إسماعيل الطالب علي
أمام كثرة العنف والاعتداءات التي أضحت تنخر المجتمع، خصوصا أنه لم يعد الاقتصار فقط على ارتكاب سلوكات إجرامية بعينها، بل تعداها ليرتبط الأمر بتوثيقها ونشرها أحيانا، تُطرح مجموعة من التساؤلات، التي نحاول مقاربتها في هذا الحوار مع إبراهيم الحمداوي، أستاذ علم الاجتماع الإجرامي.
كيف ترى تفشي العنف في المجتمع المغربي؟ وما نظرة الناس لهذه الاعتداءات التي كثرت؟
أعتقد أن العنف داخل المجتمع، أو الجريمة أو الانحراف أو الاعتداء بكل أنواعه، اللفظي أو الجنسي، من سرقات من اعتداءات..الخ، موجودة في المجتمع بل في كل المجتمعات، وهي قديمة قدم الإنسان.
فالجريمة ونسبها، كما هي في الواقع، وكما يتصورها الرأي العام والباحثون، موجودة طبعا في المجتمع، غير أنها تتطور كمّاً وكيفاً، وهي نتيجة للنمو الديمغرافي والبطالة والانفتاح على اقتصاد السوق والعولمة، وكذا نتيجة لرغبات الناس التي ازدادت وكبُرت وكبّرها الإعلام، خصوصا عبر الإشهار وعرض حياة "البذخ"، وكذلك من المقارنات بين مجتمعات متقدمة ومجتمعات في طريق النمو.
وانتشرت كذلك وتطورت على مستوى الكيف، من "تمخارت" كما يسميها المجتمع "القديم"، من اعتداء جنسي وعلاقات جنسية، ووعد بالزواج ثم "يهرب الزوج" وهذه كانت طريقة تقليدية معروفة، إلى الطريقة التي أصبحت اليوم مثل ما شهدناه مؤخرا من الاعتداء العلني في الشارع وتوثيق هذه الاعتداءات بالصوت والصورة.
ماذا عن الانتشار المجالي للعنف؟ وما تفسير ذلك؟
للأسف تطور العنف مجاليا، حيث لم يترك مجالا ولا مؤسسة إلا ووصلها، وليس ببعيد، على سبيل المثال ما تناقلته وسائل الإعلام حول الضجة التي عرفتها زاكورة ومدينة سلا وبالدار البيضاء، وفي كثير من مناطق المغرب.
والملاحظ أن العنف وصل إلى عمق كل المؤسسات، حتى تلك المؤسسات التي كانت تهتم بالتربية، وللأسف، فالنتائج هي العنف، كمؤسسة الأسرة، التي أضحينا نلاحظ العنف فيها.عنف في كثير من الأحيان إلى القتل.
هذا العنف الذي أضحى يتجلى واضحا وجليا، من قبيل الفيديو أو التوثيق الذي سرب إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثل السيد الذي عنف زوجته بأكادير)، والشاب الذي يعتدي على الفتاة بالشارع العام ويوثق جريمته، وغيرها الكثير من عنف في الطريق، وفي الشارع العام..
وما يزيد من حدة هذا العنف، ومن تطور هذه الجريمة، وكَبّرها في عقول الناس، هو التطور الذي لحق وسائل الإعلام والاتصال، هذه الوسائل التي انتشرت بسرعة كبيرة -لم نجد لها تفسيرا-.
وإذا كانت من قبل الجريمة أو الاعتداء أو العنف يكون في دائرة محددة، بمعنى في المحيط والحي وأناس قلة هم من يرونه، الآن جريمة تقع في الوقت وفي الحين، يمكن أن يشاهدها العالم بأسره، لدرجة أن يلاحظها عبر تقنية اللايف أي بالمباشر، مثلا جريمة اعتداء وقعت بمدينة طنجة، نجد سكان الكويرة يشاهدون ذلك وفي أي مكان في العالم بفضل انتشار وسائل التواصل للأسف تستعمل في أغراض سلبية.
كيف تغير تعاطي الناس مع حالات العنف الذي نعرفها اليوم؟
المجتمع عرف تحولا كبيرا جدا فيما يسمى بـ"آليات الضبط الاجتماعي"، بحيث انتقلنا من مؤسسات القبيلة والحومة والدرب والجماعة، والعائلة ووو..، إلى ما يسمى بقانون المؤسسات العقلانية التي تنضبط أو تحتكم إلى مجموعة من القوانين، لدرجة أنه يمكن للمرء أن يقوم بالتدخل لإنهاء نزاع معين ويجد نفسه في السجن، لأنه قام بتدخل لم يكن ينبغي القيام به، أو على سبيل المثال يمكن للمرء أن يقوم بالتبليغ "ويتجرجر كثر مكايتجرر المجرم".
هذا التحول وإن كان تحولا قانونيا، فإن التحول الثقافي لم يساير هذه الأمور، فشباب اليوم ليس لهم وعي كاف بحدود المسؤولية الجنائية والقانونية وتبعاتها بشأن تصوير حدث اعتداء معين، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن للأسف غياب القانون وغياب التربية القانونية والأمنية هو ما يؤذي إلى مثل هذه الأمور.
والجدير بالذكر أن المجتمع المغربي يحتوي على أجيال، في جيل قديم ما تزال لديه أفكار من قبيل إذا سرق شخص ما في دوار معين سيقتل، ولكن في المدينة يمكن أن نرى فتاة يعتدى عليها ويمر المرء بشكل عادي وبأريحية، أو حتى أنه يمكن أن يوثق الحدث عبر كاميرا هاتفه ويتقاسمه مع زملائه أو مع العالم، وهذا جيل آخر.
أمام كل هذه الاعتداءات والممارسات التي يشوبها العنف، فمن يتحمل المسؤولية؟
أولا لا يمكن تحميل المسؤولية للأمن وحده أو للمجتمع وحده، فهذه مسؤولية مشتركة فيها الأسرة والمدرسة والإعلام، ومسؤولية الوزارات الوصية التي تهتم فقط بردود أفعال حول مجموعة من القضايا.
فلا بد لهذه المؤسسات ومن بينها وزارة الأسرة والتضامن، وزارة العدل، حقوق الإنسان، والشباب والداخلية، والتي كلها مسؤولة عن عدد كبير من القطاعات، أن تقوم ببرامج للتوعية، تطرح حالات وقائعية يعيشها المجتمع الحالي وتساير مشاكل وتطورات العصر، والابتعاد عن تلك القضايا "التافهة" التي تطرح حاليا على التلفزة المغربية.
أيضاً المجتمع المدني بدوره يجب أيضا أن يتحمل مسؤوليته، وأن يبادر للأعمال الإيجابية والحيلولة والسبق، وعدم الانتظار حتى وقوع الجريمة آنذاك يقوم بردة فعل، بل يجب العمل مسبقا للحيلولة دون وقوع مثل هذا النوع من الجرائم.
ما هي الأسباب الجوهرية الحقيقية التي تنتج العنف؟
فالأسباب يتحملها اختلال العلاقة بين الفرد والمجتمع، بل تتحملها مؤسسات المجتمع بأكملها، من المجتمع المدني إلى المجتمع السياسي.
هناك أيضا الضغط القوي الذي يمارسه المحيط، والسلوكات السلبية السائدة، فللأسف هناك مرجعيات داخل المجتمع تظهر بصورة شئنا أم أبينا -على سبيل المثال- أن الفنان أو المغني الساقط أو.. هو الناجح، فذاك إشهار لثقافة البذخ، وهو ما ليس باستطاعة شباب اليوم بأكمله، وبالتالي يقوم بكل ما من شأنه أن يلبي رغباته المكبوتة.
مسألة أخرى، قابلية الأفراد للانخراط في الجريمة أو العنف نتيجة اهتزاز القيم، بمعنى أن هناك تحول لذوات حاملة وناقلة ومشيعة للعنف، لذلك أصبحت قيمنا قيما سوقية تُباع وتشترى، في غياب شبه تام لمضمون القيم في بعدها الرمزي.
بالإضافة إلى أن المجتمع يعطي المكانة والقيمة لأصحاب المال في تغييب تام لمصادر ومنابع هذا المال، المهم أن يكون وإن كان غير مشروعا، وهي القيمة التي تفوق قيمة أصحاب العلم والتحصيل والصناعة والتجويد وغيره.
يمكن القول كذلك، بأن الجريمة هي انحطاط في النظام الأخلاقي التربوي الأسري والمدرسي، وهذا يعني أن المدرسة لا تستطيع أن تقوم بدورها الحقيقي بالرغم من الأموال المنفقة لأجل ذلك، ودليل ذلك ما تُخرج لنا من أفراد أغلبيتهم يكونون عنيفين ولا يعرفون ما يقومون به داخل المجتمع، وقد يكونون أيضا نتيجة الهدر المدرسي، لتخرج لنا بذلك انحطاطا وترديا وقيما سوقية فرضها ما يسمى "اقتصاد الاستهلاك".
هذا الانحطاط في النظام الأخلاقي التربوي الأسري والمدرسي المجتمعي ومكوناته، يحتوي على درجات من عدم الحياء، وعدم الصبر الذي يدفع إلى العنف وبالتالي الارتماء في أحضان الجريمة.
عدم الحياء هذا، هو الذي يدفع بنا إلى القتل، إلى المرور بالتخريب والتهديد، وكذا المرور بالكلام النابي والعبارات الساقطة التي نزدريها ونستنكرها وتمجّ أسماءنا.
من الأسباب الفردية أيضا، الحاجة إلى إشباع الرغبات بالطرق غير المشروعة وإثبات الرجولة لدى الشباب، معتقدين أن ذلك يصب في منحى "الرجولة"، من قبيل تعاطي المخدرات وحمل الأسلحة البيضاء، وقطع الطريق والسب والشتم.. وغير ذلك، وهو ما يجسد تغير المفاهيم والقيم.
والملاحظ في جميع أنحاء العالم، أنه لم نشهد أفرادا مجتهدين ونابغين يقومون بمثل هذه الأعمال، بل ما يقوم بها فقط الفاشلون والمنحطون المحبطون وضعاف النفوس الذين لم يجدوا مكانهم الطبيعي لا في المدرسة ولا الأسرة ولا حتى في الشارع.
الأسر كذلك لم تعد قادرة على نقل القيم الثقافية الإيجابية أو السَليمة أو السِّلمية، بحيث أضحى الكل يلهف لجمع المال بأي طريقة، بحيث لم يعد هذا حرام أم حلال، أو هذا عيب أحشومة.. الخ.
والخلاصة أن هذا العنف هو نتاج تأثير مجموعة من التقلبات العقلية والانفعالية والفسيولوجية، إلى جانب التوتر الناتج عن عدم إشباع بعض الحاجات المادية أو النفسية، وكذا الخضوع للضغوط النفسية الناتجة عن المشاكل الأسرية والمجتمعية.
فالأسرة والمجتمع لم يعدا ناقلان للقيم، وبناء على ذلك فهذه التفاوتات الطبقية، في الاستهلاك وفي الدخل، وعلى المستوى المظهري..الخ، ساهمت في خلخلة العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبالتالي تدفع الإنسان إلى تلبية طلباته ورغباته بأي طريقة.
أيضا ما يتعلق بالمعاناة الناتجة عن عدم الاستقرار وعن عدم القدرة على تدبير الغضب، والشعور بالإحباط، وكذا عدم القدرة على مجاراة الأقران.
وكيف السبيل للحيلولة دون وقوع هذا العنف أو على الأقل الحد منه؟
هناك اختلالات كبيرة جدا، بحيث تطرح مجموعة من التساؤلات، هل نرجع لقضاء الشارع وبالتالي الكل يأخذ حقه بيده؟ بمعنى أن نرجع لعهد "السيبة" في غياب المؤسسات، أم ننتظر هذه المؤسسات التي كثرت أمامها القضايا والمشاكل حتى أنها بدأت تئن؟ لدرجة أن المجتمع كله يشكو.
وبناء على كل الأسباب التي ذكرت، فالمقاربة الأمنية وحدها ليست كافية، بل لا بد من إعادة النظر في برامجنا بكاملها، وألا يجب أن نفكر فقط في الربح المادي، وإنما يجب أن نعيد الاعتبار للربح الرمزي، بحيث إذا ربحنا الأمن والسلم وشبابا يمتلكون ثقافة معينة، يمكن أن نصل إلى السلم، ونتفادى ونتحاشى الكثير من هكذا مشاكل.
ثم أنه تكاد تجمع مختلف التقارير حول العنف والجريمة، أنه يكون بالضرب بالسب والشتم والغش والسرقة، وحتى هاته التقارير على علتها وحتى الإحصاءات التي تقدمها الوزارات المعنية حول العنف والسرقة والمخدرات والاعتداءات الجنسية.. الخ، هي الكثيرة في المجتمع، وبالتالي بدل الاقتصار على عقاب المخالفين بسجنهم في السجون والزنازين، الانكباب على البرامج التوعوية، لأن من يقومون بتلك الممارسات هم نتاج لقلة وعيهم وبعواقب وتبعات أفعالهم.
والمتعين، ارتباطا بمجال الإعلام ودوره، ينبغي أن نبرز نماذج النجاح الحقيقية في شخص العلماء والأشخاص الذي امتازوا في مجال الصناعة والأعمال، وغير ذلك، وأن لا يظل الوضع كما هو عليه، عبر الاقتصار على إظهار كل ما هو ساقط على أنه النجاح بعينه.
وبالتالي، فلا بد القيام ببرامج استباقية، واستهداف دور الشباب والأحياء لتوعية الناس بهذه القضايا التي تحدث في الشارع والمدرسة، والقيام بحملات داخل هذه المدارس والشارع والمسجد، حتى أن خطب الجمعة ينبغي تغييرها بخطب أخرى تقدم إجابات لمشاكل العصر والتي يعاني منها الإنسان.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00