عزيز بوستة يكتب :
كانت التحذيرات تأتي من كل حدب وصوب عندما بدأ الغضب والسخط يتسللان إلى عدد المدن كما في القرى المغربية، فالشباب سئموا الانتظار، ولم يعودوا يخفون ذلك. ففي عطلة نهاية الأسبوع، شهدت عدة مناطق مسيرات واحتجاجات واعتصامات للتنديد بأوضاع الصحة، والسياسات التعليمية، وغياب فرص الشغل… ورغم بعض التجاوزات، فقد تعاملت قوات الأمن بوجه عام بقدر من الانضباط والتجاوب. كل شيء ما زال (إلى الآن) تحت السيطرة.
وعندما يُتداول مصطلح NEETs، يُذكر عادة الرقم 4,3 ملايين شاب معنيّين، غير أن ما يُغفل حسابه هو أسر هؤلاء، ما يعني أننا أمام ما يقارب ربع سكان البلاد الغارقين في خيبة الأمل والغضب. في الجهة المقابلة، عند صانعي القرار في الحكومة، لا نكاد نسمع سوى صمت حذر أو رضى ساذج عن النفس، أو ببساطة، عجز بيّن في تدبير الأمور. يضاف إلى ذلك معضلة المستشفيات المتهالكة والمدرسة العمومية التي تعيش احتضارا حقيقيا.
في بلد مثل المغرب، يظل الفعل السياسي جوهريً، فهو المعني أولًا بتدبير القيود الاقتصادية والإجابة عن المطالب الاجتماعية، وهو المخاطب المباشر لغضب الشارع والاحتقان الاجتماعي، عبر التواصل معهم. وهنا بالتحديد تكمن المعضلة اليوم. فشباب الجيل Z، وإن كانوا مشبعين بالقيم والمبادئ السائدة في المغرب، فإنهم يتحركون بمنطق مغاير وبأدوات تواصلية جديدة لا يمتلكها السياسيون. وهو أمر مؤسف، لكنه قبل كل شيء مقلق وخطير.
ولماذا خطير؟ لأن الانكفاء والركون للصمت إزاء الاحتجاج يحوّل السخط الأولي إلى ضغينة، ثم إلى غضب جارف. وما وقع نهاية هذا الأسبوع دليل قوي: شباب تبادلوا الدعوات عبر شبكات التواصل (كما يحدث في بلدان أخرى كثيرة) وخرجوا ليصرخوا بألمهم؛ في مواجهتهم كانت قوات الأمن. وبين الاثنين، كان يُفترض أن تتدخل المؤسسات الوسيطة لتفسر وتتحاور، لكن شيء من ذلك لم يحصل، فزادت بذلك من جسامة مسؤوليتها.
تمام، النص الذي أرسلته مكتوب بأسلوب افتتاحي تحليلي ساخر، يتنقل بين السرد الصحفي والوصف المباشر والتعليق السياسي. حتى تحافظ الترجمة إلى العربية على نفس النفس والحدة، يجب أن تُنقل بروح المقال لا بحرفيته. إليك النسخة المترجمة بلغة عربية صحفية رصينة وقريبة من أسلوب الكاتب:
وهكذا وجدنا أنفسنا أمام مواجهة مباشرة بين شباب متعلم ومثقف ومسالم من جهة، وقوات الأمن من جهة أخرى. فالأمنيون لديهم بروتوكولات عمل واضحة: كل تظاهرة عفوية (وهذه كانت كذلك) ينبغي تفريقها. وهذا ما قامت به الشرطة. وعلى عكس ما قيل وكتب، لم تُسجَّل أي أعمال عنف، بل اقتصر الأمر على بعض التوقيفات أعقبتها إفراجات دون متابعة، من دون تلك الوحشية المنفلتة التي نشاهدها اليوم، بجوارنا، في أوروبا. يبدو أن كلمة السر لدى السلطات كانت "التحكم والاعتدال"، مع الحضور الميداني بطبيعة الحال، مع الجعل من التوقيفات وسيلة لـ"الاقتراب من الشباب" الذين خرجوا فجأة، لفهم حركيتهم بشكل أفضل.
حوار بين صحفي وأحد الشباب المحتجين. السؤال: "ماذا تنتظر؟ ما الذي تأمله للغد؟". الجواب: "لا شيء، لا أريد شيئًا للغد، أنا هنا من أجل اليوم. لسنا بصدد العودة إلى النظرية اللينينية لبناء مجتمع الغد، نحن نريد مجتمع اليوم، الآن!". شباب مثقف ومتعلم إذن، لكن بخطاب جديد للتعبير عن مطالب قديمة، في مواجهة طبقة سياسية ليست فقط متقادمة، بل عاجزة عن التعلم من أخطائها، عن فهم الحاجات، عن تقديم أجوبة فعالة.
للتلخيص في كلمة واحدة: شباب ناقم وساخط يزعزع الاساقرار، بينما السياسيون المرتبكون ينتظرون التعليمات، فيساهمون من حيث لا يشعرون في تغذية الفوضى. إن المعضلة اليوم أن الأوضاع في هذه المرحلة قد تنزلق بسرعة، أو تُستغل سياسيًا، بل وقد تُخترق وتُوجَّه. مجموعة GenZ212 التي دعت إلى هذا الحراك نشرت بيانات للتبرؤ من بعض المواقف المنشورة على شبكاتها، وللتنديد بمحاولات الاستغلال من قبل جماعات راديكالية تبحث قبل كل شيء عن المواجهة مع السلطات، ورفضت أيضًا خطابات التحريض الصادرة عن بعض اليوتيوبرز الناشطين من كندا أو إسبانيا أو فرنسا.
ومع أن الأحداث جرت في ظل قدر من الاعتدال وضبط النفس، إلا أن عددًا من المعلقين والمؤثرين وبعض الصحفيين سارعوا إلى اجترار عاداتهم القديمة: التنديد بـ"القمع"، إعلان مرثية حرية التعبير، شجب ما اعتبروه تدخلات "عنيفة»"… وهكذا غذّوا الغضب بدل أن يلاحظوا أن الشرطة لم تُخرج "الروبوتات القمعية"، بل اعتمدت في غالبيتها على عناصر متفهمة ومسالمة. وليت هؤلاء يقارنون بما يجري من قمع في أوروبا والولايات المتحدة: عناصر مدججون، ملثمون، فظّون، عنيفون، يضربون ويركلون ويطلقون النار ويجرّون الناس أرضًا ويزجون بهم في السجون…
لا شيء من هذا حدث نهاية الأسبوع: الشباب تظاهروا، وقوات الأمن سعت للحفاظ على النظام. غير أن الوساطة غابت كليًا، رغم أن التظاهرات جرت أمام البرلمان، الذي غاب بظلامه المطبق. ومن المتوقع أن تبادر الأحزاب ببياناتها المعتادة، متباكية على شباب لم تعرف يومًا كيف تخاطبه، ومزايدة على حكومة طالما حلمت بالانتماء إليها. إنه إفلاس أخلاقي وخضوع طوعي؛ لقد كتب الفيلسوف الفرنسي أتيان دو لا بويسي ذلك منذ قرون. أما رئيس الحكومة، المسؤول بالضرورة عما جرى، فقد بدا عاجزًا تمامًا حتى عن قول "لقد فهمتكم".
نحن إذن أمام منعطف حقيقي، المجتمع يغلي، الشباب في حالة غضب صريح، لكنهم لا يجدون من يحاورهم، وهذا ما يزيد الاحتقان مسؤولية الحكومة هنا جسيمة. وبينما حذّر الملك يوم 29 يوليوز من "مغرب يسير بسرعتين"، وتولى وزير الداخلية الملف الاجتماعي والقضية الترابية بشكل مباشر، جاء رئيس الحكومة ليشعل فتيلًا جديدًا في خرجته التلفزيونية يوم 10 شتنبر، حين أبدى وصرّح برضا لم تتقبله لا فئة الشباب، ولا المجتمع، ولا حتى أولياء هؤلاء الشباب.
كفى! المغرب، شبابه، تاريخه، مستقبله، واستقراره قبل كل شيء، يستحقون أفضل. آن للعبث أن يتوقف، وحان وقت الخيارات الكبرى والقرارات الكبرى والجريئة...
29 septembre 2025 - 12:00
28 septembre 2025 - 13:00
27 septembre 2025 - 11:00
26 septembre 2025 - 21:00
25 septembre 2025 - 10:00
18 septembre 2025 - 18:15
19 septembre 2025 - 12:10