موسى متروف
نظمت وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية في الفترة ما بين 24 نونبر الماضي و20 دجنبر الجاري الحملة الوطنية الخامسة عشرة لوقف العنف ضد النساء، تحت شعار "جميعا ضد العنف، بلغوا عليه".
الحملة وإن كانت تبدو من عنوانها شاملة لمعنى العنف ضد المرأة فقد ركزت هذا العام على التحرش الجنسي بالنساء في الفضاءات العامة وفي وسائل النقل الحضري.
حول هذه الحملة وخلفياتها وآثارها وكل ما يتعلق بالتحرش الجنسي خصوصا، والعنف ضد النساء، كان هذا الحوار لـ"مواطن" مع بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية....
هل لمثل هذه الحملات التي ملأت الفضاء العام في الأيام الأخيرة حول التحرش الجنسي، على أهميتها، مفعول على انتشار الظاهرة؟
تندرج هذه الحملات التحسيسية السنوية ضمن المقاربة الوقائية التي تتبناها الوزارة، والتي أدرجنا فيها، خلال السنوات الأخيرة، بعدين جديدين يتمثلان في تبني المقاربة الجهوية عبر إشراك الجماعات الترابية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمعاهد العليا ووسائل الإعلام، وفي انخراط كل مكونات القطب الاجتماعي، الذي يضم إلى جانب وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، التعاون الوطني ووكالة التنمية الاجتماعية، مع التركيز على موضوعات جديدة، حيث تم، مثلا، في سنة 2013، التركيز على العنف الممارس على النساء الأجيرات، وفي 2015 تم تسليط الضوء على فئة مرتكبي العنف ضد النساء. فيما ركزت حملة سنتي 2016 و2017 على "العنف ضد النساء في الأماكن العامة"، في سياق تفاعل الوزارة مع نتائج التقريرين السنويين الأول والثاني للمرصد الوطني للعنف ضد النساء، الذين أفرزا ارتفاع نسب العنف ضد النساء في الأماكن العامة وتنوع أشكاله.
وكيف تقيسون جدوى مثل هذه الحملات وأثرها؟
من حيث الجدوى والأثر، كانت حملة هذه السنة أكثر نوعية بالنظر للفئات الواسعة التي تم استهدافها من جهة وآليات التحسيس من جهة ثانية، حيث تم تلبيس حافلات النقل الحضري بمدن الرباط والدار البيضاء ومراكش بملصقات وشعار الحملة جابت الشوارع، وتنظيم دورات تكوينية لفائدة سائقي حافلات النقل الحضري العمومي، فضلا عن الندوات الجهوية والمحلية التي نظمت على صعيد التراب الوطني، والوصلة التحسيسية التلفزية والإذاعية.
الجديد في حملة هذه السنة هو تقاسم الانشغال بوقف العنف ضد النساء مع الجماعات الترابية، التي انخرطت بشكل فعال ومسؤول في مختلف فعاليات الحملة، توج بالإعلان عن إعلان الرباط لوقف العنف ضد النساء في الأماكن العمومية بين كل من وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية والمجالس الجماعية لمدن الرباط ومراكش والدار البيضاء، وهو مفتوح لانخراط مختلف المجالس الترابية.
كيف تقدّرون حجم الظاهرة التي تتعدى العنف اللفظي في الشارع العام؟ وهل من أرقام في هذا الباب؟
وفقا لمعطيات التقرير السنوي الثاني للمرصد الوطني للعنف ضد النساء، فقد أبرزت بيانات وزارة العدل أن العنف الجسدي سجل انخفاضا ملموسا سنة 2016 مقارنة مع 2015، بنسبة ناهزت 17%. بينما سجلت الأشكال الأخرى للعنف ارتفاعا طفيفا بنسبة 4% خلال نفس الفترة.
وعلى مستوى معطيات العنف الجنسي، يعد الاغتصاب الاعتداء الجنسي الأكثر شيوعا، فقد بلغت نسبة الاعتداء الجنسي من مجموع القضايا المسجلة لدى وزارة العدل في مجال العنف ضد المرأة 5.8% سنة 2015، و6.6% سنة 2016. فيما بلغت نسبة الاغتصاب 67.1%سنة 2016 مقابل 58.1% سنة 2015 من مجموع قضايا الاعتداءات الجنسية المسجلة.
ويعتبر الشارع العام من أكثر الأماكن التي تتعرض فيها النساء لاعتداءات جنسية، حيث سجلت بها 68% من الحالات خلال سنتي 2015 و2016، فيما بلغت نسبة الاعتداءات الجنسية في بيت الزوجية 10% سنة 2015، وهي النسبة التي انخفضت إلى 7% سنة 2016، في حين سجلت نسبة 14% من الاعتداءات الجنسية في أماكن العمل سنة 2015 وارتفعت إلى 18% سنة 2016.
ما المانع من إخراج مشروع القانون حول التحرش الجنسي والذي ظل حبيس البرلمان، رغم أنكم تحظون بالأغلبية في مجلسي النواب والمستشارين؟
مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء ليس قانونا لردع التحرش الجنسي فقط، بل نص قانوني شامل، تم إعداده استنادا على المبادئ الأساسية المعتمدة في التصدي لظاهرة العنف ضد النساء وهي زجر مرتكبي العنف، والوقاية منه، وحماية ضحاياه، والتكفل بهم، حيث تكمن أهم نقط قوة مشروع هذا القانون في:
أولا، تحديد إطار مفاهيمي محدد ودقيق من شأنه مساعدة المتدخلين لتمييز وحصر الأفعال والسلوكيات المدرجة في مجال العنف ضد النساء، من خلال تحديد مفهوم العنف ومختلف أشكاله؛
ثانيا، تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة، كالامتناع عن إرجاع الزوجة المطرودة من بيت الزوجية، والإكراه على الزواج، والمساس بحرمة جسد المرأة، وتبديد أو تفويت أموال الأسرة بسوء نية... إلخ؛
ثالثا، تجريم التحرش الجنسي، مع تشديد العقوبات عليه في حالة ارتكاب الفعل في ظروف معينة ومن طرف أشخاص محددين، كأحد الأصول أو المحارم، وزميل في العمل، وشخص مكلف بحفظ النظام،... إلخ؛
رابعا، تشديد العقوبات على بعض الأفعال الموجهة ضد "نساء في وضعية خاصة"، كالعنف ضد امرأة حامل، أو ضد الزوجة أو الطليقة بحضور الأبناء أو الوالدين؛
خامسا، اعتماد تدابير حمائية جديدة، كإبعاد الزوج المعتدي، وإنذار المعتدي بعدم الاعتداء، في حال التهديد بارتكاب العنف مع تعهده بعدم الاعتداء، وإرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن، ومنع الاقتراب من الضحية أو من سكنها... إلخ؛
سادسا، التنصيص على عنصر الفورية في اتخاذ التدابير الحمائية، مع تقرير عقوبات على خرقها؛
سابعا، إحداث هيئات وآليات للتكفل بالنساء ضحايا العنف؛
ثامنا، اعتماد منهجيات وأطر مؤسساتية للتنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال مناهضة العنف ضد النساء وحمايتهن، مثل السلطة القضائية، والأمن الوطني، والدرك الملكي، والقطاعات الحكومية المعنية... إلخ.
نعتقد أن مشروع هذا القانون يتبع المسطرة التشريعية الطبيعية كما حددها الدستور، والتأخير لا تتحمل فيها الوزارة أي مسؤولية، كما أن المغرب اليوم بحاجة إلى أن يخرج هذا النص إلى الوجود لما تحمله مواده من حماية للمرأة وزجر لمرتكب العنف وتكفل وحماية للضحية.
هل لديكم تصور للقضاء على الظاهرة عبر وسائل أخرى، أكثر استدامة من الحملات المحدودة في الزمان والمكان؟
مقاربة وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية لوقف العنف ضد النساء لا ترتكز فقط على الحملات التحسيسية، وإن كانت مهمة، بل على مداخل متعددة يتكامل فيها القانوني مع الوقائي والحمائي والتكفلي، حيث رؤية الوزارة تركز على:
أولا، استراتيجية وطنية لوقف العنف ضد النساء، التي ستعكف الوزارة على إعدادها في الأيام المقبلة وفق مقاربة تشاركية ورؤية متفق بشأنها، من أجل توحيد الرؤية الاستراتيجية لمواجهة الظاهرة وطنيا وجهويا ومحليا، وتحقيق التقائية جميع تدخلات الجهات المعنية بهذه الظاهرة، من قطاعات حكومية ومجتمع مدني والجامعات ومراكز البحث، ووسائل الإعلام، بما يضمن للمرأة الحماية والوقاية القبلية من جميع أشكال العنف والتمييز من جهة، والدعم والمواكبة لضحايا العنف من جهة ثانية.
ثانيا، مواصلة دعم مراكز الاستماع والتوجيه القانوني للنساء ضحايا العنف، حيث تقدم الوزارة دعما ماليا يمتد على 3 سنوات لمراكز الاستماع والتوجيه للنساء ضحايا العنف التي يتم انتقاؤها بناء على طلب مشاريع يعلن عنه سنويا. وقد اعتمدت الوزارة هذه المقاربة في مجال الدعم (3 سنوات بدلا من سنة واحدة) لضمان الاستمرارية وجودة الخدمات التي تقدمها هذه المراكز للنساء ضحايا العنف. وهكذا، تم، ما بين 2012 و2016، دعم 225 مشروعا، موزعة بين مراكز الاستماع والجمعيات العاملة في مجال التوعية للنساء بمبلغ 35 مليون درهم، وهو ما يمثل 18٪ من الميزانية المخصصة من قبل الوزارة في إطار دعم الجمعيات.
ثالثا، التنسيق والشراكة مع الخلايا المؤسساتية لاستقبال النساء والأطفال ضحايا العنف، الموجودة على مستوى المحاكم والمستشفيات ومصالح الشرطة والدرك الملكي، والتي تهدف إلى تقديم مجموعة من الخدمات المتكاملة والفعالة للنساء ضحايا العنف من استقبال واستماع وتوجيه وإرشاد...إلخ، عبر التنسيق بين كافة القطاعات الشريكة واعتماد المهنية لدى الأطر العاملة والمشرفة عليها. وتثمينا لهذا العمل، تم إنجاز ونشر دليل حول الخلايا المؤسساتية لاستقبال النساء والأطفال ضحايا العنف.
رابعا، إحداث فضاءات إضافية متعددة الوظائف للنساء في إطار تعزيز البنيات الخاصة بالتكفل بالنساء ضحايا العنف على المستوى الترابي، حيث تم سنة 2015 إحداث 40 فضاء جديدا متعدد الوظائف. وهي بنيات اجتماعية للقرب تقدم خدمات لفائدة النساء في وضعية صعبة، كتوفير خدمات الدعم والتكفل والمواكبة وتقوية القدرات والتحسيس والتوعية بحقوق النساء والإيواء. وتعتزم الوزارة تقوية وتعميم هذه الشبكة من الفضاءات على صعيد جميع عمالات وأقاليم المملكة مع تجويد خدماتها وتطويرها، عن طريق دفتر تحملات خاص بهذه الفضاءات يتلاءم والمعايير الدولية المتعلقة بفتح المؤسسات الاجتماعية الخاصة بالتكفل والإيواء، ويستهدف تمكين النساء وحماية حقوقهن، وذلك وفق مقاربة تشاركية تشاورية شملت كل الشركاء والفاعلين المتدخلين في سلسلة التكفل بالنساء عززتها لقاءات واجتماعات وزيارات ميدانية لبعض التجارب الناجحة في المجال.
خامسا، تحسين المعرفة من خلال إجراء البحث الوطني الثاني حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء، الذي أعدت الوزارة المقتضيات المرجعية الخاص به، وتم انتقاء مكتب الدراسات الذي سيكلف بإنجازه، والذي سيطلق قريبا.
سادسا، التقرير السنوي الثاني للمرصد الوطني للعنف ضد النساء لسنة 2017، الذي يندرج في إطار برنامج عمل المرصد الوطني للعنف ضد النساء، والذي تم الإعلان عن نتائجه في ندوة صحفية يوم 15 دجنبر 2017، والذي يتضمن معطيات مهمة حول خريطة العنف حسب ما سجلته مصالح القطاعات والمؤسسات المعنية.
بالإضافة إلى الحملات الوطنية لوقف العنف ضد النساء والحماية القانونية من خلال إعداد مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء، التي سبق الحديث عنهما وعن مكوناتهما بالتفصيل.
رغم إطلاقكم لخطة "إكرام 1" و"إكرام 2" يبدو وكأن وضع النساء في المغرب يراوح مكانه. ما حصيلة اشتغال وزارتكم على الشق المخصص للمرأة؟
تعتبر الخطة الحكومية للمساواة، سواء "إكرام1" و"إكرام2"، ركيزة أساسية لدعم المرأة المغربية ومساهمتها في مختلف المجالات، بما يضمن الاستفادة المتساوية والمنصفة من نتائج وثمار هذه المشاركة. وقد مكن تنزيل "إكرام 1" من حصيلة متميزة. فبلغة الأرقام، أثمرت الدينامية الحكومية والقطاعية تفعيل 75% من الإجراءات المسطرة بنسبة إنجاز %100، وهي حصيلة مهمة باعتبار الطابع المهيكل للإجراءات المفعلة، والتي تلامس إصلاحات تشريعية ومؤسساتية، وكذا البرمجة والتخطيط. كما أبان عن نقاط القوة الرئيسة والآثار الإيجابية المترتبة عنها، والتي من أهمها ضمان التقائية السياسات القطاعية وتعزيز الإدماج العرضاني للمساواة، موازاة مع الميزانية المستجيبة للنوع، وإصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية. بالإضافة إلى إنجازات قطاعية مهمة أفرزت الإحداث الفعلي لمؤسسات متخصصة للرصد والتتبع، ولآليات تروم مواكبة النساء خاصة ضحايا التمييز والعنف، كإحداث المرصد الوطني للعنف ضد النساء والمرصد الوطني لصورة المرأة في الإعلام ومرصد مقاربة النوع بالوظيفة العمومية، وآليات أخرى للتكفل بالنساء ضحايا العنف والفضاءات المتعددة الوظائف للنساء.
وفي إطار استمرارية العمل الحكومي، واعتمادا على ضرورة بلورة السياسات العمومية وفق مقاربة حقوقية وما يستدعيه من وضع أهداف ذات أولوية، خاصة في مجال تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية، تعمل الوزارة حاليا على إعداد الخطة الحكومية للمساواة "إكرام2" وفق منطق الإدماج والإشراك والمساءلة و تعزيزه بأنظمة للتقييم والمتابعة تكون غنية بالمؤشرات المركبة والمراعية للنوع الاجتماعي. وفي إطار مواصلة المجهودات المرتبطة بمأسسة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية، تتضمن الخطة الحكومية للمساواة "إكرام 2" أربع محاور موضوعاتية تهم "تقوية فرص عمل النساء وتمكينهن اقتصاديا"، و"حقوق النساء في علاقتها بالأسرة"، و"مشاركة النساء في اتخاذ القرار"، و"حماية النساء وتعزيز حقوقهن"، وثلاث محاور أخرى عرضانية تتناول "نشر مبادئ المساواة ومحاربة التمييز والصور النمطية المبنية على النوع الاجتماعي"، و"إدماج النوع في جميع السياسات والبرامج الحكومية"، و"التنزيل الترابي لأهداف الخطة الحكومية".
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00