حاوره موسى متروف
فرادة شخص إبراهيم الحسين موسى لا تكمن فقط في كونه أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية، بل لكونه ولج الدبلوماسية قنصلا سنة 1985، واستمر في السلك الدبلوماسي سفيرا حتى سنة 2016، وساهم في سحب 15 دولة من أمريكا اللاتينية اعترافها بالجمهورية الوهمية لجبهة البوليساريو. مسار طويل مع قضية الصحراء يحكيه، لـ"مواطن"، السفير الدكتور إبراهيم موسى، المولود في الداخلة قبل 67 عاما، والذي درس الثانوي في لاس بالماس، قبل أن يحصل على دكتوراه في الطب في العاصمة الإسبانية مدريد...
كيف عشت من الداخل جذور قضية الصحراء؟
عندما استقبلنا الجنرال فرانشيسكو فرانكو في مدريد، في 15 مارس 1975، وكان إلى جانبه وزير الشؤون الصحراوية، ومدير الشؤون الصحراوية، في آخر لقاء عقده مع ممثلي الصحراء في البرلمان الإسباني وفي الجماعة الصحراوية برئاسة الحاج خطري ولد اسعيد الجماني. وأنا كنت مديرا للصحة في المنطقة الصحراوية كلها، ودخلنا لأحد المكاتب وخاطبني فرانكو: "أريدك الدكتور موسى، من فضلك، أن تتولى الترجمة بيني وبين الحاج الجماني"، الذي لم يكن يتحدث بالإسبانية. وخاطب الجماني قائلا: "سمعت كلامكم وسمعت طلبكم. الصحراء فعلا "تفاحة" نزاع. المغرب يريد الصحراء، والجزائر تريد مشاركة في استغلال الصحراء، وموريتانيا أيضا. هذا نزاع بين هذه الدول وهو في مصلحتنا. الآن الجيش الإسباني موجود وهو يحميكم، ولكنني أريد أن يرافق كل جندي إسباني جندي صحراوي. لهذا يا الحاج خطري، أنت من قبيلة الرگيبات فخذة "البّيهات"، إننا نحتاج 1500 جندي صحراوي نكوّنهم ويتموقعون في الحدود"...
إبراهيم موسى يصافح الجنرال فرانكو
(مقاطعا) ولكن الصحراويين لا قبل لهم بمثل هذا العمل؟
لا كانت هناك الشرطة الترابية (Policia Territorial) وقوات الرحل (Tropas Nómadas)، لكن كم كان عددهم، ألف، ألفان، هو كان يريد أن يزيد في العدد، هو يريد أن يكوّن جيشا في الحدود "للصدمة" في حال الهجوم.
المهم ترجمت للجماني ما قال فرانكو...
ترجمت للجماني واقترحت عليه الجواب، حيث قلت له "هذه شرارة حرب أهلية، وأنتم موجودون في المغرب وفي موريتانيا". ظل ساكتا قليلا ثم قال له: "سيدي الجنرال أنا معكم وعائلتي معكم وقبيلتي معكم، لكن قبيلتي الرگيبات موجودة أكثر في المغرب وبعضنا موجود في الجزائر وفي موريتانيا. وما تريدون سيسبب حربا أهلية". والجنرال عاش الحرب الأهلية ويعرف تأثيرها.
إبراهيم موسى يلقي خطابا في حضرة فرانكو وأمام ممثلي الصحراء في البرلمان الإسباني والجماعة الصحراوية
إذا تم اختيار هذا المبرر بذكاء حتى يتم إفحام فرانكو...
طبعا، ظل فرانكو صامتا دقيقة أو دقيقتين، بعدما قدمت له الترجمة، ثم قال "فعلا الحرب الأهلية أثرت علينا كثيرا. انتهى الاجتماع من فضلكم". لم يستطع فرانكو أن يقوم من مكانه، حتى ساعدته من جهة وجنرال كان حاضرا من الجانب الآخر، فقال لي: "شكرا جزيلا يا بني (Hijo, muchas gracias)". لهذا كتبت الصحافة الإسبانية بأن "الدكتور موسى ابن فرانكو" (ضاحكا).
انتهت قضية الجيش إذن؟
نعم خرجنا من استقبال فرانكو الذي كان في الساعة الثانية عشرة، وذهبنا في الساعة الواحدة والنصف عند الأمير خوان كارلوس، الذي كان إلى جانبه أيضا وزير الشؤون الصحراوية، ومدير الشؤون الصحراوية، والوفد كله. قرأت عليه خطابا للسلام لا سياسة فيه، لأنه لم يكن يقوم بعمل سياسي. المهم سلمنا عليه وتمنينا له النجاح في مهامه... ثم دخل الأمير أحد المكاتب ثم خرج أحد مساعديه ليطلب "الدكتور موسى والحاج خطري". دخلنا عنده وقال إنه على اطلاع بما جرى بيننا وفرانكو وقال "أنا أعدكم أن لن تكون هناك أي حرب و"تفاحة" النزاع ستبقى محصورة. وأعدكم أن نجد حلا سلميا مع الدول المجاورة، وخصوصا مع الدولة التي لديها حق تاريخي في الصحراء"، في إشارة إلى المغرب. منذ ذلك اليوم، وأنا كنت سياسيا وطبيبا في الصحراء...
إبراهيم موسى يصافح الأمير خوان كارلوس
لم تكن عضوا صحراويا في البرلمان الإسباني؟
لا، كنت مساعد عضو في البرلمان. لأنه في ذلك الوقت، إذا لم تكن تتجاوز 35 سنة، لا يمكن أن تكون عضوا في البرلمان في عهد فرانكو، وعلى كل حال لم تكن هناك انتخابات بل تعيين فقط، وبالنسبة للأصغر سنا كحالتي يمكن أن يكون مساعدا لأحد البرلمانيين.
خوان كارلوس يتوسط الوفد الصحراوي
وماهو الانطباع الذي خرجت به بعد كل ما قاله خوان كارلوس؟
فهمنا، أنا والحاج خطري، أن العراقيل بالنسبة إلى الصحراء وعودتها إلى المغرب مصدرها فرانكو وليس خوان كارلوس. ومنذ مارس 1975 شعرنا بأن الدبلوماسية الإسبانية حول الصحراء بدأت تتغير، حيث تخفّفت اللغة الدبلوماسية القوية نحو المغرب، حتى لهجة حكامهم العامين تغيرت، بحيث لم يعد المغرب هو "العدو" و"الذي سيستعمركم" و"الاستعمار الجديد" و"أنتم لستم مغاربة" و"أنتم صحراوين لا علاقة لكم بالمغرب"... كل هذا تغير. وزير الخارجية الإسباني لوبيز برابو الذي كان ناضل بحماس من أجل إقامة دولة فيدرالية مع إسبانيا في الصحراء بعلاقات طيبة مع الجزائر، وحماية لمصالحها الاقتصادية في المنطقة، تم تغييره بعد شهرين. لأنه كان أول وزير خارجية إسباني الذي زار في يناير 1975 موريتانيا وفي تصريح صحافي تحدث باسم "الشعب الصحراوي" وبأنه "يستحق تقرير مصيره" و"يختار مستقبله" و"يستحق أن تكون له دولة مستقلة عن الدول المجاورة وعن الرغبة في التوسع"، في إشارة إلى المغرب دون أن يذكره. إذن تم تغيير هذا الوزير...
هنا شعرتم بالانفراج؟
بدأ الانفراج وأصبحت هناك ثلاثة مذاهب: مذهب من دعاة الحرب، منهم الحاكم والجيش، وهؤلاء بقي موقفهم جامدا، وكانوا يقولون "هذه أرضنا ولن نتحرك منها ولا استقلال ولا أي شيء". وهناك مذهب ثان يقول بأن الإسبان يجب أن يتخلوا عن مسؤولياتهم في الصحراء ويضعوها بيد منظمة الأمم المتحدة. ومذهب ثالث يتحدث عن التفاهم والتقارب مع المغرب.
والأحزاب السياسية ماذا كان موقفها؟
الأحزاب السياسية كانت ممنوعة في هذا الوقت، كان هناك الحزب الوحيد تقريبا وهو حزب فرانكو، وحزب فراغا دي بارني وهو مساعد فرانكو، بقي الحزب الاشتراكي، والحزب الليبرالي، والحزب الشيوعي، والحزبان الجهويان الباسكي والكاطالاني، كلها كان لي بها اتصال وكانت تقول بمغربية الصحراء، ويذهبون إلى أنه يمكن إضعاف فرانكو بانتزاع الصحراء منه، لأنه إذا لم يتم ذلك سيقوم بما قام به في شمال المغرب (الذي انطلق منه إلى حكم إسبانيا)، خصوصا في حال إقامة دولة فيدرالية مع إسبانيا سيتقوى نفوذه في الصحراء كما في جزر الكناري أيضا.
وكيف قمتم باستغلال هذا التناقض الداخلي؟
كان لي اتصال سري بالحزب الاشتراكي، كنت على معرفة بفيليبي غونزاليس وألفونصو غيرا، وهما كانا يقولان بأن الصحراء مغربية، وكانا يعتبران بأن فرانكو يأخذه الحنين إلى القديم في العلاقة مع إفريقيا وأنه ليس من مصلحتهم تقوية فرانكو والجيش. لكن المشكل في الحزب الشيوعي هو ميله إلى الجزائر، لأسباب إيديولوجية، يقولون إن الجزائر نظام "تقدمي"، فيما النظام المغربي "ملكي"...
طبعا كانت هناك الحرب الباردة التي تلقي بظلالها على المنطقة...
تماما، المهم كان هناك انفتاح وتوجه نحو المغرب، ولكن هناك الإحصاء الإسباني لسنة 1974 الذي تم إعداده من أجل التصويت لصالح البقاء الإسباني في الصحراء، لأن القبائل التي لها ميول تاريخية مع المغرب لم يتم إحصاؤها مثل قبائل تكنة وأيت باعمران وأيت لحسن وريافة أيت توسة ويگوت والتي توجد في الصحراء تم تجاهلها وكانوا يسمونها "قبائل الشمال"، وأهلها يمثلون تقريبا 40 في المائة من الذين كان يجب إحصاؤهم، لأنهم لم يمنحوهم درجة "قبيلة"، حتى لا يشاركوا في أي استفتاء إذا تم بعد ذلك. لكن بعد الانفتاح الذي تحدثت عنه بدأ التغيير في الموقف من هذه القبائل، حيث سجلوهم وشرعوا في منحهم بطائق إسبانية وغير ذلك، المهم هناك تحول تم بعد الاجتماع الذي تم مع فرانكو والكلمات التي قلناها له...
05 août 2022 - 10:00
10 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 11:00