حاوره موسى متروف
فرادة شخص إبراهيم الحسين موسى لا تكمن فقط في كونه أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية، بل لكونه ولج الدبلوماسية قنصلا سنة 1985، واستمر في السلك الدبلوماسي سفيرا حتى سنة 2016، وساهم في سحب 15 دولة من أمريكا اللاتينية اعترافها بالجمهورية الوهمية لجبهة البوليساريو. مسار طويل مع قضية الصحراء يحكيه، لـ"مواطن"، السفير الدكتور إبراهيم موسى، المولود في الداخلة قبل 67 عاما، والذي درس الثانوي في لاس بالماس، قبل أن يحصل على دكتوراه في الطب في العاصمة الإسبانية مدريد...
في الحلقة الأولى، كان السفير السابق قد تحدث عن لقائه ضمن وفد صحراوي مع الجنرال فرانكو والأمير خوان كارلوس، ليتابع حكيه، متوقفا عند أثر اللقاءين على الجزائر والمغرب...
ماذا عن الجزائر، هل بدأت التحرك بعد لقائكم بفرانكو وخوان كارلوس؟
بعد حوالي يومين من لقائنا بفرانكو وخوان كارلوس، كنت في شقتي بمدريد فحدثني بواب العمارة عبر "الأنتيرفون" وقال لي بأن السفير الجزائري محمد خلادي يريد مقابلتي، ولما صعد ودخل الشقة وهو في الممر قال لي بأنه جاء يبلغني رسالة شفوية من الرئيس الجزائري الهواري بومدين، مفادها أن ندخل الجزائر ونقاوم "الاستعمار الجديد" للمغرب بعد رحيل الإسبان، وأنه سيضع رهن إشارتنا الخزانة العامة لتحرير الصحراء. طبعا طلبت منه أن يشكر الرئيس وأن يبلغه بطلبنا وضع تلك الخزانة رهن إشارتنا لتحرير الصحراء فعلا، لكن للعودة إلى الوطن الأم المغرب. لم أدخله إلى داخل الشقة وعاد من الممر.
وماذا كان الجواب؟
تم بعثُ وزير مهم في الحكومة الجزائرية حينذاك، أفضل عدم ذكر اسمه، إلى مدريد بعد يومين، واتصل بالوفد الذي استقبله فرانكو وخوان كارلوس بالفندق الذي كانوا يقيمون فيه، وطبعا كنت حاضرا معهم. وهناك بدأ الوزير يحاول إقناع الحضور بالأطروحة المعروفة لبلاده، بالعربية وشيء من الفرنسية، ولما لم يجد آذانا صاغية نزع سترته وربطة عنقه وفتح أزرار قميصه ليكشف عن آثار تعذيب في ظهره، وقال "يجب أن تقاتلوا من أجل تحرير بلادكم، كما قاومنا نحن الاستعمار الفرنسي". ورغم ذلك لم يثر اهتمام المجموعة، ما دعاه إلى تبرير الموقف بأن مخاطبيه "أميون"، كما وصفهم باللغة الفرنسية...
وبالنسبة إلى المغرب، ماذا وقع بعد لقاء فرانكو وخوان كارلوس؟
لما خرجنا من اللقاء مع الأمير خوان كارلوس، اتصلت بصديق يعرف الجنرال أحمد الدليمي وهو ابن عم لي رحمه الله، كلمته وقلت له بأنه "من الضروري أن أرى سيدنا" (الملك الراحل الحسن الثاني)، موضحا له بأن هناك أمور لا بد أن أفسرها له. المهم اتصلت به في الدار البيضاء وفي اليوم الموالي جاء عندي إلى مدريد وفسرت له ما أريد واتصلنا بالدليمي وقال لي "سأرسل لك السيد عبد اللطيف المدغري"، رحمه الله...
ومن هذا الرجل؟
هو مساعد الدليمي وكان يعرفه الملك، وقد توفي في حادث سير في نهاية السبعينات. المهم جاء هذا الرجل عندي في مدريد والتقينا في محطة "ميترو" الأنفاق.
هو لقاء سري إذن؟
نعم أنا متابع من طرف الإسبان وهو مسؤول أمني، لذلك كان اللقاء سريا وأعطاني علامات كي أتعرف عليه من خلال اللباس، ونفس الشيء بالنسبة إلي.
كل هذا تم في نفس شهر مارس 1975؟
نعم، التقينا في محطة الميترو وامتطينا قطارا وسافرنا لمسافة قضينا فيها حوالي ساعتين وكنت أتحدث وهو يسجل كتابة ما أقوله، ونزلت في رانخويس وتركته هناك. المهم رجع للرباط...
وماذا عن طلبك للقاء الملك؟
اتصلوا بي بعد حوالي أسبوع وقالوا لي بأنني سأرى الملك فيي عيد الشباب (9 يوليوز 1975)، لكن يجب أن يكون اللقاء سريا لأن جواز سفري الإسباني مذكور فيه بأنه يمنع علي زيارة الدول "السوفياتية" وإسرائيل والمغرب (ضاحكا). طبعا المغرب سيترك لي حرية الدخول لأن جوازي استعماري طبعا...
ودخلت المغرب؟
قبل ذلك استغليت دورة تكوينية حول إدارة المستشفيات في العاصمة الفرنسية باريس وطلبت كمدير الصحة في الصحراء أن أشارك فيه إلى جانب ثلاثة أطباء إسبانيين مدراء للصحة في مناطق أخرى من إسبانيا. بعد أسبوع في الدورة، قلنا بأنه آن أوان السياحة، وأخبرت "الناس ديالنا" وجاءتني طائرة حملتي إلى مراكش، حضرت احتفالات عيد الشباب مع سيدنا وجلست إليه لمدة 45 دقيقة وفسرت له كل شيء فقال لي "ارجع يا دكتور إلى الصحراء إذا أردت. ليس في قلبك غْرام واحد من الانفصال، وإذا أعطاك الإسبان أي مسؤولية تسلّمها، حتى ولو وضعوك على رأس دولة في الصحراء، لكن بمشيئة الله في دجنبر 1975 سأشرب معكم الشاي في العيون". جملة لم أفهمها، المهم ذهبت إلى الدار البيضاء ومنها إلى باريس، ولم أفهم ما رمى إليه الملك الراحل إلا في 16 أكتوبر 1975 عندما أعلن سيدنا عن نداء المسيرة الخضراء. كنت حينها في الداخلة مع الوالد رحمه الله في بيته، وكنا ننصت إلى نشرة الواحدة ظهرا من الرباط، كعادتنا، وعندما سمعنا نداء المسيرة من طرف الملك، في 16 أكتوبر 1975، قلت للوالد إن سيدنا سيشرب فعلا معنا الشاي في دجنبر.
وماذا وقع معك؟
في نونبر بدأت المظاهرات التي كان ينظمها البوليساريو فجاءني اتصال من الرباط يقول لي "نخاف عليك لأن هناك اختطافات من طرف الجيش الإسباني ويسلّم المخطوفون إلى البوليساريو ولابد أن تدخل إلى الرباط"، فعلا ركبت طائرة وذهبت إلى جزر الكناري ومنها إلى دخلت إلى الرباط.
هنا كانت المسيرة قد انطلقت لكن ماذا عن الجانب الإسباني والصحراويين؟
قبل ذلك وفي يونيو 1975 كانت قد وصلت لجنة من الأمم المتحدة إلى الصحراء كما قال لنا فرانكو، والإسبان شجعوا البوليساريو حتى يخرج للشوارع، ونحن كنا نفضل حزب "البونس" على غيره وإن لم نكن نتفاهم معه كثيرا. هذا الحزب كان يترأسه خليهن ولد الرشيد (حزب الاتحاد الوطني الصحراوي PUNS). ولما رأينا "لعب" الإسبان قلنا ذلك لولد الرشيد ورأى الميل إلى الجزائر دخل المغرب مع خليل الدخيل وحمودي بوحنانة رحمه الله، وفي نونبر دخل الحاج خطري رحمه الله. وطبعا هؤلاء هم القادة التاريخيون وقد دخلنا جميعا بعد أن كانت تعدّنا إسبانيا لمسؤوليات في دولة مستقلة أو في نظام فيدرالي مع إسبانيا.
وما كان رد فعل الإسبان؟
قال لي أحدهم "لا يمكن أن نكون بابويين أكثر من البابا نفسه، كنا نريد لكم دولة وأنتم تفضلون المغرب". المهم دخل القادة التاريخيون وناضلوا إلى جانب بلدهم المغرب من أجل قضية الصحراء.
تزامنت المسيرة مع مرض فرانكو وربما كانت هناك مفاوضات مع الراحل الحسن الثاني، ما حقيقة ذلك؟
يقال هذا، لكن التغيير وقع أول مرة مع وفاة كاريرو بلانكو، الذي كان نائبا لفرانكو، والذي كان يفترض أن يخلف هذا الأخير بعد وفاته، ويكون الملك رمزيا فقط. لكن مات بلانكو ثم مات فرانكو وانتهت معه الفرانكاوية، وما كنا نخشاه هو امتداد الفرانكاوية بعد فرانكو. وبلانكو هو الذي تقرب إلى الجزائر وأول حظوظ المغرب كانت مع وفاته، بعد اغتياله من طرف منظمة "إيتا" الباسكية، كما يقال، ولكن فرانكو الذي عاش في شمال المغرب وساعده المغاربة (ريفيون وصحراويون..) كان له عطف على المغرب لكن ليس إلى درجة التخلي عن الصحراء. وفي علاقته مع الحسن الثاني أظن أن العلاقات كانت جيدة، لأنه بعث له السفير الماريشال أمزيان الذي شارك في الحرب مع فرانكو... ولا أعلم إن كانت هناك أشياء أخرى سرية أجهلها.
ومرض فرانكو ألم يؤثر على القضية؟
طبعا بعد يومين أو ثلاثة من إعلان سيدنا عن المسيرة، أصيب فرانكو بزكام حاد أودى بحياته، وقد ظل طيلة أيام المسيرة مريضا، لدرجة أنهم يحكون نكتة عن زوجته التي قالت له إنه لو كتب الصحراء في اسمها لما وقع ما وقع. وطبعا هذه نكتة ساخرة من الوضع حينئذ. والحقيقة أنهم تأخروا في إعلان وفاة فرانكو، وهذا ما أخبرني به صهره الذي كان من معارفي وهو طبيب مثلي، حتى إعلان الاتفاق الثلاثي (14 نونبر 1975) الذي بمقتضاه خرجت إسبانيا من الصحراء وسلمت الإدارة للمغرب وموريتانيا.
إقرأ أيضا: السفير إبراهيم موسى: هذا ما جرى بيننا وبين فرانكو وخوان كارلوس حول الصحراء (الحلقة 1)
05 août 2022 - 10:00
10 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 11:00