موسى متروف
الحديث إلى جامع بيضا، مدير "أرشيف المغرب"، ذو شجون. فالرجل "يناضل" يوميا من أجل نفض الغبار عن الأرشيف في المغرب، وفي ظروف صعبة، حيث ما زال يعمل مع فريقه الصغير في جناح من مقر الخزانة العامة القديم، وبأمكانيات مادية محدودة، في انتظار أن يتم الشروع في بناء مقر يليق بهذه المؤسسة التي تصون تاريخ وذاكرة البلاد.
في هذا الحوار، يستعرض بيضا ما قام به مع مؤسسته، و"المقاومة" التي يعانيها، في الداخل والخارج، لاسترجاع أرشيف المغاربة، بما فيه الأرشيف الحسّاس، ورد الاعتبار إليه وبث الحياة فيه.
توصلتم أخيرا برصيد كبير من أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة والهيئة المستقلة للتحكيم، حوالي 1400 علبة، هل هذا تحول في تعامل مؤسسات الدولة مع مؤسستكم، كرسالة على انفتاحها عليها، حتى في ما يمكن اعتباره أرشيفا "حسّاسا"؟
أعتبر الخطوة جبارة من جانبين اثنين؛ أولا هذه الخطوة تعطي مصداقية لمؤسسة فتية، مازالت تسعى لتتموقع على الساحة السياسية والثقافية للبلاد، بحكم أنها مؤسسة استراتيجية، وهذه المبادرة من لدن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهناك مبادرات أخرى، لا يمكن إلا أن تعزز موقع المؤسسة ومصداقيتها لدى عموم الناس، داخليا وخارجيا.
الجانب الثاني، هو أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان لكونه سلطة حكومية، ذات أهمية كبرى، سواء لدى الحكومة أو لدى الرأي العام يعطي مثالا، قدوة، لمؤسسات أخرى، بما فيها القطاعات الحكومية، التي في بعض الأحيان تتلكأ في تنزيل القانون، بما فيه القانون المنظم للأرشيف والمرسوم التطبيقي، الذي يفرض على جميع القطاعات الحكومية أن تتعامل مع مؤسسة أرشيف المغرب، تعاملا يليق بدولة ديمقراطية حداثية. ولكن الديمقراطية والحداثة شيء في الأوراق، في القوانين والمراسيم، والممارسات عادة ما تكون دون هذا المستوى. وقد صفقنا كثيرا لمبادرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لاسيما أنه نفّذ القانون في مجال يعتبر حسّاسا. بعبارة أخرى، أن يسلّم هذا المجلس لمؤسسة أرشيف المغرب أرشيفا حساسا معناه أنه يثق في القانون فقط، وهو يثق في المؤسسة. وطبعا نحن سنتعامل مع هذا الرصيد وغيره حسب ما يفرضه القانون فقط، ولا يمكننا أن نكون فوق مقتضيات القانون، بما في ذلك حفظ الحياة الحميمية للأشخاص، والسلامة الداخلية والخارجية للوطن وما إلى ذلك. وإن شاء الله لما نقوم بعملية الجرد، لأن الجرد الذي تمّ هو فقط جرد مَن أودع الأرشيفات، ونحن بدورنا نقوم بجرد في ضوء القانون، الذي يسمح بإتاحة الشيء ولا يسمح بإتاحة الكل أحيانا والاحتفاظ بشيء آخر، ولكن ما هو مهم في كل هذا هو الشفافية...
ماذا تعني بالشفافية في هذا السياق؟
أعنى بها أنه غدا لا يمكن لأحد أن يقول لا نعرف مصير هذه الملفات، لا نعرف أين ذهبت. الآن نعرف أين ذهبت وأين تم حفظها وهذه، في حد ذاتها، خطوة جبارة في الحداثة والديمقراطية في مجال الأرشيف. وبصفتي باحثا قبل أن أكون على رأس هذه المؤسسة، زرت بعض دور الأرشيف في دول متقدمة مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُقال لك أحيانا "نعم عندنا هذا الأرشيف، ولكن لن نطلعك عليه إلا في سنة كذا"...
وهذا مرتبط بسرية بعض الملفات التي يتم رفعها في آجال محددة...
نعم عندما ترفع السرية، ولكنك تطمئن لأنك تعرف أنه موجود، وهذه الخطوة في حد ذاتها أظن أنها تحمل من الرمزية الشيء الكثير، بمعنى آخر قد يأتي شخص ما، باحث كان أو صحافيا، ونقول له "نعم هذا الملف موجود عندنا، يمكنك أن تطلع على شيء ما فيه، ولا يمكنك إلا في تاريخ كذا أن تطلع على الباقي"، هذا بالنسبة إلي "فتح مبين" في مجال الأرشيف في بلادنا...
ولكن هل هذا الأرشيف الذي سلمه لكم المجلس الوطني لحقوق الإنسان حساس فعلا، علما أن الكثير من الوثائق معروفة ونُشر منها الكثير...
لايمكن أن أقدم الإجابة على هذا السؤال إلا بعد الجرد الدقيق. هنالك مجموعة من الأرشيفيين يحملون على عاتقهم بجرد اللأرشيفات وعالجتها، والمعالجة فيها شقان اثنان المعالجة المادية والمعالجة الفكرية وآنذاك عندما أطلع على التقرير يمكنني أن أجيب عن ذلك، لذا لا مجال للتخمين لأرد على هذا السؤال.
هناك قطاعات حكومة تتحرز من مؤسستكم، هل هذا راجع لأن أهلها لا يعلمون بقيمة الأرشيف أو يخشون عليه أو مازالوا لا يثقون في المؤسسة ويعتبرون بأنها مازالت "فتية"، كما وصفتموها ولا تستطيع تحمّل مثل هذه المسؤولية الكبيرة...
أظن أن كل ما قلتَه مجتمع في الواقع، ولكن حسب القطاعات، ولكن على العموم، يمكن أن نقول بأن لدينا نقصا كبيرا في ثقافة الأرشيف، وقد تكون هناك استثناءات، وهذا نتيجة مسلسل، صيرورة تاريخية أوصلتنا إلى هذا المستوى، ولكن هذا لا يعني أن نقول إن هذا قدرنا...
ولكن لديكم دور التحسيس بأهمية الأرشيف وهذا دوركم، خصوصا بالنسبة للفاعلين المؤسساتيين لكي يفهموا أنكم لا تطبقون إلا القانون وهم إن سلّموكم شيئا إنما يطبقون القانون فقط...
صحيح، والتحسيس عندنا يمر بكثير من القنوات، بما فيها قناتكم، وأعني القناة الإعلامية. منذ 2011 لم أغلق بابي على وسائل الإعلام أبدا بكل تياراتها، وفي الداخل والخارج وبجميع اللغات. وهذا أعطى أصداء طيبة، في الداخل وفي الخارج...
المؤسسة أصبحت معروفة؟
كلمة أرشيف وحدها نفض عنها الغبار...
لم تعد في الأرشيف!
صحيح، لم تبق في الأرشيف (يضحك). حتى على مستوى المصطلح، أحكي هذه القصة، على سبيل النكتة، يوما ما ذهبت مع مدير مدرسة علوم الإعلام إلى معرض الكتاب والنشر في الدارالبيضاء وبحثنا عن مكان في "الباركينغ" عن مكان للسيارة، فلما لمحنا الحارس خاطبني بكمة واحدة "الأرشيف!"، فقلت للسي (حسن) المعلم "هاد السيد كنت غنعطيه جوج دراهم، دابا غادي نعطيه عشرة!" (ضاحكا). المهم عندما علم الرجل بهذه الكلمة هذا شيء إيجابي. ونحن نستغل كل القنوات الإعلامية بمختلف أنواعها، اللقاءات، الندوات، المنشورات، وكل شيء ولكن ربما الشيء الأكبر، هو أننا سنقوم بشيء مهم في 2018 وهو الآن "في الفرن"، كما يقولون. وهو جاهز وتم التوقيع على طبعه، وهو "الدليل المرجعي لتدبير الأرشيف العمومي". وقد دخلنا إلى جزئيات بسّطناها وهو عمل مهم وإن بدت صفحاته قليلة، وهو في نسختين، بالعربية والفرنسية وستكون أيضا في قرص مدمج. هذا العمل هو نتيجة أكثر من سنتين من العمل الدؤوب والاستشارات الدؤوبة وتبسيط القانون بما فيه القانون 30 نونبر 2007 ومرسومه التطبيقي. بسّطناه وأعطينا، من خلاله، لكل مسؤول على الأرشيف في الإدارة العمومية وسائل العمل حتى نُخرج الأرشيف من الممارسات التقليدية، إن، أقول إن، طُبّق بحذافيره ويجب أن يُطبّق لأن المرسوم التطبيقي يفرض على كل وزارة إحداث بنية مكلفة بالأرشيف، وأيضا الجماعات المحلية، ويتم إدماجها في الهياكل التنظيمية. إن طُبق هذا الدليل سيحدث طفرة في تدبير الأرشيف وفي الشفافية، وفي كل السلسلة الأرشيفية، منذ النشأة إلى وضع الوثيقة في مآلها النهائي، إما وضعها في مؤسسة أرشيف المغرب أو إتلافها، حسب القانون والشروط، إلى درجة أننا وضعنا في ملاحق الدليل حتى نماذج لمحضر الإتلاف. لا شيء يتم إتلافه، حسب الهوى. ولكن لا نريد أن يخرج هذا الدليل "حسّي مسّي" وهو الآن في المطبعة ولن نوزعه هكذا. نحن في تنسيق مع الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية، حتى نعطي لخروجه وقعا، أي كحدث يليق بالدليل. وقد قدمت اقتراحا للسيد الوزير محمد بنعبد القادر. وبما أنه، حسب القانون، الكتاب العامون هم الذين تحت أيديهم بنية الأرشيف، فقد اقترحت على السيد الوزير، في عملية ثنائية، أن نجمع الكتاب العامين لجميع الوزارات وبعض مدراء المؤسسات الكبرى في البلاد ونعرض عليهم هذا الدليل بتغطية إعلامية في المستوى وهم يشكلون القناة...
والأمر يتطلب أيضا دورات تكوينية...
كل هذا مستعدون له لأنه دورنا...
الناس لم يألفوا التعامل بهذا المستوى مع الأرشيف...
نعم، وفد قمنا بدراسة واقع الأرشيف بالقطاعات العمومية. أرسلنا استمارة فيها حوالي 20 صفحة دقيقة جدا وما توصلنا من الأجوبة، وتقريبا 99 في المائة أجابوا إلا قطاعا دون أن أذكره لم يجب، وهذا يجعلنا يجعلنا نفهم أن الأرشيف لا يوضع إلا نادرا بين أيدي متخصصين، لذا وجب، بما أن المرسوم التطبيقي يفرض اليوم إدخال تلك البنية في الهيكل التنظيمي للمؤسسة، على هذه القطاعات كلها أن توظف متخصصين يفهمون هذه المصطلحات، عندما أقول مثلا الأرشيف الجاري والأرشيف الوسيط، لا يجب أن أشرح مثل هذه البديهيات، لذا كما يقال بالدارجة "شوية من الحنّا وشوية من رطابة اليدين" (يضحك)...
يجب التعاون بين الطرفين...
وهذا الطرف الحكومي من واجبه أيضا أن يساهم في إنجاح هذه العملية، ونحن في أرشيف المغرب وسيلة ولدينا مسؤولية ولكن المسؤولية مشتركة، ولذا قلت وكررت مرات عديدة أن تدبير الأرشيف مسؤولية الجميع،. نحن طبعا نتحمل مسؤولية كبيرة ولكن جميع القطاعات مطالبة بالمواكبة. ومن أجل هذا، والشيء بالشيء يذكر، هذا الطابع العرضاني للأرشيف هو الذي جعل هذه المؤسسة منذ 2012-2013 وهي تطالب بإحداث مجلس وطني للأرشيف وهو ما تأتّى أخيرا في 2017، يعني صدر المرسوم بإحداثه...
وسيجتمع في 2018؟
سيجتمع في 2018، لأنه القانون المنظم للأرشيف فيه بعض العيوب، وبالتالي هذا المجلس ربما يمكنه أن يتدارك بعض العيوب...
مثل ماذا؟
أفترض مثلا أن قطاعا حكوميا ما، مجبرا بحكم القانون، بالتعامل مع مؤسسة أرشيف المغرب والخضوع لما يسمى بـ"Le calendrier de conservation" (جدولة الحفظ) الذي نؤشر عليه وينشر في الجريدة الرسمية. هذه مسائل إجبارية ولكن نفترض جدلا أن مرفقا ما رفض الخضوع لهذه المسطرة، القانون لا يقول ما العمل وليس فيه إفصاح، لذا أنا أتصور جميع العراقيل وسلطات المؤسسة تقف عند حد ما. وبما أن كل هذه القطاعات تابعة للحكومة ورئيس الحكومة فنحن من بحث عنه، لأن بعض وسائل الإعلام كتبت خطأ أن هذا المجلس ربما فُرض علينا لكي يأخذ منا صلاحياتنا. هؤلاء الناس لم يعرفوا التاريخ، أرشيفنا يبين ذلك، نحن طالبنا بإصرار بإحداث هذا المجلس حتى يكون سندا، بمعنى آخر وفي حالة الفرضية التي أشرنا إليها، فنحن من يضع جدول الأعمال باتفاق مع السيد رئيس الحكومة، وسنقول له بأن هذا القطاع التابع لك وإذا كان منك فعليك التدخل...
ولنر فرضية أخرى، نحن الآن في جناح من الخزانة العامة، وبعد معركة، لا أدخل في تفاصيلها، حصلنا أخيرا على وعاء عقاري (أربع هكتارات وزيادة) في قطب "تكنوبوليس" وتقدمنا في الدراسات التمهيدية. وأفترض غدا أن الدراسات التمهيدية موجبة وسيُقال لي ليس لدينا اعتمادات للبناء أو الأرشيف ليس من الأولويات عندنا. فهذا قد يضرب في الصفر كل استراتيجية على المدى المتوسط وعلى المدى البعيد، لذا ما هو الملاذ؟ هو هذا المجلس الوطني للأرشيف، حيث أضع الدراسات التمهيدية فوق الطاولة وأقول لهم هذا هو مستوى تدخلنا ولكم واسع النظر...
إذن تبحثون عن إرادة سياسية حقيقية لمواكبتكم..
فعلا هذا هو الغرض.
بالنسبة للوضع العام للأرشيف، هناك الأرشيف المفقود، وهناك أرشيف موزع بين الخزانة الملكية والملكية الوطنية ولدى بعض العائلات المخزنية، ولنعطي مثالا فقط، عن تعامل شخصيات بارزة معكم، فمؤرخ المملكة عبد الحق المريني قدم لكم أرشيفه الخاص حول "طريق الوحدة" التي شارك فيها. كيف تسعون إلى جمع شتات هذا الأرشيف؟
السي المريني، قبل ذلك، قدم لنا، جزاه الله خيرا، أرشيفه العائلي، وبأصوله وما كان لدى أسرته بفاس من ظهائر ومعاملات تجارية وغيرها، وهو مفتوح للعموم بدون قيد أو شرط، ثم في إطار التحسيس الذي أشرتَ إليه نظمنا، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة، معرضا حول طريق الوحدة. وذات يوم، جئت لمقر عملي ولاحظت في المرآب سيارة من القصر الملكي وسألت الحارس إن كان أحدٌ يبحث عني، فقال لي بأنه لا يبحث عني، وإنما يتعلق الأمر بالسي عبد الحق المريني الذي دخل إلى المعرض لمشاهدة الصور. والتحقت به، وبدلا أن أكون أنا دليله في المعرض، أصبح هو دليلي. وهناك فهمت منه أنه شارك فعلا في إنجاز الطريق وقال إنه يتوفر على شهادة مشاركة وبعض الوثائق الأخرى التي تبيّن مشاركته، فطلبت منه أن يودعها ويغني الرصيد ولم يتردد. وفي اليوم الموالي أرسل إلي الوثائق. ولكن هذه فقط أرشيفات خاصة، وفي ما يتعلق بجوهر سؤالك عن كون الأرشيفات مبعثرة، فإن كانت هناك مصالح تحفظها، هذا لا يزعجني في شيء. ليس من الضروري أن تكون مؤسسة أرشيف المغرب هي التي تجمع كل شيء، فهناك مديرية الوثائق الملكية، الخزانة الملكية، المكتبة الوطنية... إلا في مسألة الأرشيف العمومي المنصوص عليه في قانون سنة 2007، وهذا خاص بنا، ولا يحق لغيرنا أن يضع يده عليه وغيره. أنا أرتاح جيدا عندما أسمع مثلا أن مؤسسة أبو بكر القادري تحفظ أرشيفه في سلا، بوسائلها وأنا أصفق لذلك. وهذا أرشيف خصوصي، وما يحزّ في النفس، هو عندما أسمع أن بيت فلان فيه أرشيفات ليس لدينا عليها جرد، وليست مفتوحة للعموم، وليست محفوظة، حسب المعايير المعمول بها. هذا أخشى عليه لأنه، ولو أنه أرشيف خصوصي، قد تكون فيه أرشيفات فيها تاريخ المغرب ومصلحة الوطن، وبالتالي قد يعرّضها صاحبها للضياع، لأنه ليس سهلا أن تخلق مؤسسة وتتوفر على موظفين وتفتحها للجمهور. المطلوب من هؤلاء الذين لايتوفرون على مقر ولا وسائل مادية ولا بشرية لحفظ وإتاحة هذا الأرشيف، أن يودعوه باسم العائلة، لأن الأرشيفات المودعة تحمل أسماء أصحابها، أرشيف عبد الحق المريني، عبد الصمد الكنفاوي، عبد الله شقرون، العربي المساري... واللائحة طويلة والحمد لله. ولكن في هذه الأرشيفات الخاصة، وجب التنبيه، وهذا أتركه لضمائر الناس، أن في بعض الأرشيفات "الخاصة"، أرشيفات عمومية، بمعنى آخر، هناك عائلات مخزنية ورثت أرشيفات عن الجد أو الجد الأكبر الذي تولى وظيفة عمومية وهذه الأرشيفات وإن دخلت في الموروث، فهو موروث وطني ويسري عليه ما يسري على الأرشيفات العمومية وليس ثمة تقادم، سواء رجعت إلى عهد الحسن الأول أو مولاي إسماعيل أو ما قبله. ليس هناك تقادم ومَن احتفظ بها وهو يعلم ذلك إنما يكون قد تعسّف على القوانين الجاري بها العمل وتعسّف على حقوق وطنه، لهذا أترك هذه المسألة للضمائر، طبعا إذا كانت لدينا البيّنة بالوضوح وبالدقة أن هذا موجود لدى فلان يمكن تحريك المسطرة...
وقد يصل ذلك إلى القضاء؟
نعم يمكن أن يصل إلى القضاء، وحتى مَن وجده في الطريق، فمثله مثل من وجد البترول تحت داره، أو وجد لقى تاريخية، ولا يمكن أن يقول "إن هذا اشتريته في "الجوطية"". يا سيدي، إذا اشتريتَه وفيه سجل به طابع الدولة أو محكمة كذا، لأن هناك حالات أستحضرها في ذهني ولا أسمّي أصحابها، ستأتي به إذا كنت واعيا بذلك، لأن من فعل ذلك أنقذه أولا من الضياع وجزاه الله خيرا ولكن شراء مثل هذه الأشياء لايعني امتلاكها. اللقى التاريخية ليس فيها لا شراء ولا بيع ولا تفويت.
تحدثنا عن الأرشيف في الداخل، فكيف يتعاملون في الخارج مع أرشيفنا وتاريخنا، وهو موجود في كل الاتجاهات في بريطانيا وأمريكا وغيرها، وخصوصا في فرنسا وإسبانيا بحكم الاستعمار، لكن اهتممتم أساسا بالتاريخ اليهودي المغربي وحصلتم على مجموعة من الوثائق ولكن كيف الحصول على الأرشيف الكولونيالي وحتى ما يتعلق بعهد الاستقلال، وأستحضر ملف اغتيال المهدي بنبركة وغير ذلك؟
هذا كله أرشيف، أولا ما حصلنا عليه من الأرشيفات المتعلقة باليهود هو ملء لثغرة، لأن هذه بالنسبة إلينا نقطة ضعف في الأرصدة الموجودة لدينا. إما حمَله اليهود معهم في هجرتهم أو حمله معهم الفرنسيون والإسبان عند مغادرة البلاد، في 1956 والتاريخ قريب جدا من 1948 (انطلاق الصراع العربي الإسرائيلي وتأسيس إسرائيل) وكل ما هو حامل لحساسيات سياسية، سواء تعلق باليهود أو بغيرهم، حُمل إلى بلدان أخرى. لذا كان ذلك هاجسي منذ 2013 بالخصوص، لأنني بحثت في هذا الموضوع وأسست مجموعة بحث في جامعة محمد الخامس عن تاريخ اليهود المغاربة وتراثهم، لذلك منذ 2013 حاولت ولم أوفق إلا مؤخرا لأنه كانت هناك مقاومة تفصح أو لا تفصح عن نفسها. وفي بعض الأحيان، يتعلق بالمخاطَب وهذا ما حدث لي مع فرنسا، فقد كان هناك شخص فلما خلفه آخر حلّ المشكل.
وفعلا تم ذلك تحديدا مع "le Mémorial de la shoah" ومع وزارة الخارجية الفرنسية، وربما في 6 مارس المقبل، سنسترجع أشياء أخرى متعلقة بالرابطة اليهودية العالمية، التي كانت تتوفر على شبكة مدارس في المغرب منذ 1862، وهي غنية بتقارير مدرّسيها عن تاريخ البلاد، حتى إذا سقطت الأمطار أو قدم الجراد كان يعطون الأخبار عن ذلك. وهناك مسعى آخر، مع متحف "الهولوكوست" في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو في طور النقاش وطلبت منهم أكثر وهو ما يغطي شمال إفريقيا، لأن الحرية المتوفرة في بلادنا لمعالجة بعض القضايا المتعلقة بالأقليات ليست متاحة في الجوار. وأود أن نكون قطب الباحثين ليأتوا هنا ونوفر لهم جميع الظروف. ولكن هذا فقط جانب، هناك مسائل أخرى نعمل عليها بالتي هي أحسن، لا تهم اليهود ولكن تهم الجهات المغربية كلها، وهو ما يهم ما يسمى بـ"Les fiches de tribus" (ملفات القبائل) من تقارير إثنوغرافية وغير ذلك، ونحن نعمل على هذا الموضوع مع الجانب الفرنسي مشكورا. وما نحصل عليه لا نؤدي أي مقابل له ونحصل على نسخ مرقمنة، ونحن راضون عنه لأنه يوفر عن باحثينا الكثير من العناء، من تنقّل وتأشيرة ولا يعرف هذا إلا من عانى منه من مجايلينا. ونتعامل مع فرنسا بهدوء في هذا المجال ونتعاون معهم أيضا في مجال التكوين المستمر لشباننا الأرشيفيين.
وإلى جانب فرنسا، فتحنا مفاوضات مع إسبانيا وهي لا تقل أهمية، إلا من حيث كمّ الأرشيف، وطبعا يجب تأطير ذلك باتفاقية تعاون وهي جاهزة. وكان من المرتقب التوقيع عليها أثناء زيارة العاهل الإسباني فيليبي السادس للمغرب التي تمّ تأجيلها، والصيغة المتفق عليها موجودة لدى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي...
هذا يهم فقط المنطقة الشمالية الخليفية التي كانت تحت الاستعمار الإسباني أم تشمل الصحراء؟
نحن نقول الأرشيفات التي تهم الطرفين، وإذا كان لدينا ما نعطيه لهم سنعطيه لهم، وهي اتفاقية إطار؛ أي اتفاقية عامة، ثم بعد ذلك يتم الحصول على ما يمكن الحصول عليه، وإذا لم تجد ماتريد تأخذ ما هو متوفر وتسعى بعد ذلك والإنسان يجب أن يكون براغماتيا في هذه الأمور. والجانب الإسباني استجاب بالرغم من أنه تأخر، وما حصل مع الجانب الفرنسي ربما حفزّ الطرف الإسباني، مشكورا، على السير في نفس الطريق. ودائما ما قلت للطرف الفرنسي، بدل أن يكون الأرشيف موضوع خلاف يمكنه أن يكون موضوع تعاون لأن التاريخ هو كما حصل/ لا يمكن أن نغيّر فيه، وبالتالي أحسن أن يُعرف بتأطير وإرادة الطرفين وطبعا في احترام للقوانين الجاري بها العمل.
ربما التاريخ مع الإسبان هو أطول منه مع الفرنسيين، لأنه قد يعود بنا إلى الفترة الموريسكية وغير ذلك...
أنا لا أقوم بالتحليل التاريخي ولو أنني مؤرخ. على الأقل أتمالك نفسي في حدود مهمتي اليوم وبالتالي همّي أن أوفر للباحثين رصيدا وهم يستخرجون منه ما يريدون...
الأرشيف ليس فقط وثائق ورقية هو أيضا وثائق سمعية بصرية متوفرة لدى المركز السينمائي المغربي والتلفزة والإذاعة المغربية ونسمع أن بعضه ضاع، هل تعملون على هذا الجانب أيضا؟
عندما سمعت عن حريق ما راسلتهم. ونقوم في هذا المجال بتفعيل منشور لعباس الفاسي عندما كان وزيرا أول مؤرخ في 6 أكتوبر 2011 الذي يدعو إلى المصالح العمومية للمحافظة على أرشيفها في ظروف حسنة وفي أماكن معدة خصيصا لذلك، وتحت إشراف متخصصين، ريثما تتوفر مؤسسة أرشيف المغرب على المؤهلات المادية والبشرية للقيام بذلك، لأنه (عباس الفاسي) كان يعرف أن المسلسل سيطول. والقانون لا يفرّق بين الورقي والسمعي البصري وكيف ما كانت الدعامات. وقد قدمت العناصر الضرورية لعباس الفاسي لإصدار المنشور مباشرة بعد تعييني وحتى قبل أن أحصل على كرسي ومكتب.
الآن المركز السينمائي المغربي والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وقطاع الاتصال تحفظ ما لديهما وأتمنى أن يكون في ظروف جيدة وتطبق القانون في ذلك والظروف ليست دائما فضلى، ولكن في مشاريعنا المستقبلية، ولا سيما في بناية "تكنوبوليس"، سيكون هناك قطاع خاص للسمعي البصري. وليس هدفي هو احتكار المعلومة، بل تكون محفوظة في الـCCM ونسخة في أرشيف المغرب...
والرقمنة تتيح ذلك...
نعم ولكن في هذا المقر المؤقت ليست لدينا من التجهيزات والموارد البشرية متواضعة، لا تتجاوز 45 شخصا، لتحمل هذا الثقل الكبير، ولكن إن شاء الله، الهدف هو أنه بعد 3 أو 4 سنوات، هناك في البناية الجديدة سيكون 200 شخص. وسنقترح على الدوائر العليا الأرشيف الجهوي، في 12 جهة، حيث يتم إعداد 12 مقر للأرشيف وتكون لدينا مهمة التدبير والملاحظة... المهم نحن مبتدئون كمغاربة في تدبير الأرشيف والآن نستلهم التجارب من الخارج. ونحن أعضاء في المجلس الدولي للأرشيف وهناك قوانين لطريقة العمل. وفي هذا الظرف القصير جدا، حيث انطلقنا عمليا وبالفعل في 2013، وقبل ذلك كنا في فترة التأسيس، ما حققناه بالوسائل المتاحة المتواضعة جدا (ميزانية 2017 لم تتجاوز 20 مليون درهم) وبالموارد البشرية المتواضعة جدا شعر بأهميته الأجانب قبل المغاربة، ونحن ضمن طرفين، مع طرف كيني، مكلفين بوضع استراتيجية الأرشيف في إفريقيا، تحت مظلة المجلس الدولي للأرشيف. والجامعة العربية كرّمت مدير الأرشيف بدرع فخري ومن خلاله المؤسسة، وجامعة فرنسية منحت دكتوراه فخرية للمدير من خلال عمله. وما قمنا به في هذه الفترة رغم أن طموحنا أكبر، يعتبر مفخرة للمؤسسة ويجب أن يكون مفخرة لكل المغاربة. لم نصل بعد إلى المستوى الذي نود أن نصل إليه ولكن من سار على الدرب وصل.
كان التاريخ يكتب ورقيا الآن يكتب أيضا إلكترونيا، نعود الآن إلى الصحافة القديمة ومستقبلا ستتم العودة إلى الصحافة الإلكترونية. هل هناك وعي بحفظ هذه الدعامات الإلكترونية؟
نحفظ الدعامات التقليدية ونحن بصدد حفظ الدعامات الإلكترونية، ضمن برامجنا لسنة 2018، الاهتمام بالجانب الأرشيف الإلكتروني. وقبل قليل، كان لي تواصل مع المكلف عن الأرشيف الإلكتروني ببلدية فريبور بسويسرا، الذي يريد مواكبتنا في الأرشيف الإلكتروني. وفي مقدمة الدليل المرجعي، نتحدث عن كوننا سنقوم، إلى جانب هذا الأرشيف التقليدي، بإعداد دليل للأرشيف الإلكتروني بالمغرب. في البداية، كان صعبا القفز على المراحل، أي أن نمر إلى الأرشيف الإلكتروني، وقد أعطينا 99 في المائة من الجهد للأرشيف التقليدي، لتدارك ما فات وما فت كثير جدا. والآن يجب مواكبة تطور الأرشيف الإلكتروني الذي يعتبر من تحديات الغد.
كيف يمكن بث الحياة في الأرشيف، هل هو فقط حكر على الباحثين أم متاح للجميع، ولماذا لا تتحركون في المعارض وتفتحون أروقة وغير ذلك؟
الأرشيف متاح للجميع وإذا فتحتَ صفحتنا على "فيسبوك" سترى أن أطفالا يزورونا وأحيانا ننتقل إليهم، وهناك مدارس مغربية وأجنبية وحكومية وخاصة تزور المؤسسة ونوفر لهؤلاء التلاميذ مرشدا لأن الزيارات يجب أن تكون منظمة وتشرف عليها خلية متواضعة وكل هذا من أجل نشر ثقافة الأرشيف المنعدمة أحيانا لدى الكبار ولا بد أن تبدأ من الصغار...
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00