إسماعيل الطالب علي
"النعناع" مادة أضحت تشكل خطرا على صحة المستهلك، بسبب احتوائها على مبيدات غير مرخصة لزراعة هذه النبتة، أو مبيدات لا تحترم المعايير المسموح بها، بحسب ما كشفت مراسلة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ONSSA، بجهة سوس ماسة.
ضجة النعناع الفاسد التي طفت على السطح أظهرت أن المنتجين يستعملون المبيدات الكيماوية بطريقة عشوائية وبشكل كثير، ما أصبح يشكل خطرا على صحة المستهلك.
على خلفية هذا النقاش الذي تعرفه الساحة الاستهلاكية في الآونة الأخيرة بالنسبة لموضوع استهلاك النعناع، والأضرار المترتبة عنه على صحة المستهلك وما يتضمنه هذا المنتوج من مبيدات سامة، موقع "مواطن"، يحاور عبد المالك بنار، رئيس فيدرالية الجنوب لجمعيات المستهلك بالمغرب، من أجل التعرف على عدد من الأمور التي ترتبط بهذا الموضوع.
مواطن: في البداية، ما تعليقكم على نقاش النعناع "الفاسد"؟
عبد المالك بنار: هذا النقاش هو شارة لوجود حراك مجتمعي يتناول الانشغال اليومي بالتدرج في الأهمية، فكلما كان الموضوع أهم، كلما كان النقاش فيه أكثر، إضافة إلى كونه استمرارا لتفاعل المستهلك مع القضايا الأساسية التي تهم وضعه، كما هو الشأن أثناء مقاطعة بعض المنتوجات مؤخرا.
في اعتقادي، ما يميز هذا النقاش هو توقيته من جهة، ومسطرة تحريك خيوطه من جهة أخرى، ثم الأبعاد والنتائج، فغير خفي أن استهلاك النعناع يرتبط بعادات متأصلة في تاريخ الاستهلاك المغربي، إلى جانب منتوج الشاي، والأكيد أيضا أن استعمال المبيدات مرتبط منذ عهد طويل وليس بجديد بهذا النوع من الإنتاج، بمعنى أن ضمان الإنتاج بالجودة الظاهرة والكمية التي تستجيب لحاجيات السوق لا يمكن أن يتحقق إلا باستعمال المبيدات.
لكن هذه المبيدات، تتوزع بين ما هو مسموح باستعماله في حدود ونسب، وبين ما هو محظور أصلا، لكن أمام ضغط الطلب وجشع بعض المهنيين، أو المتلهفين للحصول على أرباح دون الاكتراث لصحة المواطنين، يعمدون إلى استعمال مبيدات أقل سعرا وأكثر فتكا بالطفيليات وربما في تجاوز إجرامي للمقادير والنسب المسموح بها في معالجة هذه النبتة الشعبية الخاصة.
طيب، بروز مسألة النعناع الفاسد ارتبط معها الضرر الحاصل على صحة المستهلك، فأين قوة ضغط المجتمع المدني الغائبة؟
الذي يمكن القول في هذا الصدد، أن هناك خاصية أخرى في هذا النقاش الذي برز إلى العلن، مرتبطة بأدوار المؤثرين فيه، ورصد وتتبع هذه الظاهرة، لأن ظهور هذا النقاش في حرارته جاء نتيجة تحليلات مختبرية أجرتها السلطات المختصة، في حين أن الأصل في اعتقادي أن تكون قوة ضغط المجتمع المدني هي المحرك للنقاش، ثم يليه تدخل الإدارة للتـأكد من الخلاصات إما عن طريق البلاغات، أو التطمينات سواء أثناء أو بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة، وهو الدور الحقيقي والطبيعي لجمعيات المجتمع المدني.
مهما يكن فالنقاش الحالي، له ما يبرره خاصة إذا عرفنا أن مكانة النعناع إلى جانب الشاي، هو من العادات الاستهلاكية المغربية الأصيلة باعتباره المشروب الشعبي الأول بل والأساسي لدى بعض العائلات، فإذا كان النعناع ملوث والشاي بدوره غير مطابق للمواصفات الغذائية أيضا بسبب المبيدات لنا أن نتصور خطورة الوضع على صحة وسلامة المستهلك.
ارتباطا بذلك، ما الجهة التي يمكن اللجوء إليها عند حصول الضرر لدى المستهلك؟
المغرب يتوفر على ترسانة قانونية هامة، تتجاوز 314 نصا قانونيا وتنظيميا في مجال حماية المستهلك، وأن المأمول أن يكون هناك مدونة للاستهلاك تجمع كل هذه النصوص، إلا أنه بالنسبة لنا كمجتمع مدني نعتز بهذه الترسانة القانونية.
ثم أن المستهلك قد يلجأ إلى المصالح المعنية بحسب الحالات، فهناك أساسا المصالح البيطرية فيما يتعلق بالأضرار التي تلحق بالمستهلك جراء تعرضه للخطورة في مجال استهلاكه للمنتوجات الحيوانية أو ذات الأصل الحيواني، كذلك هناك مصالح معينة تابعة لمكتب السلامة الصحية الذي يتتبع المنتوجات ذات الأصل النباتي كما هو الشأن بالنسبة للنعناع أو الشاي.
أيضا، هناك مصالح أخرى لديها اختصاصات في مجال حماية المستهلك كالأقسام الاقتصادية في الولايات والعمالات ومندوبيات التجارة على امتداد الترابي الوطني، بالإضافة إلى مصالح المكتب الصحي البلدي، ومصالح الصحة وغيرها.
وبالتالي، الأمر يختلف بحسب المنتوج والجهة المختصة والقوانين المعتمدة في إطار المخالفة أو تتبعها أو عرضها على المصالح المعنية.
هل السبب في بروز هذا المشكل غياب المراقبة أم جشع الفلاحين أم ماذا؟
أعتقد أن السبب يكمن في تضافر عنصري غياب المراقبة وتعزيزها بغياب دور جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالاستهلاك، وكذا جشع الفلاحين، فضلا عن عدم اكتراث المستهلك نفسه بأهمية الموضوع.
فبالنسبة للمراقبة الأكيد أنها موجودة لكنها لا ترقى إلى المستوى الذي معها يمكن من مواجهة الخطورة التي قد تلحق صحة وسلامة المستهلكين عند وجود الخلل، وذلك راجع بالأساس إلى من جهة إلى حجم ضغط الطلب على المنتوجات مقابل قلة العناصر البشرة واللوجستيكية الموضوعة رهن إشارة المصالح المعنية.
ولنا أن نتأمل عدد المؤهلين للقيام بعمليات المراقبة في المصالح المعنية، لنتأكد من مدى ضعف العدة العددية رغما كفاءتها العالية أحيانا.
أما بالنسبة للمنتجين، الهدف لدى البعض هو الربح، وهذا شيء طبيعي، لكن الربح يكون دون اكتراث بباقي العوامل الأخلاقية، بحيث أن البعض منهم يلجأ إلى استعمال مبيدات تساوي في ثمنها ثلث معدل ثمن المبيدات المسموح باعتمادها، فتكون هذه النتيجة، وأن أغلب هذه المبيدات تباع أساسا خارج الحزام القانوني، إما عن طريق التهريب، أو من خلال تغيير وجهة استعماله، أو تجاوز صلاحيات استعماله، وهذا ما أكدته نتائج التحاليل المخبرية التي جرت في هذا الموضوع.
العامل الثالث في هذه العملية، هو المستهلك نفسه، هذا المستهلك الذي لا يعطي أهمية تذكر لصحة وسلامة ما يستهلك، وأن الاهتمام الحقيقي عند المستهلك يبدأ فعليا عند الإصابة بالأمراض، والبحث عن العلاج وعن الأسباب.
لجمعيات حماية المستهلك حق التقاضي باسم المستهلكين.. هل تقوم بهذا الدور؟
أؤكد أن الشروط التي وضعها القانون من أجل الوصول إلى غاية التقاضي باسم المستهلكين، تبدو شروطا تعجيزية، إن على مستوى حصول الجمعيات على صفة المنفعة العامة، أو على مستوى الإذن الخاص بالتقاضي في حالات تعرض المستهلك أو المصلحة الاستهلاكية الجماعية للخطر.
فلحد الآن، أي جمعية من جمعيات المجتمع المدني المهتمة بمجال الاستهلاك لم تحصل على الإذن بالتقاضي، نظرا للشروط التعجيزية التي رسمها القانون للوصول إلى هذه الغاية، كما أن الجمعيات التي تملك صفة المنفعة العامة والتي يمكنها بشكل أوتوماتيكي القيام بهذا التقاضي هي جمعيات قليلة جدا، ومهما يكن الأمر لا تدخل في خانتها جمعيات حماية المستهلك.
إذن أمام هذه الشروط لن ولم تتمكن أي جمعية من مقاضاة أي كان يضر بمصلحة المستهلك، إلا إذا تحققت شروط لا زال المجتمع المدني ممثلا في جمعيات حماية المستهلك يطالب لحد الآن بتحقيق جزء منها للوصول إلى هذه الغاية.
على إثر النقاش الدائر برزت تساؤلات للمغاربة حول ما يستهلكون، حيث أضحى المواطنون متخوفين مما يستهلكون.. ما السبيل لاجتثاث هذا التخوف؟
المستهلك العادي أمام هذه الظواهر لا يملك إلا أن يتساءل بل ويتخوف بل ويطلب الحماية والتحسيس والتتبع والزجر أيضا عند الاقتضاء، ولعل السبيل للوصول إلى هذه الغاية يمكن أساسا في أولا ضرورة تحمل الإدارات والمصالح المعنية مسؤوليتها كاملة من أجل تشخيص وتتبع الأوضاع الاستهلاكية، بل وأن تكون لديها نظرة استباقية للمصالح المعنية من أجل درء المخاطر وزجر المخالفين وردعهم عند الاقتضاء بشتى الوسائل.
ثم أيضا تحسيس المستهلكين وإشعارهم بخطورة الحالات عند وجودها، بعيدا عن لغة التهويل أو الازدراء، كذلك السماح لجمعيات المجتمع المدني وجمعيات حماية المستهلك من أجل القيام بدورها الطبيعي في تحسيس المستهلك والنهوض بمصالحه، بل وتمثيله في المحاكم عند وجود ضرر استهلاكي جماعي وهذا ما لم يتحقق لحد الآن.
بالإضافة إلى ذلك، العمل على مد جسور الثقة بين الإدارة والمواطن المستهلك حتى يتمكن هذا الأخير من الاستهلاك في أمان بعيدا عن ضغط لوبيات الاقتصاد أو ضغط قوة وسائل الإشهار، ثم أيضا ضرورة تشجيع ثقافة الاستهلاك وتأطيرها بشتى الوسائل.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00