حاوره: موسى متروف
فرادة شخص إبراهيم الحسين موسى لا تكمن فقط في كونه أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية، بل لكونه ولج الدبلوماسية قنصلا سنة 1985، واستمر في السلك الدبلوماسي سفيرا حتى سنة 2016، وساهم في سحب 15 دولة من أمريكا اللاتينية اعترافها بالجمهورية الوهمية لجبهة البوليساريو. مسار طويل مع قضية الصحراء يحكيه، لـ"مواطن"، السفير الدكتور إبراهيم موسى، المولود في الداخلة قبل 67 عاما، والذي درس الثانوي في لاس بالماس، قبل أن يحصل على دكتوراه في الطب في العاصمة الإسبانية مدريد...
في الحلقتين السابقتين تحدث السفير السابق عن الاجتماعين اللذين تما مع الجنرال فرانكو وخوان كارلوس وتداعياتهما على المغرب والجزائر، ليستمر في هذه الحلقة في سرد كواليس غير معروفة حول أحداث شارك فيها هيأت لعودة الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى المملكة، قبل أن يعود إلى الداخلة لممارسة الطب، لتتطور الأحداث ويجد نفسه في قلب السلك الدبلوماسي...
وماذا عنك في تلك المرحلة؟
قلت للملك الراحل الحسن الثاني إن الداخلة أصبحت تحت الإدارة الموريتانية، وأنا لا يمكن أن أعمل فيها، فقال لي "دعك في الرباط، أنت ضيفي، لكن الداخلة ليست "خارجة"، إنها داخلة". المهم بقيت في الرباط وعملت في ديوان وزير الصحة الراحل رحال الرحالي ابتداء من سنة 1977 ومكلفا بديون الوزير الأول أحمد عصمان، لكن دائما في إطار قضية الصحراء، خصوصا مع الشؤون الداخلية ورجال الدليمي. وفي 1979 كنت في جزر الكناري حملت ابني الذي ولد بالرباط إلى لاس بالماس ليراه والدي اللذين ظلا مقيمين في الداخلة. وفي 12 غشت 1979، وتزامنا مع شهر رمضان، عدت عبر مطار الدار البيضاء ووجدت هناك مدير المطار وممثلي السلطة يسألون عني، زوجتي وابني ذهب بهما السائق إلى الرباط وأنا حملوني إلى سلا، حيث وجدت الراحلين إدريس البصري وأحمد الدليمي وطلبا مني الإفطار مع الوالد في الداخلة، فقلت لهم إنه في لاس بالماس، فقالوا لي نريد الإفطار في الداخلة واتصلت بالوالد الذي كان أصلا يريد التوجه إلى الداخلة. المهم ذهبنا إلى أكادير ووجدنا حوالي 70 صحراويا كلّهم من أبناء الداخلة، لم يكونوا مع موريتانيا، وحملونا إلى إحدى الثكنات العسكرية ووزعوا علينا أزياء عسكرية وبنادق رشاشة و300 رصاصة لكل واحد لنكوّن "كوماندو".
أصبحتم عسكريين فجأة وبدرجات مختلفة؟
نعم لبسنا أزياء عسكرية بدرجات مختلفة، كلٌّ حسب مستواه.
وما الرتبة العسكرية التي تسلمتها؟
"ملازم" أو شيء من هذا القبيل (ضاحكا). المهم سيدنا أعلن عن العملية ليلة 27 رمضان، وأصبحت عملية "القدر" في إشارة إلى ليلة القدر. وصلنا في 27 رمضان إلى الداخلة وفي الصباح كل واحد منا ذهب عند قبيلته وأقمنا مظاهرات وذهبنا إلى عمالة الداخلة حوالي 1500 شخصاـ وأول شيء تم القيام به إنزال العلم الموريتاني ورفع العلم المغربي. في هذه الفترة كان رئيس موريتانيا هو محمد خونا ولد هيدالة الذي كان قد اعترف بـ"الجمهورية الصحراوية" الوهمية وكان قد أخبر البوليساريو عن انسحابه، وقد وقعت معركة بئر أنزران المشهورة بسبب قدوم قوات عسكرية مكونة من الجيش الجزائري والبوليساريو، لأنهم كانوا ينتظرون هناك من أجل الدخول للداخلة. وطبعا كان جيشنا هناك والحمد لله. المهم دخلنا على العامل فقال لنا "دعوا لي وقتا لجمع ملفاتي. أنتم السكان إذا أردتم أن نرحل سنرحل". وفعلا غادر الموريتانيون الداخلة وذهب وفد من القبائل لتقديم البيعة لسيدنا في 14 غشت 1979.
وقد تم توزيع بعض الأسلحة على المشاركين في هذه البيعة، لماذا تحديدا؟
فعلا، كنت في الخلف وكان الوالد بينهم، وكانوا حوالي 160 شخصا، وقال لهم الملك "أنتم معروفون كقبائل الگيش، ها هي أسلحة إن اعتدى عليكم أحد الجيش معكم ولكن يمكن أن تدافعوا عن أنفسكم"، والواقع أن السلاح كان رمزيا. وتم تعيين عامل على الداخلة وقال لي سيدنا "أنت تعرف الداخلة وأريدك أن تذهب إلى هناك كطبيب رئيس لأنه بلا شك أن خدمات الموريتانيين كانت محدودة" وذهبت إلى هناك في 18 من نفس الشهر، لأقوم بنفس المهمة التي كنت أقوم بها خلال الاستعمار الإسباني، وبدأت في تنظيم المستشفى واستقدام الأدوية وسيارات الإسعاف وكل ما يلزم...
وكيف وجدت الوضع بعد مدة من الغياب؟
وجدت حوالي 30 في المائة من السكان مصابين بمرض السل وأتينا بالاختصاصيين ليوقوموا بالواجب. وظللت هناك إلى حين قدوم سيدنا، في مارس 1980، إلى الداخلة، حيث تم تجديد البيعة. ومن هناك بعثني سيدنا إلى طنجة كطبيب رئيس إلى سنة 1985، فقال لي سيدنا بنفسه "نحتاجك في جزر الكناري، كسفير لكن تقوم بأعمال القنصل". جزر الكناري كانت تعتبر "تندوف الغربية". هناك قضيت 7 سنوات واجهت فيها البوليساريو وأدخلت الصحراويين الذي كانوا مع البوليساريو كلهم إلى المغرب ورئيس الحكومة المحلية أتينا به واستقبله سيدنا يرحمه الله وانطلقت علاقات جيدة مع الكناري من حيث الصيد البحري والفلاحة وتم استئناف المبادلات التجارية بين الصحراء المغربية والجزر والحمد لله "طهرنا" المنطقة من وجود البوليساريو وحسنّا صورة المغرب وملكه وشعبه وأصبحت الشركات الكنارية تأتي لأكادير في إطار الصيد البحري أو الفلاحة، كما يأتون إلى العيون والداخلة، الحمد لله انتهى البوليساريو هناك وبقيت بعض البؤر الصغيرة لكن بلا تأثير كالسابق...
ثم انتقلت كسفير إلى موريتانيا...
نعم في 1992 ثم في 1999 انتقلت كسفير إلى فينزويلا والكرايبي حيث بقيت 18 سنة، والحمد لله حصلنا على 15 دولة سحبت اعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية"، وأول دولة سحبت اعترافها كانت جمهورية الدومينيكان...
لكن كيف انتقلت إلى أمريكا اللاتينية؟
في دجنبر 1999 ذهبت كسفير إلى فنزويلا، أي بعد وفاة الراحل الحسن الثاني وفي بداية عهد الملك محمد السادس، ويحكون أن الحسن الثاني رحمه الله قال "إن في فنزويلا رئيس أحمق اسمه (هوغو) تشافيز ويلزمه سفير طبيب مثل الدكتور موسى"، وفعلا عينني الملك محمد السادس بفنزويلا وكانت الكارايبي تابعة لي. وهذه المنطقة طهرناها أيضا ولم تبق لنا مشاكل تقريبا، سوى كوبا، وها هو سيدنا سيبعث سفيرا إليها، وفنزويلا المعروفة بنظامها المتطرف وننتظر أن تنتهي رئاسة نيكولاس مادورو لكثرة مشاكله. ونحن أغلقنا سفارتنا هناك في 2009 ونقلناها إلى الدومينيكان. وبالنسبة لهذه الأخيرة أنا كنت سفيرا غير مقيم فيها سنة 2002، واستقدمت رئيسها إلى المغرب، استقبله سيدنا الذي دعاه في زيارة دولة وسحب اعتراف بلاده بـ"الجمهورية الصحراوية" وخدم مصالحنا مع دول الكارايبي. والحمد لله كانت آخر دول هناك سحبت اعترافها، في 2015، هي هايتي والجامايكا.
الملك محمد السادس يعين إبراهيم موسى سفيرا بفنزويلا والكارايبي
ومتى انتهت مهامك بهذه الدول؟
في أكتوبر 2016، والحمد لله كانت مهام ناجحة والتوصيات التي قدمت لي هي سحب الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية وتأييد الحكم الذاتي وعدم تقديم أي مساعدة للبوليساريو. وكانت هذه الدول كلها نشيطة في اللجنة الرابعة للأمم المتحدة وفي الجمعية العمومية وفي لجنة حقوق الإنسان وكانت كلها داعمة لمشاريع القرارات التي كانت تقدمها الجزائر في المحافل الثلاث.
وكيف تم اختراق هذه الأوساط؟
بدأنا مع هذه الدول بتعيين قناصل فخريين من المواطنين من ذوي الأصول العربية (سوريا ولبنان وفلسطين) والذي ساهموا في إعادة بناء هذه البلدان وصاروا أغنياء. هؤلاء القناصلة الفخريون الذين يتميزون بحب كبير للمغرب وملوكه ساعدوني كثيرا في هذه البلدان التي لها نفس وزن الصوت مع الولايات المتحدة أو غيرها، وليس هناك بلد صغير أو كبير. والمثير أن هؤلاء القناصلة الفخريين الذين جاؤوا إلى هذه البلدان بسبب الفقر أو الاستعمار أو الميز الديني أصبحوا مناضلين في قضية الصحراء. أذكر أن بلدا، لن أذكر اسمه، فيه جزيرتان ذهبت إليه مرارا. تحدث مرة إلى وزيره الأول الذي هو في الوقت ذاته وزير الخارجية بشيء من الإسبانية والإنجليزية والفرنسية ولكنه كان يسد الأبواب في وجهي، وقال لي "كل شيء إلا قضية الصحراء، نحن اعترفنا بالجمهورية الصحراوية والشعب الصحراوي له حق تقرير مصيره..."، يعني بتلك اللغة المعروفة. وحكى لي قنصل فخري أنه كان يمول حزب الوزير الأول المذكور وأنه في بلد فقير لا خبز ولا لباس ولا بترول فيه ولا أسواق، ولا شك أن المسؤول إياه له علاقات خاصة بالجزائر. بعد حوالي شهر اتصل بي هذا القنصل الفخري وأنا في عاصمة الدومينيكان وقال لي بأن لديه شيء هام لي، وسألني إن كنت سأذهب إليه أم يأتي عندي. طبعا فضلت أن ألحق به وكان له ابن عم نائب مدير بنك خارج البلاد في منطقة الكرايبي حيث فتح الوزير الأول المذكور حسابا بنكيا، وقد أتاني بصورة شيك موقع من طرف مدير البنك المركزي الجزائري وسفير الجزائر في كوبا بمبلغ مليون ونصف المليون من الدولارات. قلت له "جيد، اذهب عند هذا الوزير الأول وقل له إن نسخة الشيك لدى سفارة المغرب ومن الأفضل أن تتفاهم معهم، لأن قضية الصحراء عندهم مقدسة". فطلب منه أن يراني، فقال له إنه "موجود هنا"، فطلب منه أن نحضر كلانا لديه ويكون خيرا. وفعلا عندما استقبلي غيّر لغته وسألني "أين توجد هذه الصحراء؟"، شرحت له أين يوجد موقع الصحراء المغربية، وصحراء الجزائر وصحراء موريتانيا، وقلت له إنني صحراوي وأن الاستعمار حاول زرع التقسيم بين السكان... فقال لي إنهم أفهموه أن الصحراء فيها البترول وسألني إن كان الفوسفاط في الصحراء، فأجبته بأن الفوسفاط يوجد في العيون وفي خريبكة وفي المغرب كله. فذكر لي بأن بلاده تحتاج إلى الأسمدة، وطلب مني استشارة البرلمان وبعد يومين سحبوا اعترافهم بـ"الجمهورية الصحراوية". كل ما حكيته فقط من أجل أن أقول هو أن ما أضر بنا في هذه الدول هو غيابنا، في الوقت الذي كانت فيه الجزائر والبوليساريو هناك منذ السبعينات وبأموال لا يمكن تصورها. ونحن لم نصل إلى هناك حتى التسعينات، لكن جهود الملك محمد السادس ساعدت في هذه المنطقة، خصوصا بعد زيارته الرسمية، في سنة 2004، إلى المكسيك والبرازيل وكولومبيا والبيرو والشيلي والأرجنتين والدومينيكان...
نعود إلى مهامك الدبلوماسية في المنطقة...
لم يتم تعييني شخصيا هناك إلا في 1999، لكن والحمد لله كانت حججنا أقوى من حجج الجزائر والبوليساريو. وأنا كنت أرد عليهم، عندما يقولون إن الشعب الصحراوي ضعيف والمغرب احتله، بأن الضحية هو المغرب لأن الجزائر والبوليساريو أرادا انتزاع أرضه منه وخنقه حتى لا تبقى علاقاته ممتدة مع إفريقيا وكنت أقول لهم إن الذين يوجدون في مخيمات تندوف ليسوا صحراويين لأن الصحراويين الحقيقيين بقوا في أرضهم وسعداء في أرضهم. وكنت أشرح لهم أن الاستعمار الإسباني لم يخلف وراءه غير الثكنات العسكرية والسجون، أما اليوم فنتوفر على الطرق والمطارات والموانئ والمستشفيات لدينا المساكن والصيد البحري والفلاحة التي لم تكن من قبل. كنت أشرح لهم وأزودهم بالوثائق وليس بالكلام فقط. إذن حججنا أقوى من حججهم...
اقرأ أيضا:
السفير إبراهيم موسى: هذا ما جرى بيننا وبين فرانكو وخوان كارلوس حول الصحراء (الحلقة 1)
السفير إبراهيم موسى: حينما طلب مني الحسن الثاني قبول أي منصب في "دولة" الصحراء! (الحلقة 2)
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
10 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 11:00