عبد القادر الفطواكي
بعد سنة ونصف تقريبا من عودة المغرب إلى مكانه الطبيعي بالاتحاد الإفريقي، شهدت قضية الصحراء المغربية عدد من المتغيرات، كما حققت نصرا من داخل أروقة هاته المؤسسة الإفريقية، بعد النتائج الإيجابية التي جاء بها القرار الأممي 653، والمؤشرات المشجعة التي حملتها زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام المتحدة "هورست كولهر" للأقاليم الجنوبية للمملكة وزيارة جيران المغرب والذين أصبحوا أطراف في نزاع الصحراء.
موقع "مواطن" التقى بالأستاذ والباحث بمعهد الدراسات الإفريقية بالرباط، من أجل التعرف عن المكتسبات التي حققها المغرب بعودته للإتحاد الإفريقي وزيارة كولهر للمنطقة، وكذا التحديات الإرهابية التي تهدد سلامة منطقة الساحل بعد بروز عدد من التنظيمات الإرهابية بالمنطقة.
ما مضمون القرار الأممي 653، وماهي المكاسب التي سيحققها المغرب من خلاله ؟
القرار الأممي المذكور كان قد اتخذ من حوالي سنة، أي خلال مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الإفريقي في يونيو من سنة 2017، وهو قرار متكون من 7 فقرات، الفقرات الأولى ترحب بعودة المغرب إلى العائلة الإفريقية وإشكال "الكركرات" الذي خف صراعه، كما تطرقت لمسألة تنصيب هورست كولهر" كمبعوث خاص لأنطونو غوتيريس وتثمين عمل الأمم المتحدة وشرعية مجلس الأمن في اتخاذ القرارات التي يجدها ملائمة لحل النزاع في الصحراء، بالتالي فالقرار الأممي 653 ينص صراحة أن ملف الصحراء بين يدي الأمم المتحدة، وليس الإتحاد الإفريقي.
الفقرة الخامسة من القرار تطرح دور الإتحاد الإفريقي في ملف الصحراء المغربية، على أساس أن الإتحاد يجب أن يساعد بطريقة فعالة في نجاح مسلسل حل النزاع في إطار مجلس الأمن والأمم المتحدة، الفقرات المتبقية من القرار هو الفقرات التي تحمل بعض الملاحظات، بحكم تطرقها لما يسمى بلجنة "رؤساء الدول" خلقت سنة 1978، تتكون من 5 دول لحل النزاع، دام عملها بضع سنوات إلى غاية 1983، لم تعطي أكلها لأسباب مؤسساتية، واختلاف تصورات ووجهات نظر هاته اللجنة وطبيعة "الميكانيزمان"، التي يجب الأخذ به في التعامل مع المغرب وجبة البوليزاريو الانفصالية.
وبالعودة للسياق الأساسي، فعودة المغرب للإتحاد الإفريقي سنة يناير من سنة 2017، تلاه إجتماع مهم في شهر مارس حول قضية الصحراء، ارتبط باجتماعات سابقة عقدت سنة 2015، عندما كان "زوما" رئيس المفوضية الإتحاد الإفريقي، إجتماع مارس تبنى نفس هندسة إعلانات مجلس السلم والأمن، حيث تم التنصيص دائما على لجنة "رؤساء الدول" وهو معطى مهم إذا ما تم ربطه بالقرار الأممي 653.
فاكي مهمات رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، سلم خلال قمة الإتحاد الإفريقي السابقة بنواكشط، تقرارا شاملا، أعطى ثلاث اقتراحات على شكل صيغ، أولها ولتدعيم عمل الإتحاد الإفريقي يجب خلق لجنة رفيعة المستوى، أو إعطاء صلاحيات أكبر لـ "الترويكا" أي الرئيس الحالي للإتحاد الإفريقي والسابق، والرئيس المقبل عبد الفتاح السيسي بالإضافة إلى رئيس مفوضية الإتحاد فاكي مهمات، من أجل ارساء آلية لتدعيم مسار الحل السلمي في إطار الأمم المتحدة، وهو طرح تم تبنيه في قمة نواكشط، وهو مثابة نصر للمغرب بعد إلغاء لجنة "رؤساء الدول"، ليبقى السؤال هل ستنتقل مستقبلا صلاحيات مجلس الأمن والسلم، إلى "مجلس "الترويكا" في ظل دينامية هذا الجهاز الذي يتعاقب رؤسائه؟
ماذا استفاد المغرب بعد حوالي سنة ونصف من عودته للإتحاد الإفريقي؟
المغرب استفاد كثيرا من عودته لعائلته الإفريقية، ففي ظرف سنة ونصف خلق توازنا كبيرا، فمنذ شهر مارس 2018 إلى غاية قمة نواكشط وتقرير فاكي مهمات، تم التشاور مع المغرب من أجل صياغة التقرير، كعضو بالإتحاد الإفريقي بالإضافة إلى مشاورات مع الجبهة والجزائر ومورتانية، حيث أصبح للجيران دور مباشر في الملف وطرف في الإشكال، وهي أمور لم تكن مطروحة في السابق، فالمغرب أصبح يشتغل من داخل المؤسسة الإفريقية وهو مؤشر جد مهم، من خلال استغلال شبكة أصدقائه وفتح قنوات حوار مع الأعداء، والحضور الفعال بالإتحاد الإفريقي سواء على صعيد المؤتمر أو المفوضية، حيث تم تعيين المغرب كعضو في مجلس السلم والأمن والذي يلعب أدوارا حساسة نظرا للدور الذي يلعبه من خلال البث في نزاعات الإتحاد الإفريقي من خلال ما يسمى عمليات حفظ السلام، والعمل السياسي، والمشاورات مع الدول، وهو مكسب مهم للمغرب بعودته لموقعه الطبيعي داخل الإتحاد الإفريقي.
ما هي أهم النقاط التي حمتها زيارة "هورست كولهر" للأقاليم الجنوبية للمغرب ؟
أهم ما حملته زيارة كولهر للأقاليم الجنوبية، هو دفعه نحو المشاورات مع مختلفة الأطراف، وهي الاستراتيجية التي تنبني عليها مسألة جلب المعلومة من جميع الأطرف المشكلة لملف الصحراء، ليقوم فيما بعد بتحليل المعلومات المستخلصة من زيارته، من أجل الخروج بإطار أساس سيتم اعتماده فيما بعد لحل النزاع المفتعل بالصحراء المغربية.
أما الجديد الذي حملته جولة المبعوث الأممي، هو لقاؤه بممثلي الساكنة الصحراوية بالأقاليم الجنويبة للمملكة سواء بالسمارة أو كليم أو الداخلة، كما التقى بعدد من ممثلي الجمعيات الحقوقية بالأقاليم، وهي مؤشرات غاية في الأهمية، فالمبعوث الأممي الجديد أصبح يشتغل على قضية حقوق الإنسان، دون إلغاء الفاعل المغربي المهتم بهذا الحقل الحقوقي في المناطق الجنوبية للمملكة.
المبعوث الأممي "هورست كولهر"، كان قد قام خلال السنة الأولى من توليه لهاته المسؤولية، بتحضير الإطار الذي من شأنه أن ينجح عمليته الأممية، حيث شرع بالفعل من خلال جولته الأخيرة في توجيه عمله وسم أهم معالم مهمته بهذه المنطقة المغربية.
بالإضافة إلى ذلك فزيارة هورست كوهلر، للمغرب، في إطار جولته الإقليمية الثانية، مع انعقاد القمة 31 للإتحاد الإفريقي بموريتانيا، وهو أمر لم يأت بمحض الصدفة.
ما المقصود بتنظيم "أكمي" وماهي الجنسيات المشكلة له ؟
هو تنظيم القاعدة بالغرب الإسلامي، وهو تنظيم ظهر بداية الألفية الثالثة بمنطقة الساحل، على أساس الحرب ضد الجماعات الإسلامية في الجزائر، والحرب الأهلية التي انتهت سنة 1999، حيث نزحت سرايا وكتائب تنظيم القاعدة بالجزائر نحو منطقة الساحل، لكن النواة الأساسية لأمير"دروك ديل" ظلت بالجزائر.
العامل الأساسي الذي أكسب "أكمي" قوتها الحالية هو سقوط نظام العقيد معمر القذافي بليبيا، والذي أدى إلى نزوح عدد كبير من الطوارق والعودة لشمال مالي، تزامنا مع حركة "الأزاواد" مخلفة بدورها انهيار دولة مالي، وهي أزمات أعطت دفعة جديدة للمجموعات الجهادية، المعطى المهم هنا أن "أكمي" شهدت بدورها صراعات حادة داخلية، أدت في الفترة ما بين 2011-2012 إلى انشقاقات كان أولها انشقاق "الموقعون بالدم " أو ما يطلق عليهم إسم "المرابطون"، تم حركة التوحيد والقتال "الميجاو" التي ينتمي أغلب أعضائها لأصول عربية أوموريتانية التابعة لمنطقة "تومبوكتو" أو عرب مالي، بما معناه أن الصراع كان بين قيادات جزائرية وأخرى محلية، وهو التحول العميق الذي شهده تنظيم "أكمي"، والذي تفرع إلى مجموعات، دفعها إلى التكتل سنة 2015 في تجمعات وتشكيل كتلة موحدة، وهو ما مهد لبروز جماعة الإسلام والمسلمين على التي يقودها "إياد غالي".
في ظل الخطر الإرهابي المحدق بالمنطقة ما هي المقاربات والإستراتيجيات التي يجب على المغرب اتباعها للتصدي لهذا الخطر؟
أولا يجب تثمين، كل المجهودات التي تبذلها السلطات الأمنية المغربية داخليا، في مكافحة الخطر الإرهابي، منذ أحداث 2003 بالدارالبيضاء، فالمؤسسة السجنية والعدالة المغربية تمرستا على مواجهة ملف محاربة الإرهاب، من خلال وضع استراتيجية واضحة المعالم، وتطويرها المستمر لآليات التتبع والمراقبة.
بالمقابل يجب التشديد على ضرورة التعاون التام للمملكة مع الاتحاد الإفريقي و مجموعة الـ 5 لدول الساحل، في استراتيجيتها الخارجية في للتصدي للخطر الإرهابي الخارجي، خصوصا بمنطقة شمال افريقيا والمغرب العربي، من خلال مستويات عمل مختلفة، أولها العمل الميداني المنبني على التعاون الأمني مع دول الساحل في الشق المتعلق باللوجيستيك، والتكوين وتبادل الخبرات والمعلومات، وغيرها.
فالمقاربة الأمنية للملف، لايمكن فصلها عن ما هو اجتماعي، فمنطقة الساحل أصبحت بؤرة للجريمة المنظمة، والهجرة الغير النظامية المرتبطين بالبعد الأمني والجماعات الجهادية، مرتبطة فيما بينها بشبكة من المصالح، وهي كلها عوامل تهدد الأمن بالمغرب وشمال إفريقيا، وبالتالي وجب على المغرب الاشتغال على هذا الثالوث المهدد استقرار المنطقة.
ما هي المناطق الحدودية التي يمكن للحركات الإرهابية التسلل من خلالها إلى المغرب؟
الحدود الشرقية المغربية هي حدود محمية تقنيا وعسكريا، من وجدة والسعيدية إلى الأقاليم الجنوبية للمغرب التي تشهد امتداد الجدار الأمني، الصعب الاختراق، مشيرا أن الإشكال الأمني، واستنادا لدراسة قام بها المعهد مع عدد من المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء القادمين إلى المغرب بالطرقتين النظامية والغير النظامية، يطرح بحدة بالجانب الحدودي الشرقي خصوصا مدينة وجدة ، من مهاجري دول الكونغو الكوت ديفوار ونيجيريا، نحو النيجر ومالي، في اتجاه الشمال الجزائري، وبالتالي ولوج التراب المغربي، بالإضافة إلى المنفذ الموريتاني في اتجاه بوابة "الكاركارات" والمناطق المجاورة لها، وهما مساران يمكن أن يشكلا خطرا على المغرب بسبب عدم توفرهما على حقول ألغام وغيرها، خلافا للمناطق الحدودية الأخرى.
المغرب يتوفر على إمكانات أمنية مهمة، تمكنه من بلورة سياسية أمنية متكاملة بمنطقة الساحل، تشمل الجانب الإنساني التي طورها من خلال مؤسسته العسكرية المبنية على المستشفيات المتنقلة، وتقديم المساعدات الإنسانية، في انتظار تقوية الجانب المدني لآلياته من أجل المساعدة في محاصرة المخاطر القادمة من دول الساحل، لإكتمال التعاون العسكري المدني المغربيين بغرض تحصين أمن المغرب والمغاربة من أخطار الإرهاب.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00