إسماعيل الطالب علي
طفت على سطح الأحدات المغربية في الآونة الأخيرة مجموعة من القضايا التي ارتطبت بالاغتصاب وما يدور في فلكه، آخرها قضية "البيدوفيل الكويتي" الذي تمكن من مغادرة التراب الوطني، بعد تمتيعه بالسراح المؤقت من قبل محكمة الاستئناف بمراكش، وهو المتهم باغتصاب طفلة مغربية عمرها 14 سنة.
هذه القضية التي عرفت جدلا واسعا بلغ حد الخروج إلى الشارع، أعادت الحديث عن موضوع "الاغتصاب" إلى واجهة النقاشات، خصوصا بعد إصدار أغنية تحت عنوان "المغتصب هو أنت" من طرف دينامية جسدي حريتي، حيث رافقها موجة واسعة من السخرية والانتقاد.
في إطار متابعة هذه القضايا، قام "مواطن" بإجراء حوار مع الناشطة الحقوقية والفنانة التشكيلية، خديجة طنانة، التي ظهرت في الأغنية المذكورة، من أجل أن تقربنا من النقاش الدائر حول الاغتصاب، وكذا الأحداث التي رافقت صدور الأغنية.
مواطن: بداية، حدثينا عن آخر نشاط احتجاجي قمتم به تنديدا بإطلاق سراح المواطن الكويتي موضوع الساعة؟
طنانة: وقفة التنديد بإطلاق سراح المواطن الكويتي التي تم تنظيمها يوم الـ13 فبراير الجاري بتطوان، جاءت في إطار سلسلة المواقف التي نعبر عنها حول آفة الاغتصاب التي تعيشها المجتمعات بشكل عام، والمجتمع المغربي بشكل خاص، باعتبار المغرب مصنفا من بين الدول الأولى التي تتضمن ظاهرة الاغتصاب بشكل متزايد.
أيضا تأتي في الوقت الذي لا تتوفر فيه حماية للطرف الآخر (الضحية)، كون أن الدولة لا تعطي الأهمية لذلك، حيث نلاحظ أن بعض حالات الاغتصاب تمر بشكل سلس، دون أن تعير الدولة والمسؤولين لذلك أي اهتمام، إلأ في بعض الحالات التي تكون ظاهرة للرأي العام آنذاك يتم التفاعل معها.
على كل حال، نحن في مدينة تطوان، اجتمعنا في دينامية جسدي حريتي، التي تتضمن عددا من الجمعيات النسائية الحقوقية، حيث تعالج قضايا الجسد والحريات، والحقوق الفردية، ثم أن تناول الاغتصاب في قضايا الدينامية جزء أساسي وإن كان الاغتصاب في عدة حالات يأخذ أشكال متعددة، إلا أن الاغتصاب الجنسي يأخذ الحيز الآكبر باعتباره آفة داخل المجتمع، وجب إعادة النظر فيها، ومحاولة اقتلاعها من الجذور، لأنه لا يعقل أن يستمر المجتمع بهذا الشكل ونحن نشاهد حالات اغتصاب هنا وهناك.
النساء الآن لا يتوفرن على الحماية، ولا وجود لضمانات تخول لهن العيش بطريقة عادية، بحيث نجد دائما الخوف في نفوسهن، ونلاحظ أن كثيرا من الفتيات لا يستطعن الخروج إلى الشارع نتيجة الخوف، وبالتالي لا يعقل أن يظل نصف المجتمع يعيش في دوامة الخوف.
والاغتصاب على عكس ما يروج له كونه يمس فقط الفتيات، فإنه يمس الجميع ونلاحظ في الآونة الأخيرة عندما بدأ الكبت ينخر المجتمع، أن الاغتصاب يمس حتى النساء البالغات من العمر 100 سنة.
لأجل ذلك كله، جاءت الوقفة أساسا ضد الاغتصاب، وعلى خلفية آخر واقعة وهي فرار المواطن الكويتي من التراب المغربي وهو المتهم في قضية اغتصاب طفلة تبلغ من العمر 14 سنة.
ونحن نعتبر أن في هروب هذا المغتصب، شبه تشجيع على الاغتصاب، وأن من له المال بإمكانه شراء صمت العائلة وغيره، والفرار من العقاب.
رفعتهم في الوقفة شعار المغتصب هو القضاء.. إلى ماذا ترمزون؟
نعم، قمنا لذلك، وعندما نقول القضاء فليس القضاة جميعهم، لأن كثيرا منهم شرفاء حاملين في دواخلهم لقضايا إنسانية، في حين أن زمرة منهم -كما نرى- وفي تطبيقهم للعدالة لا يكون في محله، كما هو الشأن في قضية هذا الكويتي.
فضلا عن ذلك، يجب لفت الانتباه إلى أن قضية الكويتي ليست هي الوحيدة، وإنما ظهرت فقط بسبب أن هناك نقاشا عاما حول الاغتصاب، إذ أن هناك عديد من الحالات التي لا تظهر على السطح، كما لو أن جسد المرأة رخيص عندنا، ليأتي المرء ويغتصب ويفر.
في اعتقادكم من يتحمل المسؤولية في هذا الفرار؟
بصفة عامة، المسؤولية تقع على عاتق الدولة والقضاء، لأنه لو تم القيام بالواجب المعمول به، ما كان ليحصل أي شيء من هذا القبيل، لكن بالرغم من ذلك، ما يزال هذا السؤال مطروحا دون إجابة واضحة.
كيف ترون النقاش الذي خلفته قضية المواطن الكويتي، وتفاعل المغاربة معها؟
يظهر أن كثيرا من الأصوات التي رفعت تنديدا بما قام به هذا المغتصب الفار من العدالة، لكن في مقابل ذلك، نحتاج ألا تكون هذه الأصوات حبيسة مواقع التواصل الاجتماعي ومنازل المغاربة، بل وجب أن تخرج إلى الشارع، لأن الأوصات التي تكون ما وراء الحجاب لا تعطي أكلها.
نعترف أنه يمكن أن تساعد نوعا ما في تحسيس العقلية وإعادة النظر في مسألة الاغتصاب، ولكن هذا لايكفي، بل وجب أن تغير القوانين، ونزع الظاهرة من العمق، عن طريق التربية، بحكم أن هؤلاء، نجدهم فاقدين لتربية مناطة بالوعي تجعل من الذكر موجها نحو حبس رغباته، كما هو الشأن بالنسبة للمرأة التي تربى منذ الصغر على ضرورة كبح جماح رغباتها في حين أن الذكر لا.
أنتم كحركة نسائية، ما هي الحلول التي تقترحونه والتي تكتسي صفة الاستعجال من أجل اجتثاث آفة الاغتصاب؟
الاستعجال صعب تحقيقه، وإنما وجب الردع عبر ضرورة تغيير القوانين، وأن تأخذ الدولة موضوع الاغتصاب بالجدية اللازمة وتتعاطى معه بالشكل اللازم، بالإضافة إلى ذلك وجب إعادة النظر في التربية لأن أساس كل شيء نابع من التربية، بدونها سنرى جيلا يربي نفسه بنفسه، معه يفقد التوجه، ولا يعي حدود نفسه.
أما على مستوى القانون، وجب التغيير بأن يكون العقاب صارما في الحالات التي يكون فيها الاغتصاب، ليس على مستوى النص فقط وإنما على مستوى التطبيق.
في السياق ذاته، رافق أغنية صدرت عنكم تحت عنوان "المغتصب هو انت"، ضجة كبيرة، ما تعليقكم على هذا الموضوع؟
في حقيقة الأمر، تلك الضجة كان لها وقع كبير وصعب، ولكن إيجابية في نفس الوقت، لأنه لو لم تكن تلك الضجة لما كان هناك أهمية بالتحسيس حول ظاهرة الاغتصاب، بحيث أنه الآن الكل أصبح يتحدث عن الاغتصاب.
لكن الذي يعاب على المنتقدين أنهم صبوا جل اهتمامهم فقط على شكل الأغنية، ولم يتم التركيز على الفحوى والمضمون، أما من وجهة نظري فتلك الجوانب الشكلية لا تهمني.
وأشدد على أن الأشخاص الذي انتقدوا الأغنية مرفقين ذلك بالسب والشتم وما يدور في فلكه، أعود للتذكير لأقول أن سبب تصرفهم ذاك نابع من انعدام التربية.
ما الرسالة التي كنتم تودون توصيلها من خلال أغنيتكم؟
وجب الإشارة، إلى أن الأغنية كانت فقط تقديمية لسلسلة عمل سيتم الإعلان عنها فيما بعد، وما زال الاشتغال عليها قائما، وكان الغاية منها هي معرفة ردود الأفعال حول الموضوع المتناول، وذاك الذي حصل. إلا أن رد الفعل مع كامل الأسف كما بلغنا، أن هناك أناسا رافضين لواقع يعيشونه بشكل يومي.
من بين الانتقادات الموجهة لكم، أن في طرح الأغنية فيه تشديد على رفض الذكر بشكل مباشر، ما ردكم؟
هناك خلط وقع في الموضوع، أما بالنسبة لنا فنحن ننتقد الفكر الذكوري، وهذا الفكر ليس منحصرا فقط في الرجال، وإنما أيضا عند النساء فيما كثير من الرجال فلا.
فعندما نقول "المغتصب هو أنت"، ليس الرجل، وإنما المرأة كذلك، كالتي تربي ابنها منذ الصغر تحت أفكار "انت راجل، ماخصكش تبكي، خصك تكون راجل... إلخ)، تخلق فيه مجموعة من الأحاسيس تجعلها مساهمة بتربيها في حدوث الاغتصاب إذا وقع.
ثم دلالة عبارة "المغتصب هو أنت" لا نقصد بها فقط الاغتصاب الجنسي وإن كان هو الأساس، ولكن أيضا جميع أشكال الاغتصاب التي يكون ضحاياه نساء ورجالا.
يراج أن الأغنية هي مقتبسة من إحدى الأغاني العالمية، هل صحيح؟
أصل فكرة الأغنية هي صرخة نسائية من الشيلي تندد بالمغتصب، حيث وبعد صرخة نساء الشيلي خرجت نساء العالم في فرنسا وألمانيا وأمريكا ولبنان وتونس وغيرها، وبما أننا جزء من هذا العالم فقد أخذنا المبادرة للانخراط في هذه الصرخة العالمية.
اقتبسنا من الأغنية العالمية عبارة "المغتصب هو أنت"، أما ما تبقى من كلمات الأغنية فهو من إنتاجنا الخاص، بحيث أدخلنا فيها الأمور التي تخص مجتمعنا، الذي ما تزال فيه المرأة الضحية الكبرى.
المتابع لنشاطات خديجة طنانة، يجد أن جل أفكارها وأعمالها تتمحور حول الجسد، ما السبب في ذلك؟
صحيح ذلك، إذ أن الأمر مرتبط منذ الصغر، أي في الوقت الذي وعيت بنفسي وجسدي، هذا الجسد الذي كنت دائما أرى فيه أنه أقوى تعبير، فكنت أحب الرقص منذ الصغر، عبر الجسد أعبر به كلغة أنظر إليها كأسمى تعبير.
ثم أن هناك عدة أمور في مجتمعنا دفعت به إلى تبني هذه الفكرة، من قبيل التربية كون أنه منذ أن كنت طفلة صغيرة، وأنا أنظر إلى الأنثى تربى في وسط يحتم عليها تجميد جسدها وتقييده، وإن كان الهدف من ذلك توجيه الفتاة لأجل الزواج مستقبلا.
وبالتالي، فالجسد حاضر في المجتمع النسائي المغربي، يتم تهييئه للرجل، وإن كنت رافضة لهذا الفكر، فإنه واقع نعيشه.
حتى أنه عندما كنت أذهب للحمام وأن في سن صغيرة، وبعدها كنت أذهب للسينما وغيره، كنت أرى أجسادا متناقضة، حيث في الحمام أرى تلك الأجساد المترهلة، بينما في السينما أشاهد نساء ذات مقاييس جمالية؛ هذا التناقض وعند أولى خطواتي نحو الفن التشكيلي، أول ما تباذر إلى ذهني هو أن أرسم الجسد، لذلك كنت دائما ما أرسم تلك الأجساد التي يشوبها التوتر والغموض، تعبيرا عن التمييز الذي يقع في المجتمع بين النساء والرجال.
هل في رسالتك وغيرها من رسائل الحركات النسائية المماثلة تلقى صدى في نفوس المغاربة؟
الإلحاح هو الشيء الذي وجب التأكيد عليه والقيام به، لأنه إذا صمتنا فإن لا شيء سيتغير وسيظل الحال كما هو عليه، بل ستذهب الأمور على أشياء لا تحمد عقباها.
على الأقل في وقتنا الحالي، ما تزال النساء يستطعن ركوب سياراتهن والذهاب إلى الأماكن التي يرغبون فيها، لكن في المستقبل إن ظلت الأمور تسيير كما هو عليه الحال الآن، فإن المجتمع سيتقوقع وستعيش النساء في خوف.
وأرى أنه آن الأوان، لتغيير الوضع القائم من أجل الأجيال المستقبلية، لأنه يحز في نفسي أن أشاهد اليوم فتيات مجتمعي يرغبن في الهجرة إلى الدول الغربية رافضين العيش في المغرب، نتيجة التحرش والاعتداء عليهن وغيره.
وما رسالتنا إلا رغبتنا وإلحاحنا من أجل التغيير الذي ربما قد يقع، من أجل أن تظل الطاقات المغربية داخل البلاد وتطويرها وتحقيق الازدهار والنمو الذي نصبو إليه جميعا.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00