إسماعيل الطالب علي
لم تكن تعلم أن حلمها سيصبح بمتناول يدها، حلم كاد يتكسر على أعتاب العادات والتقاليد والمجتمع المحافظ، لكن الرغبة الملحة والمثابرة جعلتها تقتحم ميدانا كان محتكرا من قبل الرجال.
"نورة الميكانيكية" -كما يطلق عليها- ذات الأصول الأمازيغية والتي تنحدر من مدينة أزرو بالأطلس المتوسط، استطاعت أن تدخل ميدان تصليح الميكانيك وكهرباء السيارات، في محاولة منها لتغيير النظرة التقليدية اتجاه المرأة.
يشدك قوامها الضعيف ولباسها "المتسخ" المتهالك من شدة "لاكريس" داخل "كاراج" بمدينة صغيرة، تارة تصيح بغية أن يسمع صوتها وسط صوت الآلات الصاخبة بالمحل، وتارة أخرى أسفل سيارة تقوم بتصليحها، بيديها الملطختين بزيت المحركات، إذ من بعيد ينظر إليها كأنها ذكر، غير أنه بمجرد الاقتراب ورؤية وجهها الذي لا تفارقه الابتسامة مغطى بسواد ينم عن وقار فتاة كابدت وما تزال تكابد في هذه الحياة.
"نورة الهواري" ذات التسعة والعشرين عاما، وهي تحكي لـ"مواطن"، عن بداية التحاقها بمهنة كانت بالأمس القريب حكرا على الرجال، تقول إن رغبتها كانت ملحة لدراسة الميكانيك لكونه كان يلهمها، لتشرع في تعلمه واكتساب مهاراته لمدة 4 سنوات، لتحصل بذلك على دبلوم للتأهيل في شعبة إصلاح السيارات ودبلوم تقني إصلاح مركبات السيارات.
وقد وجدت "نورة" نفسها في أول سنة لها لدراسة الميكانيك، وحيدة بين 28 شابا، وهي الميزة الاستثنائية التي جعلتها تتفوق وتحصل على المرتبة الأولى في أول سنة تتعرف فيها على "الميكانيك".
بعد دراسة المجال وحصولها على الدبلومات، انتابها شغف الخروج إلى الميدان وإيجاد محلات متخصصة لإصلاح السيارات لأجل إطلاق العنان لما كانت تحلم به منذ الصغر، غير أن ذلك لم يكن سهلا تحكي "نورة" بنبرة صوت أمازيغية تملؤها الحسرة "لم يكن بالسهولة بمكان الولوج إلى الميدان، لقد واجهت صعوبات في ذلك، خصوصا وأن "المعلمين" أي أصحاب المحلات دائما ما كانوا يعترضون على التحاقي بمحلاتهم، بحجة أني فتاة وأني قد أخلق مشاكل لهم مع الزبناء".
رفض فكرة التحاق "فتاة" بمهنة الميكانيك، لم يمنع "نورة" من المحاولة مرارا وتكرارا، إذ تبرز أنها قد تمكنت بعد مشقة أن تحصل على أول فرصة للعمل كمتدربة بأحد المحلات.
"إني أحب الميكانيك، وكان يتملكني وأميل إليه منذ الصغر"، هكذا تعرب "المكانيكية" عن حبها لمهنة تصليح السيارات، غير أن هذا الحب الذي جمعها به، لم يجد قبولا من طرف العائلة التي كانت دائما ما تقف سدا منيعا أمام "نورة" لأجل ألا تختار هذا الميدان.
اعتراض ورفض بات من قبل العائلة، لم يجد صداه عند "محبة الميكانيك"، التي أصرت على دراسته والتقرب من معالمه وضبط مفاتيحه، لتكون النتيجة أن تستطيع بذلك إقناع العائلة بأن "الميكانيك" شغفها وطموحها وحلمها.
"لقد اقتحمت مجالا محسوبا على الرجال، كما لو أني تحديت ثقافة اجتماعية سائدة، وهذا قد خلق مشكلا لدى الكثيرين الذين ينظرون إلي بنظرة "ناقصة"، لكني مصرة على أن أغير هذه النظرة للمرأة ولقدراتها المفترضة، وأن أظهر فعلا على أنها قادرة على أن تفعل ما يفعله الرجال"، تؤكد "الهواري" بشدة، التي تعتبر على أن "المجتمع المغربي له خصوصيات يصعب اقتحامها في مجملها، فما بالك إن تعلق الأمر باقتحام امرأة لميدان ذكوري".
"الذكورية" تعبير تُلح المتحدثة نورة، على أن تطلقه على "أشباه رجال" يأتون إلى المحل كزبناء، لكن يشرعون في التحرش بها، وهو الأمر الذي تشدد على أنه "يعكر جو العمل بالنسبة لي كلما وقعت في موقف مماثل"، لكن في عموم الأيام تشير "نورة" أن أجواء العمل دائما ما تكون عادية جدا، ويسودها جو من الاحترام والتقدير من طرف كثير من الزبناء وحتى العاملين معها بالمحل، خصوصا صاحب المحل الذي تصفه بـ"المعلم" الذي دائما ما يقف بجانبها ويوجهها ويساندها في كل صغيرة وكبيرة.
فوسط الصعوبات والعوائق التي تواجهها، والتي ذكرت بعضها لـ"مواطن"، وتركت البعض الآخر لنفسها، تسعى "نورة" جاهدة إلى تحقيق طموحها، في أن يكون لها محل مستقل خاص بتصليح السيارات، وأن تمارس فيه "الميكانيك" مهنة وشغفا.
فبعد مرور 6 سنوات على علاقتها التي ربطتها مع "الميكانيك"، دراسة وتدريبا وخروجا إلى الميدان، لا يزال أمام "الهواري" مشوار طويل لتقطعه لأجل بلوغ هدفها وفرض ذاتها، وأن يتقبلها المجتمع الصغير بمدينة أزرو "المحافظة" والمجتمع المغربي، لكون "نورة" حالة من عدة حالات لنساء اقتحمن مجالات كانت محتكرة من قبل الرجال، فإلى متى ستتغير نظرة المجتمع؟
* أرشيف
02 juin 2019 - 20:00
08 mars 2019 - 23:59
08 mars 2019 - 17:30
08 mars 2019 - 14:30
26 février 2019 - 17:00