بلخير سلام
أكد عبد الرحيم غريب، أستاذ باحث في الحكامة الرياضية في "المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير الدار البيضاء"، على ضرورة خلق شركات رياضية، طبقا لقانون التربية البدنية رقم 09-30، اعتبارا منه لتوفر أحد الشروط الأساسية المتضمنة للمادة 15 من هذا القانون.
وتحدث الأستاذ الباحث في الحكامة الرياضية، ضمن هذا الحوار الذي أجراه معه موقع "مواطن"، عن النموذج الأنسب لإخراج المشروع، ومدى أهميته لتطوير كرة القدم المغربية، من خلال "شركات المساهمة"، مشيرا إلى أنه تمنى لو أن القانون تحدث، أيضا، عن "شركات الاقتصاد المختلط"، .
ولم يخف الأستاذ غريب تطرقه لبعض الإشكالات والإكراهات، لاسيما المخاوف المحتملة لدى المستثمرين الخواص المفترضين في قطاع الرياضة، مقترحا مجموعة من المفاتيح الكفيلة بتذويب المعيقات، وتشجيع المساهمين في الشركات الرياضية.
في ظل مبادرة جامعة كرة القدم في الدفع إلى خلق شركات رياضية للأندية الوطنية، نود منكم صورة تقريبية حول هذا المشروع المزمع إخراجه؟
طبقا لقانون التربية البدنية رقم 09-30، يحق للجمعية، أو فرعا معينا ضمن نادي متعدد التخصصات، خلق شركة رياضية، في حال توفر أحد الشروط الثلاثة المتضمنة للمادة 15 من هذا القانون، وهناك شرط يبدو متوفرا لدى كل الجمعيات، خاصة كرة القدم على الأقل، وهو يتعلق بأن يكون 50 في المائة من اللاعبين الراشدين محترفين، في إطار تعاقد احترافي مع النادي.
والجمعية تكون مساهما في الشركة، بنسبة ثلث من الأسهم وثلث من حق التصويت، وذلك على الأقل، وقد تكون النسبة أكبر من ذلك بكثير، والشركة من شأنها تدبير الشق الاحترافي، وتساعد على هيكلة الأندية وتساهم في إنجاح التجربة الاحترافية. لكن يبقى من الضروري العمل على إعداد الأجواء الملائمة لخلق الشركة، وجعلها تستهوي المستثمرين الخواص.
هل يمكن الحديث عن تحويل الجمعية الرياضية إلى شركة في الوقت الراهن، موازاة مع الوضع الرياضي بالمغرب؟
المسألة الأولى، لا يتعلق الأمر بتحويل الجمعية إلى شركة، بل بإقدام الجمعية على خلق شركة رياضية، ويجب هنا أن نقر بمسألة أساسية، وهو أنه حان الوقت كي نتعامل بجرأة ونطبق القانون، باعتبار أن الحديث عن خلق شركات رياضية قد مرت عليه سنوات كثيرة، ولم يعد وقت إضافي للانتظار، خاصة أن الفترة الانتقالية قد طالت كثيرا.
وبموجب المادة 15 من قانون 09-30، فإن الجمعية أو فرعا معينا، وإذا ما توفر لديه شرط واحد من ثلاثة شروط، كما قلت، تصبح الجمعية متعددة التخصصات ملزمة بخلق شركة، والحديث هنا لا يسري عن كرة القدم، بالضرورة؛ بل حتى لو توفر الشرط أو الشروط في فروع أخرى، مثل كرة السلة أو ألعاب القوى أو غيرهما، ونفس الشركة يوكل لها تسيير الشق الاحترافي للفرع كلما توفرت الشروط لذلك.
وإذا كانت المادة 15 تتحدث عن 3 شروط، وأن الشرط الأول متوفر لدى الأندية، كما أوضحت سابقا، فإن هناك شرطين آخرين، أحدهما يتعلق بالكتلة الأجرية، والآخر يتعلق بمداخيل النادي؛ ولكن هذه الكتلة الأجرية والمداخيل، أو هذان الشرطان يبقيان متوقفين على المراسيم التطبيقية التي يجب أن تحدد لنا المستوى الذي يمكن أن تصبح بشأنه الجمعية ملزمة بخلق الشركة الرياضية.
ماذا عن ضرورة صدور مراسيم تنظيمية للانتقال من نظام جمعوي إلى نظام بين جمعوي وشركاتي؟
إذا تأملنا روح قانون 09-30، فإن المادة 118 تقول إنه لا يمكن لهذا القانون أن يدخل حيز التطبيق، إلا إذا خرجت جميع المراسيم التي تضمن التطبيق الكامل، وهذا الفصل لوحده يمكن له أن يوقف كل شيء، لكن يجب أن نتحلى بنوع من الجرأة، وهذا لا يعني عدم تطبيق باقي المقتضيات، فهذه المسألة فيها اجتهاد، وطالما أن شرطا واحدا متوفرا من أصل الثلاثة المتضمنة للمادة 15، أعتقد أنه لا داعي لمزيد من الانتظار.
وبحكم أن الشرطين الآخرين يشكلان نوعا من العرقلة، في حال لو انتظرنا صدور المراسيم التطبيقية، والتي قد يطول الانتظار بشأنها، فإن ذلك، والحال، قد يبدو معرقلا للمشروع، وبالتالي ينبغي إزالته، بحكم أنه يجب السير نحو العمق وتفادي الشكليات، لأنه إذا انتظرنا خروج المراسيم التطبيقية، فإن الأمور قد تتعقد، وقد يكون مصير قانون 09-30 مثل قانون 06-87، عندما بقينا ننتظر المراسيم دون أن تخرج إلى الوجود، وبالتالي فإن وزارة الشباب والرياضة مطالبة كي تقوم بدورها، كم هو الشأن بالنسبة إلى الأمانة العامة للحكومة.
على ذكر وزارة الشباب والرياضة، ألا ترى أنها كانت الأولى باتخاذ مبادرة خلق شركات رياضية، اعتبارا لقانون التربية البدنية 09-30، بدلا من الجامعة الملكية لكرة القدم؟
هذا هو ما يفاجئني بالتأكيد، وصحيح أن المبادرة يجب أن تأتي من الوزارة الوصية عوضا من جامعة كرة القدم، لأن الأمر يتعلق بقانون التربية البدنية، والوزارة هي المعنية، بالدرجة الأولى، بالسهر على تطبيقه، لكن على ما يبدو، فإن السبب وراء ذلك يكمن في كون إيقاع الجامعة أسرع من إيقاع الوزارة، وهذه قناعة شخصية لدي، ثم إن الشرط الأول متوفر لدى جميع أندية كرة القدم، وربما هذا سبب آخر جعل الجامعة الملكية لكرة القدم تأخذ المبادرة.
ولعل هذا هو السياق الذي حاولت فيه التركيز على هذه النقطة بالذات، لأن الأولى باتخاذ المبادرة لخلق الشركة، ليس فرع كرة القدم، بل المكتب المديري، وذلك تماشيا مع روح قانون 09-30، الذي يوصي بأن تأتي المبادرة من المكاتب المديرية، بيد أننا في المغرب نلاحظ أن المبادرة جاءت من جامعة كرة القدم، ومن خلالها الأندية المنضوية تحت لوائها، والحال أن المشكل يجب أن يحل على مستوى المكاتب المديرية للأندية متعددة التخصصات.
أستاذ غريب، هل من نموذج قريب من هذا الذي يمضي فيه المغرب، ونجح فعلا على أرض الواقع؟
قانون 09-30 يتحدث عن شكل قانوني واحد، بين الشركات والشركات المساهمة، وهذه المسألة لها ما لها وعليها ما عليها، على اعتبار أن أحسن نموذج يمكن له أن يضمن لنا حكامة جيدة هو شركات المساهمة، لأن في هذا النوع من الشركات توجد أدوات الشفافية والمراقبة، وهو ما يعني وجود حكامة عضويا، كما أن هناك مسؤولية جنائية للرئيس المدير العام إذا ما تبث أنه قام ببعض الأخطاء على مستوى التسيير، فتصبح آنذاك مسؤوليته ذات طابع جنائي، لتتجاوز ما هو تجاري أو ما شابهه، وهو ما يعني أن هذا النوع من الشركات يتسم قانونها بالصرامة، وهذا شيء إيجابي.
الشركات المساهمة تشكل اختيارا ممتازا على مستوى الحكامة الجيدة، لكن ما هو سلبي يبقى على أن هذا النوع من الشركات لا يمكن أن يتلاءم مع بعض الأندية المتواجدة بالمدن الصغرى، والتي تعيش من مساهمات بعض الأشخاص أو إعانات الدولة أو المجالس المنتخبة أو شيء من هذا القبيل.
وهل من حل للإشكال بخصوص هذا النوع من الأندية الصغيرة؟
شخصيا، كنت أتمنى أن يتكلم القانون عن شركات الاقتصاد المختلط، أي ما يمكن اختزاله في رأسمال، تكون نسبة منه في حوزة القطاع الخاص، ونسبة في حوزة القطاع العام، خاصة أن دستور 2011 يتضمن دسترة الرياضة في ثلاثة مواد تفرض على الجماعات الترابية المساهمة في تنمية الرياضة، لكن يجب توفير الإطار القانوني لذلك، أما إذا اقتصر الأمر على شركات مساهمة، فأظن قد تطرح إشكالات. أكيد أن هذا النوع من الشركات يبقى الأنسب للوداد والرجاء، بحكم القاعدة الجماهيرية، وهذا لا اختلاف فيه. وأنا أؤكد على أن هذا هو أحسن شكل قانوني يتعلق بالحكامة، ولكنه غير ملائم للأندية الصغرى.
الآن، إذا كان الهاجس لدينا هو الحكامة، فإن لا إشكال في وصول الهدف، عبر خلق شركات مساهمة، لكن أقول أكثر من هذا، ولكي نساير روح الرسالة الملكية التي تطالب بخلق مناخ أو إطار لتشجيع استثمار القطاع الخاص في المجال الرياضي، فإنه ينبغي تشجيع الاستثمار الخاص في الأندية، وإزالة بعض المخاوف لدى المستثمرين الخواص، وإلا قد يصعب عليهم ترك قطاعات يبدو فيها الربح مضمونا، مثل العقار والفلاحة والصناعة، اللهم إن كان بعض الأشخاص الشغوفين بالرياضة، الذين قد يشترون بعض الأسهم، على أساس عدم اعتبار ذلك كاستثمار، بل مجرد نوع من المساعدة لفرق مفضلة لديهم.
تحدثت عن مخاوف وإشكاليات لدى المستثمرين المفترضين في هذه الشركات المرتقب خلقها، هل من تفسير لهذه النقطة؟
هناك جوانب كثيرة تثير تخوف المستثمرين في قطاع الرياضة، ويمكن تلخيصها في بعض النقط، على سبيل المثال لا الحصر، مثلا إذا تمعنا في أصول النادي/ الشركة، فهي أصول غير مادية، تتكون أساسا من التعاقد مع اللاعبين، وما يعنيه من كلفة مالية، خاصة أن هذا التعاقد ربما يشكل خسائر للنادي، في حالات الإصابات الخطيرة، وهنا يجب الانتباه، مثلا، إلى توفير مراكز طبية واستشفائية، وملاعب ذات جودة، تفاديا لافتقاد قيمة عقود لاعبين يكلفون الأندية كثيرا، وعدم التحفيز على الاستثمار في أشياء تبدو معرضة للإفلاس.
ويمكن إضافة مشكل الضريبة، حيث يسري على الشركات الرياضية ما يسري على باقي الشركات، ضريبيا، ليس هناك تحفيز، بل يجب أن يكون هناك تحفيز حقيقي خلال العشر سنوات أو الخمس الأولى، على الأقل، تشجيعا لخلق شركات رياضية. مثلما هناك إشكال آخر يكمن في كون القانون 09-30 يشير بشأن البث التلفزي إلى أن نسبة 50 في المائة توزع بالتساوي على الأندية و50 في المائة وفق مبدأ الاستحقاق، ولكن ينبغي تحديد معايير هذا الاستحقاق، ويجب توضيح هذه المعايير قانونيا، والتعجيل بإخراج المرسوم إلى حيز التطبيق.
وطالما أن هناك أحداث شغب داخل الملاعب، بين الفينة والأخرى، فإن المخاوف تستمر لدى المستثمر، لأن الشغب قد ينتج عنه "ويكلو"، وما يؤديه إلى حرمان الفريق من مداخيل مالية، وتراكم الغرامة كعقوبات إزاء ذلك، وجعل المستثمر يتكبد الخسائر بدلا من الربح، دون أن ننسى السوق السوداء، حيث تباع التذاكر وتسوق منتوجات النادي بشكل غير قانوني، والولوج المجاني للملاعب بطرق ملتوية.
وتفاديا لهذه المعيقات والمخاوف، فإنه بقدر ما اجتهدنا على الجانب القانوني، ولو أن المراسيم التطبيقية لم تخرج بعد إلى حيز الوجود، فهناك جوانب كثيرة على مستوى محيط النادي، على النحو الذي ذكرت، تستوجب الاجتهاد فيها، دفاعا عن حقوق المساهمين، من أجل إظهار الربح، وتحفيزهم على الاستثمار في المجال الرياضي.
في رأيكم، ألا يمكن الحفاظ على نظام الجمعية شريطة إدخال إصلاحات، استلهاما من النموذج الإسباني، حيث الأندية عبارة عن جمعيات وليست شركات؟
نظام الجمعية له ما له وعليه ما عليه، وإذا سرنا في نظام الاحتراف 100 في المائة قد يجرنا الحنين إلى عهد الهواية، فهناك أبحاث أكاديمية بينت على أن هذين النظامين يجب أن يسيرا متوازيين مع بعضهما البعض.
وحينما نأخذ النموذج الإسباني، ومعك الحق في إثارته كنموذج جيد، بحكم أنه في السنوات الأخيرة، فرضت أنديته نفسها على صعيد عصبة الأبطال، وباقي المنافسات الأخرى، خاصة منها برشلونة والريال، وهذا يعني أن هذا النموذج ناجح، رغم أن ليس فيه شركة. لكن هل نعتقد ذلك بالمغرب، في غياب انخراط المورد البشري، أو المواطن. الهواية فيها مشاكل، ومنها قانون المنخرط، الذي يشجع على الفوضى، وجعل بعض المسيرين يستحوذون على الفرق، والدليل أن فرقا بتاريخها وعراقتها وألقابها وجمهورها صارت رهينة استحواذ أشخاص عليها، وبهذا المعنى.
وأعتقد أن نموذج شركات مساهمة هو الأنسب لكرة القدم المغربية، لكن حبذا لو أضفنا شركات الاقتصاد المختلط، مع سلك نظام ضريبي خاص بالرياضيين، وتوفير بنيات تحتية جيدة، ومراكز طبية، والقضاء على السوق السوداء، ومحاربة المتاجرة غير القانونية بعلامات النادي، ومنع ولوج الملاعب بطرق ملتوية، وغيرها من الإشكالات والمخاوف لدى المستثمرين، مع ضرورة الإسراع بإخراج مشروع الشركة الرياضية إلى حيز الوجود.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00