى هؤلاء الشباب.
- المجتمع المدني بين التوجس والتساؤل
المجتمع المدني يعيش قلقا حقيقيا أمام ما يجري، فالمخاوف تتزايد مع استمرار التظاهرات واتساعها يومًا بعد آخر. الجو العام مشحون، كما أظهره ذلك النداء الغريب الذي انتشر الخميس في الدار البيضاء وطنجة، داعيًا الموظفين إلى مغادرة مكاتبهم مبكرا واصطحاب أطفالهم من المدارس قبل الوقت المعتاد. لقد حظي هذا النداء بتجاوب واسع حيث انتشر الارتباك، قبل أن تُسارع السلطات المحلية إلى نفي الخبر في المساء
الشعب اليوم بين نارين: شباب لا يريدون التوقف، وحكومة لا تعرف كيف تخاطبهم، بل حتى كيف تنصت إليهم.
المزاج العام قاتم، يسوده الترقب، والناس يتأرجحون بين رؤية حركة شبابية ذات مطالب مشروعة وسلمية، وبين مجموعات تخريبية لا هدف لها سوى التدمير. تعبير NEETs (شباب لا يدرسون ولا يعملون) يُستخدم لتوصيف الفئة الثانية، لكنه يزيد من حدة الشك والوصم الاجتماعي.
- السلطة السياسية... في كوكب آخر
السلطة بدت مذهولة، مرتبكة، متوترة، لا تدري ما تفعل، فالتحالف الحكومي يَفتقر إلى الجرأة والإبداع، ورئيس الحكومة يبدو تائهًا وسط الضجيج الشعبي الذي يحمّله مسؤولية ما يجري. إنه، في نظر كثيرين، أصل الأزمة، ومصيره بات مقلقًا حتى بالنسبة لمؤيديه.
لا يمكن إنكار أن هذه الحكومة تتقن فنّ اللامعنى: شباب يهتفون في الشوارع، بينما الوزراء يفرّون من المؤسسات ويلجؤون إلى ما يسمى بـ"تحالف الأغلبية"، كيان هلامي لا صفة دستورية له. ومنذئذ، صار بعضهم يظهر بالقمصان أو الجلابيب البيضاء، ويكتفون بالظهور ثلاثيًا (أحزاب الأغلبية الثلاثة).
زعماء هذه الأغلبية يرفضون بشجاعة مريبة مخاطبة الإعلام مباشرة، باستثناء مهدي بنسعيد الذي يعتبر استثناء شذ عن القاعدة.
في النهاية، الحكومة والبرلمان أغلقا على نفسيهما الأبواب، لا يقولان شيئًا أو يقولان أي شيء، تاركين الشباب في مواجهة مباشرة مع قوات الأمن. وهكذا تُخلق بيئة متوترة وخطرة، حيث يواجه شبابٌ غاضبون شبابًا آخرين يرتدون زي الشرطة أو الدرك، فيما أصل الداء وسبيل العلاج موجودان في المستوى الحكومي. مشهد مُعيب ومُهين بكل المقاييس.
- التدخل الخارجي... واقع لا يمكن إنكاره
إنها موضة العصر العالم الرقمي جعل التدخل في شؤون الآخرين أمرًا سهلاً وشبه يومي، فالروس، الصينيون، الأمريكيون، الأوروبيون... الجميع يتدخل في شؤون الجميع، والعالم الجنوبي ليس استثناءً.
في المغرب، منذ أشهر، تتوالى الهجمات الرقمية ضد القصر، ضد الأجهزة الأمنية، ضد شخصيات عامة، وضد مؤسسات الدولة، "يوتيوبرات" من أوروبا وأمريكا الشمالية — بل ومن المغرب أيضًا — يصبّون الزيت على النار، ينشرون مقاطع مشوّهة أو خارجة عن سياقها، مما يزيد الوضع احتقانًا.
ثم كيف نفسّر ذلك النداء الغامض يوم الخميس 2 أكتوبر بالدار البيضاء وطنجة لمغادرة مقرات العمل والمدارس؟، حقيقة من المهين القول إن شبابنا "مُوجَّهون"، لكن المؤكد أنهم مُخترقون دون وعي منهم.
يكفي إلقاء نظرة على حسابات بعضهم في تطبيق Discord — فضاء تجمعهم الرقمي — للتأكد من ذلك.
- لنفكر قليلًا...
ما يصرخ به شباب GenZ212 منذ أسبوع هو بالضبط ما يقوله المغاربة منذ سنوات: الصحة، التعليم، الفساد، المحسوبية، سوء الحكامة... الملك نفسه دقّ ناقوس الخطر مرارًا، داعيًا السياسيين إلى العمل من أجل الوطن لا من أجل أنفسهم، محذرًا من "مغرب بسرعتين"، ومن الفوارق المجالية والاجتماعية.
منذ 2021، يعيش المغرب تحت أغلبية قوية بالأرقام وضعيفة في الأداء، تحالف لا يجمعه سوى الحساب الانتخابي، ورئيس حكومة لا يمتلك حسًّا سياسيًا، لا يصغي إلى الناس ولا يحسّ بنبض الشارع، فضلًا عن أنه لا يجيد مخاطبته.
أربع سنوات من الفراغ المؤسساتي في مقابل مجتمع يغلي، وأربع سنوات تسارعت فيها هجرة الأدمغة، وبقي فيها فقط من لم يجد سبيلاً إلى الرحيل.
نعم، المغرب يتقدم… لكنه يتقدم بسرعة خاطئة. المجتمع يريد أن يتطور أكثر وأفضل، الشباب يفورون بالطموح، والملك يحمل رؤية طموحة وجريئة لمكانة البلاد في العالم، لكن الحكومة تُعطّل المسار. تشكيلة تجمع بين التكنوقراط الأكفاء والسياسيين المعروفين والوزراء الملتزمين، لكنها تفتقر إلى قائد يُوجّه، ويتكلم، ويتحمل، ويُصحّح. شخص واحد فقط غائب... لكن غيابه يُحدث كل هذا الفراغ.
- ماذا علينا فعله الآن؟
تبدو تدخلات المؤسسات الملكية الخيار الوحيد القادر على تهدئة الوضع وطمأنة شباب GenZ212، بموجب الفصل 42 من الدستور، لكن قبل ذلك، على المؤسسات الأخرى أن تتحرك — إن كانت تملك الإرادة.
الشارع يغلي، الشباب في حالة غليان، الأقل شبابًا يعيشون الغضب في صمت، القيادات السياسية مرتبكة، قوات الأمن تحت الضغط، كأس إفريقيا تقترب، والعالم يراقب... فماذا ينتظر البرلمانيون الذين يملكون فرصة تاريخية لاستعادة ثقة الناس في السياسة، لمساءلة الحكومة، بل حتى لطرح ملتمس رقابة.
حكومة عزيز أخنوش، ومعها المنصوري وبنسعيد والبركة، لا يمكن أن تستمر على هذا المنوال، هي باقية بفضل نوابها، تحتمي وراء الأمنيين، وتلوذ بالقصر.
وفي 29 يوليوز 2017، قال الملك محمد السادس: "عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للإستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة.
أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الإختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه.
وهو ما يجعل المواطنين يشتكون لملك البلاد، من الإدارات والمسؤولين الذين يتماطلون في الرد على مطالبهم، ومعالجة ملفاتهم، ويلتمسون منه التدخل لقضاء أغراضهم".
أكيد أن هذه كلمات الملكية السامية ما زالت صالحة اليوم أكثر من أي وقت مضى... لذلك نقول للسيد أخنوش، المغرب ينتظر منكم أن تكونوا في مستوى التحديات والمخاطر.
04 octobre 2025 - 10:00
03 octobre 2025 - 14:00
02 octobre 2025 - 14:00
02 octobre 2025 - 13:20
02 octobre 2025 - 12:20
02 octobre 2025 - 00:30
28 septembre 2025 - 13:00