إسماعيل الطالب علي
خلفت بعض الأعمال الرمضانية لهاته السنة، موجة استنكار في صفوف شريحة واسعة من المشاهدين المغاربة الذين أعربوا عن عدم رضاهم للمستوى الذي وصلت إليه التلفزة المغربية، لدرجة السخط كما راج في أوساط التواصل الاجتماعي.
"مواطن" نقل سؤال جودة الإنتاجات والأعمال الرمضانية إلى عبد العالي تريكت، رئيس الجمعية المغربية لحقوق المشاهد، فكان هذا الحوار:
مواطن: كيف تقيمون البرامج والمسلسلات والسيتكومات التي عرضت في رمضان؟
عبد العالي تريكت:هذه الأعمال الرمضانية بأكملها لا يطبعها أي جديد كما هو الشأن بالنسبة للسنوات الماضية، وتتسم بنوع من الرداءة والانحطاط سنة بعد سنة، خصوصا وأن نفس المواضيع يتم تداولها في كل سنة ناهيك عن اللغة المبتذلة المستخدمة.
المتمعن في دفاتر التحملات، يجدها أنها تنص على أن الإذاعات والقنوات يجب أن تتضمن 80 في المائة من برامجها لغة عربية سليمة، مع تخصيص 20 في المائة للغات الأجنبية، ونحن كمواطنين نتقبل أن تكون هناك لغة وسيطة تجمع بين مكونات الشعب المغربي كله، وهي "الدارجة" التي يمكن تقبلها، ولكن ما لا يمكن تقبله أن يصبح الوضع كما لو أننا نجلس على أرصفة الشوارع ونستمع للغة بعض المراهقين التي تقتحم مسامع المشاهد في وقت الإفطار.
ومن هنا يتساءل المرء، أي سياسة ثقافية لدينا؟! هل هي في الأصل موجودة؟ وهل هناك سياسة إعلامية تراعي جميع مكونات الشعب؟ أم أن الوضع الحالي يعكس المستوى الذي يراد أن يكون عليه أبناؤنا الذين يشاهدون ذلك في موائد الإفطار؟.
الغريب أن طريقة الكلام والإيماءات والتعبيرات والوجوه التي أضحت تطبع هذه الإنتاجات تترسخ لدى الأطفال الذين يشاهدون ذلك وتغسل أدمغتهم وتتولد لديهم أفكار أن ذلك هو الأمثل والطبيعي والذي يجب الاقتياد به واتباعه.
غير أنه، وبالرغم مما يمكن أن يقال في هذا الشأن إلا أن الصورة التلفزية ما تزال تلعب دورها رغم الوسائط الإعلامية المتاحة في عصرنا الحالي، وما يزال لها ذاك التأثير في ترسيخ مجموعة من القيم في المجتمع خصوصا لدى الناشئة.
لذا، من هنا نتساءل مجددا، هل هذا الوضع الحالي داخل في نظام دفاتر التحملات أم لا؟ لأن الملاحظ أن المطلع على دفاتر التحملات هاته يرى أن ما نشاهده الآن لا يدخل ضمن ذلك لا من حيث اللغة ولا حيث مستوى القيم، ووو..إلخ، خصوصا وأننا نشاهد في بعض السيتكومات سخرية كبيرة من بعض اللهجات التي يحفل بها المغرب، ولأن دور الإعلام هو لم لحمة المجتمع وتعزيزها وليس التفرقة والسخرية والضحك على فئات المجتمع، فمن هنا وجب التدخل؟
إذا كان الوضع بهذا التأزم، فأين ترون مكامن الخلل؟ وأين المشكلة في نظركم؟ هل في الإنتاج أم في الإبداع أم ماذا؟
المشكل أساسا يتجلى في المنظومة ككل، ابتداء من اقتراح الأعمال إلى إنتاجها وصولا إلى الفنان الذي يقبل على نفسه أداء أدوار لأعمال لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
هناك أيضا إشكالية القوانين المؤطرة للميدان وكيفية تنزيلها، وكذا إشكالية النصوص والعبارات الفضفاضة التي تحتويها هاته القوانين ما يجعل الكثيرين يفسرونها كما يريدونه، بالإضافة إلى دفاتر التحملات للإذاعتين التي لا تحترم وتتضمن خرقا صارخا لها.
من هذا المنطلق، يستوجب إعادة النظر في المنظومة بأكملها، هاته المنظومة التي لم تنتج لنا على مدى 10 سنوات خلت، إلا ما يشهده المشاهد المغربي الذي يعبر عن عدم رضاه، حيث نرى دفاتر التحملات منذ سنة 2012 لم تعطي أكلها، ثم أن تحرير الفضاء السمعي البصري منذ 2003 والحال على ما هو عليه، وبالتالي فالمنظومة كلها يشوبها الخلل، ما عدا إذا كانت الغاية من هذا كله أن نصل إلى الوضع الحالي الذي نعيشه.
من يتحمل المسؤولية؟
عن المسؤولية أقول إن الجميع يتحملها، بدءا من أضعف حلقة وهو المشاهد الذي يتفرج ويعبر عن سخطه، إلى القيّم على شأن واستراتيجية الإعلام والثقافة في المغرب، من صحافيين ونقاد ومبدعين ومنتجين..إلخ، كل من زاويته.
فمثلا، هناك بعض المنتجين مع كامل الأسف، احتكروا مجموعة من الأعمال ويعتبرون الإنتاجات الرمضانية عبارة عن "بقرة حلوب" يجب أخذ منها ما أمكن ثم ينتظرون ما سيحدث.
إلى جانب ذلك هناك أيضا بعض المستشهرين ممن يرون أن المشاهد المغربي مجرد مستهلك يمكن أن نقدم له أي شيء، لدرجة أن القانون يسمح لهم في وقت رمضان بـ18 دقيقة في الساعة، وهو التوقيت غير الموجود في أي بلد آخر، على اعتبار أن الضوابط في العالم تنص على أنه لا يجب أن يتعدى مستوى الإشهار 10 دقائق بالنسبة للقنوات التجارية ناهيك عن العمومية، إلا أنه رغم ذلك لا نجد إشهارات ترقى إلى المستوى المطلوب.
بالإضافة إلى ذلك، نسجل عدم احترام مواد دفاتر التحملات التي تنص على عدم السماح بالاستهزاء بأي طبقة سوسيوثقافية كيفما كانت أو فئة من الأشخاص، إلا أننا نجد استهزاء بفئات من قبيل الأساتذة والممرضين وغير ذلك، فضلا عن اللغة الهابطة والتشرميل.. إلخ، وكل ذلك طيلة 30 يوم.
هل تعتقدون أن الدولة والمؤسسات الحكومية الأخرى كالهاكا على سبيل المثال والوزارة الوصية مقصرة في عملها؟
"الهاكا" لا تقوم أيضا بدورها، ودليل ذلك أن المادة 14 من دفاتر التحملات تنص على أنه يتوجب على الإذاعات القيام باحتساب نسب المشاهدة وأيضا باحتساب نسب الرضى، والبرامج والفئات المستهدفة، لكننا نتفاجأ أنه يتم الاقتصار فقط على نسب المشاهدات كمعيار وديكتاتورية يتم الاشتغال بها، دون مراعاة مدى رضى المشاهد والفئات العمرية، وكل ذلك دون تسجيل أي تدخل من قبل الهاكا والمؤسسات المختصة.
نسب المشاهدات هاته التي يتم التغني بها، هي عبارة عن مرآة للعرض وليست للطلب، فالمشاهد لم يقل أبدا أني أريد هذا أو ذاك، هو فقط فرض عليه ما هو معروض أمامه.
ثم أن مشكلة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أيضا أنها تركز بشكل كبير فقط على هو سياسي، وهل الخطابات السياسية موافقة للقانون أم لا؟، وإن كانت مكونات الأحزاب السياسية داخل المجتمع أخذت حقها في الإعلام أم لا؟، باستثناء ذلك، فإنها لا تركز على الجوانب الأخرى.
هناك حديث عن إقبال المغاربة على مشاهدة برامج قنوات التلفزيون العمومي، رغم الانتقادات الحادة الموجهة إلى الأعمال التي تبث، خاصة في شهر رمضان، فما سبب ذلك؟
حتى نكون واقعيين، وأن لا نخرج على الطابع الاجتماعي، نحن هنا نتحدث عن رمضان، وهو ما يعني اللمة العائلية، إذ في وقت المغرب كإشعار للآذان فالمغاربة يلجؤون إلى الإذاعات المغربية لذلك، هذا أولا، ثانيا نجتمع في مائدة الإفطار على شيء يجمعنا ويوحدنا ولا يفرقنا، نحن في شهر رمضان لا يمكن لنا أن نلجأ إلى قنوات أجنبية، أو نلجأ إلى سماع أخبار ومصائب في قنوات الأخبار، فضلا عن ذلك يجب أن نستحضر أن من الأشخاص من يشغل هذه القنوات لا لشيء إلا لأنها "دايرة الحس فالدار".
وبالتالي، لا يمكن أن نسمي هذا الأمر، على أنه إقبال للمغاربة على هاته القنوات، وإذا أردنا أن يكون ذلك يجب قياس مستوى الرضى.
هل يمكن مقاضاة القطب العمومي بسبب رداءة هذه الانتاجات؟
أولا عندنا نقول قطب عمومي، في دفتر التحملات هذا القطب يسدي خدمة عمومية، وهنا يطرح سؤال، هل ما يمر الآن يدخل في إطار الخدمة العمومية؟ هل اللغة الموظفة وتلك الإيماءات ضمن الخدمة العمومية؟
ثانيا، إذا أردنا أن نقوم برفع دعوى قضائية على هاته القنوات، تحضر قاعدة لا جريمة بدون نص، فأي جريمة تقوم بها هذه القنوات وكيف نكيفها، وإن كانت هناك إمكانية أنه بمجرد أن هناك تمويلا عموميا يمكن المتابعة بهدر المال العام، وهي جريمة موجودة في القانون، غير أن ذلك لا يحصل أبدا.
طيب، ما السبيل للنهوض بالإنتاجات والأعمال المغربية؟
المعلوم أن الإنتاجات والمشاهد حلقة من المجتمع ككل، فنحن في بيئة، وبالتالي نفس الطريقة التي ستكون بها نقلة نوعية في الإنتاجات التلفزية هي نفسها في مجالات أخرى، لأن الثقافة والإنتاجات والتلفزة هي ضمن منظومة اجتماعية سياسية اقتصادية، وبالتالي لا يمكن أن نتفرد بجانب ما ونقول أنه جيد وبأنه في الطريق الصحيح وندرأ الكل.
ومن هذا المنطلق، يجب أن يتم إعادة النظر في المنظومة ككل كما شددت على ذلك سابقا، كما أن الأمر يستوجب أن تكون هناك استراتيجية ثقافية، لأنه لا يمكن أن تكون لدينا سياسية ثقافية دون إعادة الاعتبار للقراءة والكتابة، وكذا كتاب السيناريوهات، وأيضا الفنانين الذين لديهم مواقف ويهمشون لا لشيء إلا أنهم يرفضون أداء بعض الأدوار.
إلى جانب ذلك، على المستشهرين أن يرفعوا أيديهم على الثقافة، إذا كانوا يقومون بالتجارة، فيجب عليهم أن يفعلوا ذلك بعيدا عن الثقافة والأطفال الذين يشاهدون التلفاز المغربي.
من جهة أخرى، فالتلفزة المغربية ليس كل شيء فيها رديء، هناك بعض الأعمال المتميزة والناجحة، لكن في وقت ما يسمى بـ"الذروة" أضحى الآن قناة لهؤلاء المستشهرين، لنجد بعض الأعمال التي يطبعها بعض النجاح تبث في أوقات متأخرة من الليل.
زيادة على ذلك، فأوقات الذروة هاته، الأطفال يكونون أيضا موجودين ويتابعون، ولكن لم نعد نشاهد "اللوغو" الذي يشعر ويحدد سن الأطفال الذي ينصح بعدم تتبع عمل ما، إلا في قليل من الأعمال، وهذا خرق "فادح"، خصوصا وأننا شاهدنا عددا من اللقطات المعروضة ببعض السيتكومات وقت الإطار تتضمن مشاهد من العنف والدماء رغم أنها لم يعلق عليها إشعار يسمح أو يمنع الأطفال من مشاهدة ذلك.
الخلاصة من هذا كله، هو أن التلفزة المغربية في هذا الشهر دفعت المشاهد المغربي على حمل مائدته والشروع في الإفطار في الشارع!!!
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00