بعد مرور أزيد من سنة على حكومة سعد الدين العثماني، عرضت الحكومة حصيلتها الأولية وسط انتقادات لاذعة من طرف المتابعين للشأن السياسي، لاستعراضها "إنجازاتها" في سياق وطني يتسم بأشكال مختلفة من الاحتجاجات. الانتقادات الموجهة لحكومة العثماني لم تقتصر على معارضيها فقط، بل امتدت الى صفوف أعضاء حزب العدالة والتنمية، الذي يحاول تجاوز خلافاته بعد إزاحة عبد الإله بنكيران من قيادته. "مواطن" استطلع آراء مجموعة من المحللين السياسيين حول تأثيرات الأداء الحكومي لوزراء حزب "المصباح" على الحزب الذي تصدر الانتخابات التشريعية لمرتين متتاليتين.
شيات: الأحزاب السياسية هي من تختار نهاياتها!
خالد شيات، الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، أكد في تصريحاته ل"مواطن" على أن الكلام عن حصيلة في المنظومة السياسية في المغرب غير ممكن في سنة واحدة، لاعتبارات كثيرة منها عدم توفر الآليات اللازمة لقياس نجاعة السياسات الاقتصادية والثقافية نظرا لطبيعة المهام المنوطة اصلا للحكومة، ما يجعل من الأجدر حسب المتحدث التطرق إلى برامج وليس حصيلة.
واعتبر الأستاذ الجامعي أن المواطن ما يزال متذمرا من السياسات العامة التي تقوم بها الحكومة، بالرغم من أن تمرير سياسات أكثر قساوة بالنسبة لحكومة بنكيران على المستوى الاجتماعي، لكن ربما كان هناك تدبير أفضل وقتها على المستوى التواصل، في الوقت الذي يغيب فيه التواصل بين الحكومة الحالية والمواطن، يوضح المتحدث.
ويرى شيات أن المغرب يعيش على المستوى السياسية مرحلة فيها كثير من الضبابية، ف"الافق غير واضح لا على مستوى طبيعة التحالفات أو المنظومة الحزبية، ولا في طبيعة التواصل وغيرها من الاشياء على المستوى النظري، في ما على المستوى العملي يمكن أن هناك ما تم تطبيقه في البرنامج الحكومي، لكن تبقى اجراءات عادية وليست تدابير كبيرة في مستوى المسار الذي يبدو صعبا على المستوى الاقتصادي، ما يجعل الحكومة تقتصر على التدبير اليومي في غياب تدبير استراتيجي بعيد المدى، وليست هناك رؤية كبيرة تقوم على اعادة هيكلة قطاعات معينة أو اعادة ترتيب السياسة الفلاحية في المغرب او السياسات الطاقية او البنية التحتية".
هذا الأداء الحكومي "الضعيف" تزامن حزب المتحدث مع "خرجات لم تكن ناجحة لرئيس الحكومةعلى المستوى التواصلي، واعطت انطباعا بان هناك شرحا بين الرؤية الاصلية للحزب القائمة على محاربة الفساد وبين حقيقة وصول بعض للاشخاص الى مناصب المسؤولية، هذا الامر تكرس على مستوى المخيال المغربي"، وهو ما سيكون له بالضرورة " اثر على حجم الاصوات التي يمكن ان يحصل عليها الحزب، كما ان ذلك لا بد ان يكون اه تأثير على ثقة المواطنين في العملية الانتخابية، حيث يرتقب زيادة نفور المواطنين من العملية الانتخابية".
الأداء الحكومي يلقي بظلاله أيضا على الصفوف الداخلية لحزب العدالة والتنمية، "عمليا لا يبدو ان الخلافات تسير الى مستوى الانقسام او الانشقاق داخل الحزب، لكن هذا لا يعني أن الحزب بخير، فالحزب لديه طبقات معينة مناضلون في الواجهة اعضاء في مستويات متعددة، متعاطفين وناخبين، وعلى هذا المستوى الأخير هناك تراجع كبير"، و" هذا ليس مناسبا للحزب على مستوى المتوسط او البعيد أن يفقد المتعاطفين والناخبين، حتى ولو لم يقع هناك انشقاق داخلي"، يقول شيات.
وعن ما اذا كان "البيجيدي" سيلقى نفس مصير الأحزاب التي وصلت الى تسيير الشأن العام بعد تجربة المعارضة، كحزب الاتحاد الاشتراكي، قال الأستاذ الجامعي إن "الأحزاب في بعض الاحيان هي من تختار هذه النهايات، لا تكون مفروضة عليها، وانا لا الوم هنا النظام السياسي او ما يسمى الدولة العميقة، هذا الكلام كله فراغ في فراغ، اعتقد أن الاحزاب السياسية هي التي تحدد موقعها على المستوى الاجتماعي، كما تحدد موقعها في علاقتها بالسلطة السياسية".
وتابع المتحدث "عدم قدرة حزب العدالة والتنمية على التوازن ما بين التغيير والاصلاح في ظل الاستقرار كما كان يدعي لا بد ان يكون له كلفة، فعلى مستويات التدبير الحكومي لا بد ان يكون هناك سياسات غير مقبولة من الناحية الاجتماعية وعلى مستوى رجال الأعمال، أي هناك دائما تصادم، واعتقد أن الحزب دبر بطريقة سيئة جدا في المرحلة التي تولى فيها العثماني رئاسة الحكومة كل هذه التحديات".
لكن كل هذا لا يعني ان الاحزاب ستموت، يستدرك شيات، كما لا يعني هذا ان حزب الاتحاد الاشتراكي مات، كما لا يعني ان المغرب فقط فيه هذه الاحزاب، "فمن طبيعة الأحزاب السياسية أنها تأفل تغيب وتنتهي اذا لم تعد هناك حاجة اليها من الناحية الاجتماعية والموضوعية والسياسية، لكن يجب ان تكون هناك قدرة على انشاء البدائل المؤسساتية في البلاد"، الأمر الذي يقابله حسب المتحدث "على المستوى الاجتماعي وعي ونقاش ووجود للفكرة السياسية بعمق ربما أكثر مما هو موجود لدى الاحزاب السياسية، اذن ربما المجتمع في كثير من الاحيان تجاوز السياسي واصبح هناك تنظيمات متخيلة وفعالة خصوصا على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي، دليل على ضعف الاحزاب السياسية والنقابات، ولا اعتقد ان أي نظام سياسي سيسعى لقتل الاحزاب والنقابات".
وحول ما اذا كانت عودة الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية للأضواء من شأنها أن تنقذ الحزب قال الأستاذ الجامعي "ما الجدوى من ذلك، بنكيران مستوى تواصلي اكثر من هو برامج سياسية، في حقيقة الامر انه كلما كانت هناك الحاجة، وهذه الحاجة تحددها عدة عوامل، فليس الحزب السياسي وحده من سيحسم في عودة بنكيران وقدرته على العودة، لأن هناك معطيات أخرى وفاعلون واكراهات اخرى قد تكون غير مناسبة لعودة بنكيران الى الواجهة، لكن كل عوامل ابعاد بنكيران ما تزال مستمرة، لا أرى بأن بنكيران يجب ان يعود ولا هو ان عاد سيكون له تاثير على طبيعة المشهد السياسي المغربي أو حتى على طبيعة التركيبة داخل حزب البيجيدي، لأن الظاهرة استنفذت زمنها، وبالتالي يجب التفكير جديا في المؤسسات وفي طبيعة المؤسسات بدل التفكير في الاشخاص والاسماء"، يؤكد شيات.
شقير: تراجع صورة "البيجيدي" لدى المغاربة زاد مع حكومة العثماني
ويرى محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، أن دخول البيجيدي للحكومة لا في عهد بنكيران ولا في عهد العثماني أثر بشكل كبير على شعبية الحزب ونظرة المغاربة له، وهو الأمر الذي زاد مع سعد الدين العثماني نظرا لاختلاف شخصيته عن شخصية سلفه بنكيران، وأكيد أن هذا الأمر سيظهر على المستوى الانتخابي في حال اجراء انتخابات قريبا، وفق المحلل السياسي.
وأرجع المتحدث ضعف الحكومة إلى تكوينها، فهذه الحكومة "افتقدت الشرعية منذ البداية بإزاحة شخص يتمتع ب"الشرعية" الانتخابية وتعويضه بشخص آخر"، في ما المسألة الثانية تتمثل في "عدم انسجام مكونات حكومة العثماني، فالتجاذبات خاصة بين البيجيدي والتجمع الوطني للأحرار أظهرتها المقاطعة بشكل كبير، اذ كانت اتهامات مباشرة بين الطرفين حول هذا الموضوع، الأمر الذي زاد من عدم الانسجام الحكومي وعدم الثقة بين هذين المكونين"، الأمر الذي ينضاف حسب المحلل السياسي إلى "الارتباك في التعامل مع المقاطعة، الشيء الذي جعل الحكومة تبدو ضعيفة أمام التحديات، فباستثناء الاجتماعات الاسبوعية فالحكومة لم تتخذ ولو قرارا يعالج التحديات والاحتجاجات التي تعرفها المملكة ما أظهرها كأنها لا تتحكم في زمام الأمور".
واعتبر المحلل السياسي أن أهم أثر لأداء "البيجيدي" داخل الحكومة ظهر على مستوى الصفوف الداخلية للحزب، حيث تأججت خلافات، لم تصل بعد إلى مرحلة الانشقاق، لكنه على قدر من الأهمية التي جعلت العثماني يحاول تجاوزها وتقريب وجهات النظر عن طريق الحوار الداخلي.
ولفت المتحدث إلى أن "أهم محرك للحزب وهو عبد الاله بنكيران ركن إلى الصمت، وهذا السلوك اثر حتى على حركية الحزب، فالعديد من المواطنين يعرفون الحزب ويتابعونه من خلال تحركات أمينه العام السابق"، ليخلص إلى أن "ركونه للصمت وعدم المشاركة في مجموعة من انشطة الحزب زاد من تراجع صورة الحزب في نظر المواطنين والرأي العام، وفي نفس الوقت زاد من تأزيم الوضع الداخلي".
واعتبر شقير أن بنكيران كزعيم وسياسي متمرس يلجأ للصمت لإظهار أنه ما يزال شخصية يحتاجها الحقل السياسي في المغرب، وفي نفس الوقت هي طريقة لمجابهة العثماني بطريقة منظمة، "على أساس أنه إذا تم تعيينه بعد اقالته لا يعني أنه متمكن ومتحكم في الحزب، فالملحوظ أن أنصار بنكيران ما يزالون متواجدين في أهم الاجهزة القيادية داخل الحزب، الأمر الذي يطرح احتمال أن بنكيران ينتظر الساعة أو الوقت المناسب للرجوع بقوة".
مصباح: حزب العدالة والتنمية دخل دورة الانكماش السياسي
من جهته، يؤكد محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، يرى أنه بعد سنة من توليها تسيير الشأن العام هناك عدد من المؤشرات التي تؤكد بأن الحكومة الحالية لم تستطع ان تجيب عن الاسئلة السياسية والاجتماعية الأساسية، لا سيما في ما يتعلق بمجال الحريات والتي طبعت بالتضييق على حرية الرأي والتعبير وهذا يظهر اساسا في محاكمات الريف، وكذا على المستوى الاجتماعي حيث يظهر ايضا ارتفاع وتيرة الاحتجاحات لا سيما على مستوى الهوامش وهنا تم تسجيل ظهور احتجاجات سواء على الماء في زاكورة أو ذات طبيعة اقتصادية، والتي يمكن أن تتحول الى مطالب سياسية.
الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، والمتخصص في علم الاجتماع-السياسي، أكد في السياق ذاته على أن الحكومة عرفت مشاكل على مستوى التواصل مع المواطنين، "وهذا أهم عطب يميز هذه الحكومة عن سابقتها، التي كان رئيسها شخصية تتميز بالبعد التواصلي الفعال، يمكن أنه ليس هناك فرق على مستوى الانجاز لكن على مستوى التواصل والتسويق كان له دور اساسي على مستوى التنشئة السياسية في عهد الحكومة السابقة"، فحسب مصباح التواصل لا يكون هدفه فقط الاخبار، ولكن ايضا تعريف المواطن بحقوقه وتجعله مهتما بشأن العام، وفق ما جاء على لسان المتحدث الذي اعتبر أن "الحكومة الحالية نفرت المواطن من الشأن العام بطريقة تدبيرها للقضايا الأساسية".
ومن ضمن انعكاسات الأداء الحكومي أن "المشاكل الداخلية لحزب العدالة والتنمية طفت إلى السطح، بسبب نقص حماسة قواعد الحزب"، وفق ما جاء على لسان المتخصص في علم الاجتماع-السياسي الذي اضاف " يمكن أن نرى في المستقبل حالة من الانكماش على المدى المتوسط".
وتابع مصباح "حزب العدالة والتنمية دخل مرحلة الانكماش لكن ربما سياخذ وقتا أطول، مقارنة بما كان عليه الأمر مع حزب الاتحاد الاشتراكي"، ويبقى مصير "البيجيدي" حسب المتحدث رهينا بقدرته على تحصين ذاته والتكيف مع تحديات البيئة السياسي، فالحزب يحاول الآن تأخير الدخول في هذه الدورة، والدليل هو الحوار الداخلي الذي تم إطلاقه مؤخرا.
ويرى المتخصص في علم الاجتماع-السياسي أن تجاوز "البيجيدي" لهذه الأوضاع رهين باقناع القيادة لقواعد الحزب بقراراتها و"ايجاد حل لشبح بنكيران، بإيجاد الحزب قيادة جديدة لديها نفس المصداقية"، خصوصا أن "بنكيران يشبه طائر الفينيق، بمعنى انه عندما تعتقد أنه مات يعود للانبعاث من جديد، فالفراغ الذي تركه بنكيران أصبح واضحا، وأصبح هناك طلب داخلي عليه".
العلام: "البيجيدي" معرض لانهيار كبير إذا لم يقم بخطوات لجبر صورته
وذهب عبد الرحيم العلام، استاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض، إلى أن " الاحتجاجات في الشارع المغربي ليست الوحيدة التي ستؤثر على الحزب، بل حتى الاحتجاجات داخل حزب العدالة والتنمية نفسه، فهناك بشكل دائم احتجاجات داخل صفوفه، هناك امين عام سابق غير راضي على تدبير العمل الحكومي في بعض جوانبه، وحتى على التحالفات داخل الحكومية".
هذا يعطي ايضا صورة انقسام، يضيف العلام، "ففي الوقت الذي كان حزب العدالة والتنمية يسوق الجانب الديمقراطي فيه وأيضا كان يسوق جانب الوحدة، وأنه ليس هناك صراعات على المصالح وليست هناك خلافات حادة، هذه الصورة كانت تقوي من شعبيته، اذن ما يعانيه الآن هو كفيل بالتأثير على شعبيته"، وهو ما ينضاف إلى "ما يجنيه الحزب نتيجة مجموعة من مشاكل التسيير والتدبير الحكومي خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع قضايا الاحتجاجات حراك الريف، جرادة، احتجاجات زاگورة، المقاطعة، و سقطات بعض الوزراء، هذا كله من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على شعبية الحزب".
في المقابل أكد الأستاذ الجامعي "لحد الساعة ليست لدينا انتخابات لقياس الشعبية من عدمها، لكن في حدود اللحظة اذا اجريت انتخابات في غضون ستة اشهر فم المتوقع أن حزب العدالة والتنمية سيتراجع فيها، اما اذا تجاوزت هذا السقف الزمني، لا يمكن ان نتحدث عن تراجع، لأن الرأي العام متحول، ويمكن ان يكون مع هذا الحزب اليوم وغدا مع حزب آخر"، لكن هذا لا ينفي سب الأستاذ الجامعي وجود مؤشرات على تراجع شعبية الحزب، اذا "لم يتم جبرها خلال المدة القادمة أتوقع انهيارا كبيرا في صورة الحزب وشعبيته".
جبر هذه الصورة يمكن أن يتم عبر عدة اجراءات، يضيف العلام "في علم الاقتصاد السياسي نقول أن الحكومات تتخذ القرارات الأقل شعبية في بداياتها من أجل تدارك الامر في السنوات الاخرى لان الناس عندما تكون ايجابية ينسون السلبي، والحكومة وضمنها العدالة والتنمية اليوم بامكانه أن يقوم بهذا الأمر، بالإضافة إلى أن يأخذ موقفا غير متماهي مع سياسة القمع الموجودة،في الموضوع المتعلق بالاحتجاجات"، حسب توضيحات المتحدث الذي أضاف "اذا قام الحزب بخطوات ايجابية من قبيل دعم مقترح العفو العام على المعتقلين فالأكيد أنه سيحسن من صورته، خاصة اذا سار بشكل كبير في موضوع مقترح العفو العام على المعتقلين".
وعلى المستوى الاقتصادي، يمكن للبيجيدي أن يحسن صورته في الحكومة، باتخاذ اجراءات تهم تحسين الوضع الاقتصادي وزيادة فرص الشغل والحد من غلاء الاسعار، وتوزيع الدعم على المحتاجين الذي وعد به بنكيران، تحويل عائدات صندوق المقاصة الى الذين يحتاجونها، وتقديم منح طلابية اضافية، "كل هذه الأمور اذا ما استطاعت الحكومة وداخلها البيجيدي القيام بها فيمكن أن الصورة تتحسن على الاقل داخل صفوف المنخرطين في العملية السياسية، أما الذين لا ينخرطون فيها لا اتوقع ان البيجيدي سيقنعهم بأي شيء".
كما يرى العلام أن من الامور التي يمكن ان تعيد للبيجيدي وهجه عودة بنكيران قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، قبل أن يستدرك "لكن سواء عاد أو لم يعد، أي انتعاش مرتبط بالاجراءات التي تقوم بها للحكومة خلال السنوات المقبلة، فبدون تطويرها سواء عاد بنكيران أم لم يعد الحزب ستكون صورته تضررت وكذا صورة باقي الاحزاب الاخرى"، يقول الأستاذ الجامعي.
02 avril 2024 - 10:00
20 décembre 2023 - 20:00
21 décembre 2024 - 10:00
19 décembre 2024 - 11:00