مصطفى أزوكاح
لا يعني تحسين النموذج التنموي في المغربي، بلورة نموذج جديد، فالمؤشرات التي يرسلها النموذج الحالي، تؤكد أن مشكل الحكامة هو أصل الداء، وهو ما يدفع الاقتصادي المغربي، إدريس الفينا، إلى التأكيد في هذا الحوار، على ضرورة عدم إسناد مهمة الإصلاح لمن ساهموا في الإساءة للنموذج الذي يوجد موضوع مراجعة اليوم، بعد الخطاب الملكي الأخير.
مواطن:كيف تعرفون النموذج التنموي، هل يختزل في شقه الاقتصادي؟
ليس من السهل الإحاطة بمفهوم النموذج التنموي، فهو يشمل مستويات متعددة، تتضمن ما هو اقتصادي واجتماعي ومؤسساتي ومجالي. عندما نتحدث عن النموذج التنموي، لا يجب تبسيط المفهوم، لأن ذلك يفقده معناه القوي. النموذج التنموي هو كل تلك الأبعاد التي أشرت إليها، بالإضافة إلي القوانين المؤطرة له، والفاعلين الإداريين والسياسيين والاقتصاديين والمحليين الذين يحملونه. النموذج التنموي لايبنى بين عشية وضحاها، فبناءه تطلب سنوات عديدة. حيث نعلم أن النموذج الذي يسترشد به المغرب، هو حصيلة مسار طويل بدأ منذ حصول المغرب على استقلاله بالموازات مع مسار بناء الدولة، و بلورة الترسانة القانونية التي تؤطر جميع مناحي الحياة العامة. وهو نتيجة لوضع لبنات الاقتصاد الوطني. لذلك نقول إنه لا يجب اختزال النموذج التنموي في بعد واحد.
هل التحليلات التي تناولت النموذج التنموي أحاطت بأصل الداء فيه؟
عندما نقول إن النموذج التنموي، كما جاء في الخطاب الملكي، يحتاح إلى تحسين ومراجعة، فلأن العديد من المؤشرات أظهرت أن هناك مشاكل يطرحها. وعندما نقول إن ذلك النموذج أصبح يرسل إشارات سلبية، بل مقلقة، فإن ذلك لا يعني أنه يجب أن نتخلى عن النموذج القائم. لأن ذلك غير مكن. كل ما يمكن القيام به حاليا هو إدخال التعديلات الفعالة على عدة مستويات، لرفع فعالية النموذج القائم من خلال تحسين خلق الثروة و توزيعها بين الطبقات الاجتماعية ومجاليا بشكل أكثر عدالة.
لقد لاحظنا أن العديد من التقارير الدولية والمحلية، خاصة تقرير البنك المركزي، تتحدث عن محدودية النموذج الحالي، غير أنها لا تحدد طبيعة المشاكل التي يعاني منها. وهذا مشكل في حد ذاته. ونحن نعتقد أنه لا يجب استعمال مصطلحات قوية دون تعيين المشاكل الحقيقية التي يفترض التعاطي معها.
ما هي المؤشرات التي تحيل على ضعف النموذج التنموي المغربي؟
أولا هناك مشكل أساسي مرتبط بفعالية السياسات العمومية وتأثيرها على النمو. فالتحليلات والتشخيصات التي قمنا بها على مستوى الاقتصاد والحكامة والمؤسسات، تشير إلى عدم فعالية السياسات العمومية، التي انخرط فيها المغرب. صحيح أن تلك السياسات حددت أهدافا طموحة، غير أن هناك مؤشرات تؤكد أننا لم نتمكن من بلوغها، وذلك منذ سنوات متعددة. فنحن نراوح مكاننا في العديد من القطاعات التي كان يعول عليها المغرب من أجل تحقيق معدلات نمو عالية. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، الصناعة والزراعة والخدمات.
ثانيا، نلاحظ أن القطاع الخاص، رغم الدور الهام الذي يضطلع في النموذج التنموي الحالي، إلا أنه رغم ذلك فإن المؤشرات ذات العلاقة باستثماراته مازالت ضعيفة، مقارنة ببلدان مماثلة أو صاعدة. وتبقى الدولة هي المستثمر الرئيسي في هذا النموذج. كما أن الاستثمار الكلي يفتقد للفعالية، حيث أن معدل الناتج الداخلي الخام على الاستثمار الكلي، يبقى ضعيفا قياسا بعدد من الدول الصاعدة.
ثالثا، معدل النمو الاقتصادي غير مستقر في المغرب، ولا يخلق ما يكفي من فرص العمل، وهذا يعني بكل بساطة أن الاستثمارات في المغرب، ليست بالجودة المطلوبة.
المؤشر آخر الرابع الذي يشير إلى ضعف النموذج التنموي، يتمثل في معدل خلق المقاولات في المغرب، الذي يظل ضعيفا، كما أن المقاولات التي يتم خلقها لا تتطور بالسرعة الكافية كما يحدث في بلدان صاعدة. فحجمها يبقى مستقرا طيلة حياتها.
أما على مستوى تنافسية المقاولات المغربية فهي ضعيفة. هذا ما يؤشر عليه ضعف التصدير. فالمغرب يستورد أغلب المواد الاستهلاكية، مع ما لذلك من تأثير على ميزان الأداءات.
ماذا عن قيادة النموذج التنموي؟
أعتقد أن مسألة الحكامة جوهرية في المغرب، وقد أشارت الخطب الملكية الأخيرة إلى المسؤولين الذين لا يقومون بمهامهم بالوجه المطلوب رغم مواقع المسؤولية الهامة التي يتحملونها. ما يجب أن ننتبه إلى إليه هو أن النموذج التنموي المغربي، هو نفسه في بلدان أخرى صاعدة مثل كوريا وتركيا، فهي تسترشد بنفس المفاهيم، ما يعني أن الأمر يقتضي فقط حسن ترجمتها على أرض الواقع.
رغم كون دستور 2011، أعطى دفعة قوية لقيم الحكامة في المغرب، عبر إرساء ربط المسؤولية بالمحاسبة، فالوضع لم يتحسن بالشكل المطلوب. على مستوى العديد من الجماعات المحلية والجهات والمؤسسات العمومية والإدارات نجد أن الوضع جد مقلق على مستوى جودة، الأمر الذي يفقد المغرب فرص كبيرة للنمو.
فالجماعات المحلية، تعاني من ضعف تكوين النخب التي تسيرها، وهذا يبرز أكثر على مستوى المدن التي تنتج حوالي85 في المائة من الثروة بالمغرب، حيث أن تلك المدن تعرف مستويات متدنية من الحكامة.
مشكل الحكامة مطروح على كل المستويات المرتبطة بتدبير الشأن العام، من حكومة وبرلمان وجماعات محلية والجهات والمؤسسات العمومية. فهذه الأخيرة، على سبيل المثال، مازالت تدبر على أساس شبكة العلاقات المعارفية، على حساب معيار الكفاءة. وهو ما لا يساعد على تحسين التدبير ورفع المردودية. وهذا يسري على الإدارة المغربية التي تعني من اختلالات مزمنة على مستوى الحكامة.
ويجب أن نعلم أن مجال الحكامة استراتيجي، وهو أصل ضعف النموذج التنموي. وهذا مرده إلى عدم السعي للاسترشاد بالأفكار المبتكرة. نحن نرى أنه عندما تضعف مردودية مقاولة ما، يعمد أصحاب رأس المال، قبل عملية التشخيص، إلى تغيير مسيري المقاولة.
ألا يمكن أن تفضي الرغبة في إصلاح النموذج التنموي إلى انتصار الرؤية التي تقول بضرورة انسحات الدولة من المجال الاقتصادي؟
رغم أن الدولة حاولت التخلي عن العديد القطاعات الاستراتيجية، فإن القطاع الخاص المحلي لم يقم بدوره على مستوى الاستثمار، بل إن المستثمرين الأجانب، يتجاوزون نظراءهم المحليين على هذا المستوى، خاصة في الصناعة. ونحن نرى أن الرأسمال المحلي، يبحث عن قطاعات الريع التي لا تقتضي أية مجازفة. فهو يبتعد عن القطاعات التي تنطوي على الإبداع والمخاطرة. إنه يستثمر في العقار والفلاحة لاستفادتهما من إعفاءات جبائية أو دعم عمومي، ويبتعد عن الصناعة بحثا عن الربح السريع.
كيف يؤثر الفساد على النموذج التنموي؟
هذه نقطة سوداء في النموذج التنموي المغربي، فالفساد مرتبط بسوء التدبير. وهناك من يربط الفساد بالشبكات التي تتحكم في مراكز القرار المتعددة، بشكل لا ينبني على الفعالية والمردودية. وهناك من يربط الفساد بالرشوة. في تقديري، الفساد له علاقة بالشبكات التي تريد التحكم في القرار بشكل عام، خدمة لمصالحها، بينما هي تلحق الضرر بمصالح البلد على المدى البعيد. وما نحن بصدده، هو تحصيل حاصل، لأنه جرى التنبيه، في العديد من المناسبات، إلى أننا نسير في طريق مسدود.
ألا يساهم مستوى التعليم في ما وصل إليه النموذج التنموي؟
لا أعتقد، فهناك نوع من التهرب من المسؤولية، إذ رغم المشاكل التي يعاني منها التعليم، فإنه يوفر خريجين أكفاء. الجميع يعلم أن مهندسين يوجدون في حالة عطالة في المغرب. المشكل هو أن الاقتصاد ضعيف، لا يخلق ما يكفي من فرص العمل، ولا يستوعب الخريجين. المشكل في الاقتصاد المغربي وداخل النموذج التنموي، كما تحدث عنه الملك في الخطاب الأخير.
ماهي المنهجية المثلى للإصلاح؟
الملك تحدث عن المقاربة التشاركية عبر انخراط جميع الفاعلين. أنا أعتبر أنه لا يجب أن تسند تلك المهمة لمن أساؤوا للنموذج التنموي. الذين سيصلحون النموذج التنموي، هم أولئك الذين لم يسيئوا إليه. والخطاب الملكي كان واضحا.
كيف يمكن أن نتفاعل مع الخطاب مع الملكي دون الالتفاف عليه؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم. ونحن رأينا كيف طالب الملك بلغة جديدة. يجب فتح نقاش حقيقي، ويجب الابتعاد عن تناول المواضيع الهامشية. يجب أن يعلم الجميع أنه إذا تم إضعاف الهامش الاقتصادي، فإن الهامش السياسي سيضعف بدوره.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
10 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 11:00