عبد القادر الفطواكي
لم يكن نزول شباب "جيل Z 212" إلى الشوارع والساحات حدثًا عابرًا، بل كان علامة فارقة في المسار الاجتماعي والسياسي للمغرب. هؤلاء الشباب أبناء العصر الرقمي، اختاروا أن يرفعوا صوتهم بلغة سلمية حديثة، عبر منصات "تيك توك" و"إنستغرام" و"ديسكورد"، حاملين مطالب واضحة وبسيطة: إصلاح المدرسة العمومية، إنقاذ المستشفيات المنهكة، وفتح آفاق عمل تحفظ الكرامة وتكسر دائرة البطالة واليأس.
كانت البداية ناصعة البياض موشومة باحتجاجات سلمية، شعارات اجتماعية صرفة، وانضباط لافت جعل الرأي العام يرى في هذا الجيل بارقة أمل. بدا وكأن المغرب يستمع لصوت جديد، ناضج في مطالبه، مبدع في وسائله، صادق في نواياه. غير أن هذه الصورة لم تدم طويلاً؛ إذ سرعان ما تحولت بعض الشوارع إلى مسرح للفوضى، بعدما اندسّت عناصر مشبوهة لا علاقة لها بصوت الاحتجاجات الاجتماعية ولا بالمطالب السلمية. سيارات محطمة، مؤسسات عمومية وخاصة مستهدفة، بنوك ومرافق أُحرقت، وأرواح أُزهقت. من السهل أن نفهم حينها أنّ الهدف لم يكن الدفاع عن الصحة والتعليم، بل السطو على الاحتجاج، وإغراقه في مستنقع العنف والفوضى.
هنا بالضبط يتمايز المشهد بين جيلين: جيل Z، الذي اختار السلمية والمطالبة بالحقوق، وجيل آخر يمكن أن نسمّيه "جيل قيمش"، جيل الظلال والكمامات السوداء، الذي يتغذى على الخراب ويحوّل الحراك النبيل إلى فوضى بلا عنوان. هؤلاء لا يمثلون الشباب المغربي، بل يمثلون أنفسهم ومن يحاول الركوب على الحركات الاحتجاجية لتصفية حسابات أو لنشر الفوضى.
إن النقد لا يعفي الدولة من مسؤولياتها؛ فالحكومة التي تكتفي بإصدار بلاغات باهتة وتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، أو بتدبير الملف عبر المقاربة الأمنية وحدها، تزيد الشرخ ولا ترممه. المغرب يحتاج إلى خطاب واضح وإجراءات عملية: خطة استعجالية للنهوض بالمدرسة العمومية، إصلاح جذري للمنظومة الصحية التي لم تعد تحتمل، برامج جدية للتشغيل، ومحاربة حقيقية للفساد الذي ينهش جسد الدولة والمجتمع. الشباب لا يطلب المستحيل، بل يطالب بالحد الأدنى من الكرامة والعدالة الاجتماعية.
لكن في المقابل، لا يمكن باسم هذه المطالب المشروعة أن نغضّ الطرف عن التجاوزات التي رافقت بعض المظاهرات. فكل من تورط في التخريب، في إضرام النار، في تكسير الممتلكات العامة والخاصة، أو في الاعتداء على رجال الأمن والمواطنين، يجب أن يُقدَّم للعدالة ويُحاسب وفق القانون. فالفوضى لا يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق الإصلاح، والعنف لا يمكن أن يلبس قناع النضال.
إنّ الرهان الأكبر اليوم هو التمييز بذكاء بين الاحتجاج المشروع والعنف المرفوض. فمن جهة، يجب على السلطات أن تستمع للشباب وتفتح قنوات حوار حقيقية معهم، وأن تعترف بشرعية مطالبهم وتعمل على ترجمتها إلى سياسات ملموسة. ومن جهة ثانية، عليها أن تطبق القانون بصرامة على كل من يحاول تدمير ممتلكات المواطنين أو زعزعة الأمن العام، حتى لا تتحول المطالب النبيلة إلى وقود لحروب صغيرة لا ناقة للشباب فيها ولا جمل.
لقد أثبت جيل Z أنه يملك القدرة على رفع سقف الوعي السياسي والاجتماعي في المغرب، وأنه ليس جيلا ضائعًا كما يصفه البعض، بل جيلًا يرفض الضياع ويصرّ على أن يكون له مكان في صناعة المستقبل. غير أن أي تهاون في حماية سلمية هذا الحراك سيترك الباب مفتوحًا لـ"جيل قيمش" كي يسطو على الأمل ويحوّل الشوارع إلى ساحة خراب.
المغرب اليوم يقف عند منعطف دقيق إما أن ينصت لأبنائه ويحتضن مطالبهم المشروعة، وإما أن يظل أسير سياسة الإنكار وردود الفعل الأمنية وحدها. والوقت لم يعد في صالحنا؛ لأنّ الصمت أطول من اللازم يتحول إلى عبء، والإهمال المستمر يولّد غضبا يمكن ضبطه.
إنّ مسؤولية الحكومة ليست فقط في تطبيق القانون على المخربين، بل أيضًا في إنصاف الشباب الذين يطالبون بحقوقهم الدستورية. فالتاريخ لا يرحم من يضيّع لحظة الإصلاح حين تُمنَح له، ولا يغفر لمن يساوي بين من يرفع شعار السلمية ومن يشعل نار التخريب.
جيل Z الحقيقي يستحق أن يُستمع إليه، أما "جيل قيمش"، فمكانه الطبيعي هو قاعة المحاكم.
29 septembre 2025 - 20:00
21 septembre 2025 - 10:00
02 septembre 2025 - 14:00
01 septembre 2025 - 21:00
15 juillet 2025 - 20:00
26 septembre 2025 - 21:00
28 septembre 2025 - 13:00
02 octobre 2025 - 00:30