عزيز بوستة
تشهد الساحة السياسية المغربية صراعًا حامي الوطيس بين زعيمين حزبيين كانا شركاء في إدارة الحكومة لمدة ثماني سنوات، في تجربة لم تخلُ من الخلافات والمواجهات السياسية. الزعيم الأول، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (PJD) ورئيس الحكومة السابق، يتميز بكثرة حديثه وقدرته على الإقناع، لكنه لا يزال يواجه صعوبة في تجاوز خسارته السياسية. أما الثاني، فهو رئيس الحكومة الحالي وزعيم حزب التجمع الوطني للأحرار (RNI)، الذي يبدو مرتاحًا في موقعه رغم قلة تصريحاته التي غالبًا ما تشوبها أخطاء تعبيرية.
لكن يبدو هذه المرة أن المسألة تكتسي طابع الجدية، إذ تتعلق بمشروع بناء وتركيب وتشغيل محطة تحلية المياه في الدار البيضاء. وهو المشروع الذي يهدف إلى إنتاج مئات الملايين من الأمتار المكعبة من المياه سنويًا، باستثمارات تقدر بمليارات الدراهم. يشارك في هذا المشروع مستثمر كبير في عالم المال والأعمال مثل عثمان بنجلون، أحد الرواد العالميين في مجال تحلية المياه، إضافة إلى شركة "أفريقيا غاز"، التي يرتبط اسمها بشكل وثيق برئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش.
ورغم أن أخنوش تخلى عن جميع مناصب الإدارة في الشركة منذ توليه رئاسة الحكومة، وهو ما يُحسب له، إلا أنه ما زال يحتفظ بحصصه كمساهم، وهو أمر قانوني تمامًا. لكن الشائعات تتمتع بقدرة عجيبة على الصمود، فهي تنتشر سريعًا وتتعاظم مثل كرة الثلج عندما لا تجد من يوقفها بالرد.
أما الحقائق، وباختصار شديد لأن الشيطان هنا لم يعد يكمن في التفاصيل بل في جوهر القضية نفسها، فقد شهد الأسبوع الماضي هجومًا من حزب العدالة والتنمية (PJD) الذي اتهم "شركة رئيس الحكومة" بأنها حصلت على معاملة تفضيلية. وفي يوم الاثنين 16 دجنبر، جاء رد عزيز أخنوش، ولكن بأسلوب وصفه البعض بأنه "غير لائق"، يعكس خبرة رجل صناعة معتاد على إصدار الأوامر أكثر من مهارة خوض السجالات الإقناعية. حيث أكد أن الشركة المعنية (وهي شركة "البيضاء لتحلية المياه") لم تتلقَ أي دعم مالي عمومي. ومع ذلك، تحدث محيطه عن "دعم محدد".
أثار هذا الرد موجة غضب داخل أوساط حزب العدالة والتنمية، الذي قدم وثيقة محضر اجتماع لجنة الاستثمارات الوطنية رقم 6، برئاسة الحكومة، والتي تشير إلى أن الدعم المالي قد تم منحه أو سيتم منحه لعدة شركات تعمل في مختلف القطاعات بمناطق متعددة، ومن بينها محطة تحلية المياه وجهة الدار البيضاء-سطات.
في 19 دجنبر، عقد حزب العدالة والتنمية ندوة صحفية برئاسة عبد الإله بنكيران، ومشاركة إدريس الأزمي الإدريسي وعبد الله بوانو، وهما من الشخصيات البارزة والخبيرة بحزب المصباح. حيث تم توجيه اتهامات صريحة لرئيس الحكومة بتضارب المصالح واستغلال النفوذ، مستندين إلى معلومات تفيد بأنه كان على علم مسبق بتخفيض الضريبة على الشركات بدءًا من يناير 2024، مما يفسر إنشاء "شركة تحلية البيضاء" في ذلك التوقيت.
مصدر من رئاسة الحكومة نفى هذه المزاعم، مؤكدًا أن طلب العروض الدولي جرى بشفافية. لكن أخنوش لم يتطرق بعد لتفاصيل الملف رغم وعوده المتكررة بالرد. في البرلمان، رفض الاتهامات بـ"عجرفة"، مما جعل مظهره أقرب إلى مدير تنفيذي يواجه مجلس إدارة غاضبًا، بدلًا من رئيس حكومة في موقف حرج.
الأزمة تضع رئيس الحكومة أمام خيارين: إما أن يثبت براءته ويدفع قادة العدالة والتنمية إلى مواجهة اتهامات بالتشهير، أو يعجز عن ذلك، مما يعزز الاتهامات بتضارب المصالح ويؤدي إلى مطالب باستقالته. يتعين على أخنوش الخروج عن صمته وتوضيح موقفه في أقرب وقت.
يجب أن تتوقف الإهانات المتبادلة بين بنكيران وأخنوش، وعلى القضاء أو المؤسسات الدستورية التدخل لتوضيح الحقيقة، إذ أن هذه الاتهامات الخطيرة بين رئيسي حكومة سابق وحالي تثير القلق.
20 décembre 2024 - 18:10
20 décembre 2024 - 11:00
19 décembre 2024 - 13:00
19 décembre 2024 - 09:10
18 décembre 2024 - 10:00