حاوره موسى متروف
فرادة شخص إبراهيم الحسين موسى لا تكمن فقط في كونه أول طبيب صحراوي يتخرج من الجامعات الإسبانية، بل لكونه ولج الدبلوماسية قنصلا سنة 1985، واستمر في السلك الدبلوماسي سفيرا حتى سنة 2016، وساهم في سحب 15 دولة من أمريكا اللاتينية اعترافها بالجمهورية الوهمية لجبهة البوليساريو. مسار طويل مع قضية الصحراء يحكيه، لـ"مواطن"، السفير الدكتور إبراهيم موسى، المولود في الداخلة قبل 67 عاما، والذي درس الثانوي في لاس بالماس، قبل أن يحصل على دكتوراه في الطب في العاصمة الإسبانية مدريد...
بعد أن سرد، في ثلاث حلقات من هذا الحوار، العديد من الأحداث التي طبعت قضية الصحراء خصوصا منذ منتصف السبعينات، وكما عاشها من الداخل، يتحدث الدكتور إبراهيم موسى في هذه الحلقة الأخيرة عن بعض أعطاب الدبلوماسية المغربية وأهم الخصائص التي يجب أن يتصف بها السفير، وعلى الخصوص الذي يمثل الملك محمد السادس في أمريكا اللاتينية، انطلاقا من تجربته الشخصية...
ما أهم المشاكل التي عانت منها قضية الصحراء على المستوى الدبلوماسي؟
كنا نكلف أشخاصا لا يفهمون عقلية البلاد التي تم تعيينهم فيها. فعندما يصل سفير سيدنا إلى أمريكا الجنوبية ويتحدث إليهم بالإسبانية يحصل على 50 في المائة منهم. كيف نجح البوليساريو؟ يقولون إنهم "الدولة الوحيدة الإفريقية والمسلمة المستعمرة من طرف الإسبان، والدولة الوحيدة التي لغتها الثانية بعد الحسانية هي الإسبانية ونحن مكوَّنون باللغة الإسبانية" وهذه الرسالة مرت وقُبلت، وتم الاعتراف بـ"جمهوريتهم" الوهمية، ولكن عندما جاء سفير سيدنا إلى المنطقة وتكلم بنفس اللغة وقدم لهم حججا أقوى فهموا أن ما كان يُقدَّم لهم مزور...
وماهي مواصفات السفير في مثل هذه المناطق؟
أولا يجب أن يعرف تاريخ الصحراء ويتكلم باللسان الإسباني. لا يقبل أن يتحدث السفير المغربي بالفرنسية في حين يكون السفير الجزائري مرفوقا دائما بعنصر من البوليساريو.
وكيف تستشرف العلاقات مع كوبا بعد الانفراج الأخير؟
سيدنا سيفتح سفارة هناك. وأنا كنت قد زرت كوبا مرارا وطلبوا مني أن نفتح العلاقات الدبلوماسية ونرى بعد ذلك، وأظن أنها ستعود إلى جادة الصواب.
وماذا عن فنزويلا وهذا العداء للمغرب؟
فنزويلا غارقة في المشاكل، فهي كانت تنتج 3 ملايين برميل من البترول يوميا واليوم لا تصل إلى 300 ألف برميل، والجزائر تعوض لها الفارق الذي تتطلبه العقود مع شركائها وبثمن بخس. فلننتظر رحيل مادورو وبلا شك سيخلفه من سيحسن علاقاته بالمغرب لأن سمعته طيبة في فنزويلا. ولكن في المنطقة كلها لا يجب أن نقول بأننا نجحنا ونتوقف بل علينا أن نستمر مع هذه الدول في التعاون جنوب- جنوب لأننا نتوفر على خبرة في الفلاحة والصيد البحري والتجارة والسكن الاجتماعي والبنيات التحتية وفي عالم المالية والأبناك، ويمكننا أن نساعدها في هذه المجالات.
تعني نفس طريقة التعاون التي ينهجها المغرب في إفريقيا؟
نعم، ونحن لدينا 13 مليون مغربي يتحدثون الإسبانية وقريبون من إسبانيا، ولدينا سمعة جيدة، كل هذا نتميز به عن الجزائر بكل ما لها من بترودولار. لقد رأيت وأنا أكافح منذ 42 سنة من أجل قضية الصحراء، حتى صرت خزانا للمعلومات في الموضوع، أعتبر أن حججنا "قتلت" حجج البوليساريو والجزائر.
كيف تنظر إلى مستجدات القضية مع أزمة الگرگارات وما تلاها من قرار لمجلس الأمن؟
الصراع على الصحراء منذ 1975 هو مصطنع، خلقته الجزائر بشكل تام، وبمساهمة السلطات الاستعمارية حينذاك. البوليساريو لم يكن له وجود. أين كان عندما طالب المغرب بوحدته الترابية؟ جيش التحرير كان قد حرر الصحراء ولم تبق غير المدن حتى تحالفت عليه إسبانيا وفرنسا في عملية "إيكوفيون" (المكنسة) المعروفة. زعماء الصحراء كلهم في المغرب والقبائل كلها مع المغرب، ولا يوجد هناك شعب صحراوي، بل إن الصحراويين هم امتداد للشعب المغربي. وعندما طرحت قضية الصحراء مع إسبانيا كانت هذه الأخيرة تعتبر أن الصحراء كانت أرض "سيبة" وهو ما جعل الراحل الحسن الثاني يلجأ إلى محكمة لاهاي الدولية، والتي حكمت بأن الصحراء لم تكن أرضا خلاء وكان سكانها يرتبطون مع ملوك بالمغرب بروابط البيعة والبيعة عندنا، في بلاد الإسلام، رمز من رموز السيادة، ولكن القاضي الأوروبي لا يجد ترجمة لها. وتقرير المصير يكون للشعوب التي لا أصل لها، أما الصحراء فترتبط بوطنها الأم. والمثير أنه في الأطروحة الإسبانية الدين الإسلامي في المغرب يختلف عن الدين في الصحراء، وكانوا يقولون إن المغاربة يتوضأون فيما يتيمم الصحراويون! وهذا دليل آخر على ضعف هذه الأطروحات. والحمد لله كانت المسيرة الخضراء "نور" الدبلوماسية التي انطلقت منذ 1975، والتي كانت حلا سياسيا دون إراقة دماء.. لهذا يجب أن تكون الدبلوماسية مناضلة، من السفير حتى البواب، كما يجب أن تتصف بالدينامية، لأنها يجب أن تتحرك في اتجاه الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة، والمجتمع المدني والصحافة. كما على السفير أن يكون في الدولة التي يعرف تاريخها ولغتها والحمد لله سنصل إلى كل هذه الأشياء. في الماضي كنت ألاحظ أن دبلوماسيي أعدائنا كانوا أقوى منا أما اليوم فقد تغيرت الصورة.
وهل أنت مستعد لمواصلة نضالك من أجل الصحراء؟
طبعا وأنا لا أريد أن أرتاح وأنا بلغت سيدنا والحكومة بهذا. وأنا بدأت هذا منذ 41 سنة تقريبا وأريد أن أشهد نهايته، وستنتهي هذه القضية إن شاء الله. وأنا لا أسمح لنفسي بهذه المعرفة والنضال أن ألزم بيتي وهذا فيه فائدة أيضا للأجيال الجديدة ليجدوا مساندة. وإن كان علي أن أبدأ من جديد سأعود بنفس النضال ونفس الثقة في بلدي وملكي...
ولكن ما تقييمك لعمل الدبلوماسيين الصحراويين الذين لم ينجح بعضهم في مهامه؟
لا أقول إن الصحراوي يجب أن ينجح، بل مفروض على الدبلوماسية المغربية أن تنجح. أولا يجب أن ننظر في "بروفيل" شخص الدبلوماسي وثانيا في الإمكانيات التي يجب أن تمنح له. يمكن أن تتوفر في الشروط كلها لكن ماذا عساي أن أفعل إذا لم تمنحني الإمكانيات للعمل؟ المهم يجب أن يضبط الدبلوماسي المغربي ملفاته ويكون الرجل المناسب للدولة التي يعين فيها، فضلا عن الإمكانيات، وهذه هي مفاتيح النجاح الثلاثة، وطبعا لا ننسى أن يكون تكوينه جيدا وهذا بديهي. والحمد لله كانت هذه فقط ميزات الدبلوماسيين التابعين للدول المعادية لنا أما الآن فقد تغيرت الأمور، سواء كان صحراويا أو من الداخل. لكن الدبلوماسي الصحراوي عاش المشكل وعندنا سفراء كانوا حتى في البوليساريو. وطبعا قد تقول بعض الدول إن المغرب بعث إلى من كانوا "مرتزقة"، وبعض هذه الدول كانت تعترف بالبوليساريو وتعرف أن هؤلاء مغاربة، وسيأتي يوم على الجزائر تندم فيه على ما زرعته في قلوب مغاربة، هم أصلا مغاربة قبل أن يميلوا إلى الجزائر.
وعلى ذكر مسألة القلوب هذه، كان الراحل الحسن الثاني قد تحدث عن تحرير الأرض في الصحراء دون القلوب..
الحسن الثاني كان حكيما وكان يعرف الصحراويين حق المعرفة. يجب أن نفهم أن الصحراوي يمكن أن يريد المشاركة في خيرات بلاده، وهذا من حقه. يريد أن يشارك في التسيير الإداري وهذا من حقه، يريد أن يشارك في الوظائف وهذا من حقه، ويحافظ على كرامته... والصحراء كانت تحت الاستعمار الإسباني الذي كان فقيرا ولم ينجز شيئا يذكر في المنطقة، ولكنه كان قوة استعمارية أبوية، تركت الصحراوي على حاله وإن كانت هناك وظيفة صغيرة تمنحها له... ولكن اليوم الصحراوي يسعى إلى المشاركة في ما ذكرت بصفة عادية بدون تمييز في إطار المساواة وتكافؤ الفرص وتوازن اجتماعي. اليوم هناك صحراويون كانوا أغنياء وصاروا فقراء وهناك فقراء أصبحوا أغنياء. بعض من صاروا فقراء كانوا أغنياء وناضلوا من أجل الصحراء ويقولون إنهم لم يستفيدوا شيئا وتم منح آخرين جاؤوا من البوليساريو امتيازات، ويتساءلون: هل كان علينا أن نذهب إلى البوليساريو حتى نستفيد فيما بعد؟ وأنا لا أظن أن هناك نقص في إرادة الدولة ولكن في فهم عقلية السكان لهذا قال المرحوم الحسن الثاني "وصلنا للأرض ولم نصل للقلوب". ولكن الآن كل الأمراض تم إيجاد الدواء لها.
إذن لا مستقبل للانفصاليين...
كم عندنا؟ واحد أو اثنان بدون تأثير. حتى رئيسهم إبراهيم غالي أو غيره لو جاؤوا إلى الصحراء لما كانت لهم قيمة وهم غير معروفين. الحقيقة أن الصحراوي مغربي، والذين أخطأوا مع الجزائر هم في الجزائر.
هناك الآن حديث عن إحصاء سكان المخيمات...
القرار الأخير لمجلس الأمن هو في صالح القانون الدولي وفي صالح الحقيقة التاريخية والاجتماعية وفي صالح المغرب. أولا يقول إن مبادرة المغرب للحكم الذاتي واقعية وذات مصداقية، وثانيا وجوب تعاون الدول المجاورة في إيجاد حل سياسي، وثالثا وجوب إحصاء ساكنة مخيمات تندوف. نحن لا نعرفهم. إذا كانوا قد ولدوا في الجزائر ولهم حق الأرض يجب أن يكونوا جزائريين، هل لديهم حالة مدنية مقبولة دوليا، ومن يضمن أنهم صحراويون؟ ليست هناك وثائق ذات مصداقية تثبت أنهم صحراويين. من يعرفونهم يقولون إن 20 في المائة فقط منهم هم صحراويون، لكن أكثرية السكان الذين يقول البوليساريو أنهم يزيدون عن 200 ألف حتى يستفيد من الزيادة في المساعدات ليسوا صحراويين. والغريب أن من جاؤوا من الداخل أو ولدوا في الصحراء يسميهم البوليساريو "مستعمرين" والذين ولدوا في الجزائر صحراويين! هذا تناقض واضح. أول من طلب الإحصاء هو المغرب في الستينات، لأن إسبانيا كانت تقدر عدد الصحراويين بين 10 و15 ألفا فيما يذهب المغرب إلى أن العدد أكبر. وكان الإحصاء الإسباني الذي لا مصداقية له. وفي 1981 طلبنا الاستفتاء، ووضع الأمين العام للأمم المتحدة بيريز دي كويلار خمسة مقاييس للإحصاء الجديد المكمّل للإحصاء الإسباني: أولا، أن يكون اسم المعني واردا في الإحصاء الإسباني، وثانيا، أن يتحدر الشخص من شخص مسجل في الإحصاء الإسباني، وثالثا، أن ينتمي لنفس القبيلة، ورابعا، أن يقيم في الصحراء لست سنوات متصلة، وخامسا، أن يقيم 12 سنة غير متصلة في الصحراء. والمشكل أن الصحراويين كانوا رحلا يصعدون من الحدود الموريتانية إلى واد نون ومراكش، ولم تكن هناك حدود لا طبيعية ولا إدارية ولا إثنية ولا دينية ولا ولا، فأين هي مكونات هذه "الدولة" الصحراوية؟! وحتى بعد "إيكوفيون" انتقل العديد من الصحراويين إلى الشمال، بمن فيهم آباء مسيرين للبوليساريو، فمصطفى السيد ومحمد عبد عزيز لم يعيشا تحت الاحتلال الإسباني ومحمد خداد ممثلهم في الأمم المتحدة ولد في موريتانيا... وكما نقول في الصحراء "بغاو يفصلوا الحوار (ابن الناقة) مع امّو" وهذا هو الحال في الجزائر، وندائي للصحراويين في الجزائر أن يعودوا إلى بلادهم ويساهموا في الحكم الذاتي وفي التنمية وأسهل شيء هو الخطأ ونحن مستعدون لمساعدتهم على تجاوز ما وقع من الخطأ مع الجزائر، لأن ذلك كان "جريمة احتيال القرن العشرين" كما ذهب إلى ذلك الراحل الحسن الثاني.
وهل ستتعاون الجزائر وموريتانيا في القريب؟
دول الجوار تستفيد من الوضع القائم، وذلك لمنفعة واضحة فيه، فهو كالبقرة الحلوب، لتبقى الضحية، كما قلت، هو المغرب...
اقرأ أيضا: السفير إبراهيم موسى: هذا ما جرى بيننا وبين فرانكو وخوان كارلوس حول الصحراء (الحلقة 1)
السفير إبراهيم موسى: حينما طلب مني الحسن الثاني قبول أي منصب في "دولة" الصحراء! (الحلقة 2)
إبراهيم موسى: من المشاركة في "كوموندو" إلى سفير في مناطق حسّاسة! (الحلقة 3)
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
10 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 11:00