موسى متروف
يتولى عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، الحبيب بلكوش، تسيير الحزب بعد استقالة أمينه العام إلياس العماري، بعد تسع سنوات من نشأة الحزب وسنة ونصف من قيادته له.
في هذا الحوار مع "مواطن" يبسط بلكوش طريقته في تدبير الحزب، ونظرته المستقبلية له، بعد تقييم لأدائه. كما يتوقف، بمقاربة نقدية لمسار الحزب، عند الاختلالات التي عرفها تدبيره الداخلي، وعند علاقته مع حزب العدالة والتنمية من جهة، وحزب التجمع الوطني للأحرار من جهة ثانية.
ويوضح بلكوش أيضا حدود مسؤولية حزبه ومسؤولية العماري، بصفته رئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة، في أحداث الريف...
هل شرعت فعلا في تسيير دواليب حزب الأصالة والمعاصرة، بعد استقالة الأمين العام للحزب إلياس العماري وتكليفك بمهامه إلى حين اجتماع المجلس الوطني (برلمان الحزب)؟
الآن يمكن الدخول إلى خارطة طريق هذه المرحلة الانتقالية، بعد أن بدأت المشاورات مع أعضاء المكتب السياسي ورئيسة المجلس الوطني فاطمة الزهراء المنصوري، لرصد البرنامج الذي كان مسطرا من قبل، لأن الحزب كان قد دخل في دينامية من الناحية التنظيمية والسياسية، كما لابد من التفكير في اللحظة وإنضاج شروطها بشكل جماعي مع الإخوان المسؤولين في الحزب، ولكن في الوقت نفسه لا بد من مواصلة إنجاز المهام المسطّرة في برنامج الحزب، بما فيها مجموعة من المؤتمرات الجهوية المقررة ابتداء من شهر شتنبر، إضافة إلى العمل التقييمي الذي يُنجز على أساس أن يكون جاهزا خلال الشهر المقبل، في أفق انعقاد المجلس الوطني الذي سيتم الإعلان عنه من طرف رئيسته...
هناك من يعتبر إن استقالة إلياس العماري من الأمانة العامة للحزب تنتظر مصادقة المجلس الوطني عليها، لكن يظهر أنه استقال وحُسم أمر استقالته...
هو يقول إنه متشبث باستقالته، وأَوكلَ إلي شخصيا مهامه، انطلاقا من صلاحيات الأمين العام الذي من حقه أن يوكل عددا من صلاحياته إلى أعضاء من المكتب السياسي، لتدبير مرحلة معينة أو مهمة محددة طبقا لمقتضيات المادة 40 من النظام الأساسي.
طيب، أنتم بصدد تقييم تسع سنوات من عمر "البام"، لكن هل تقومون أيضا بتقييم سنة ونصف من قيادة العماري للحزب؟
تجب الإشارة إلى أن هدف التقييم هو قراءة في التجربة ككل، بما فيها سنة ونصف من قيادة العماري، بما يسمح باستخلاصه من دروس ومن مرتكزات لإعطاء نفَس جديد لعمل الحزب. إن الخطوات المتعلقة بتقييم عمل الحزب تم الإعلان عنها قبل استقالة إلياس العماري، وبالتالي فإن هذه الفترة تدخل كجزء من هذا المسار.
(مقاطعا) لكنه قال إنه يتحمل مسؤولية تزكية البرلمانيين وقبلهم المنتخبين في الجماعات الترابية، ألا تحمّلونه أنتم أيضا هذه المسؤولية؟
بطبيعة الحال، قال إنه يتحمل المسؤولية في ذلك، لكن هناك المسؤولية الجماعية كذلك في إدارة المرحلة. ربما هناك اختلاف في التقديرات وفي زاوية النظر، وهذا ما يعكسه رفض أعضاء المكتب السياسي للاستقالة.
فإذا كان الأخ إلياس العماري قد تحدث عن مسؤوليته في تزكية عدد من المنتخبين، فإن ذلك لا يسمح بالتغاضي عن النتائج الهامة التي حققها الحزب خلال الانتخابات الجماعية والبرلمانية، والتي جعلت منه قوة في الخريطة الحزبية.
(مقاطعا) لكن إلياس العماري راهن على أن يكون الحزب هو الأول وبخطة "الكل من أجل الكل" أو "دبحة ولا ربحة"، وبما أن "البام" لم يتصدّر الانتخابات فقد بدا في وضع أشبه بالهزيمة، أو بـ"انتصار بطعم الهزيمة"...
في الحقيقة، دخل الحزب الانتخابات من أجل الفوز بها، وهذا طموح كل حزب سياسي يريد المساهمة في تدبير الشأن العام، بحيث لا يمكنه أن يدخل الانتخابات بغير المعنويات المرتفعة، ولا يمكنه أن ينهزم قبل أن يخوض المعركة. لقد كنا أمام سقف لم يتحقق، لكن هذه التجربة أكدت موقع الحزب داخل الخريطة السياسية كما أن قوته البرلمانية تضاعفت مرتين أو أكثر، إضافة إلى حضور قوي على مستوى إدارة الجماعات الترابية. والقراءة من هذه الزاوية لا تخلص إلى أن الأمر كانت فيه هزيمة.
إذا لم نتحدث عن "انتصار بطعم الهزيمة"، فيمكن الحديث عن استقالة العماري على أنها "إقالة على شكل استقالة"، لأنه تعاقد مع الدولة أو قدم لها عرضا للحد من قوة "العدالة والتنمية"، لكن ما وقع أن "البيجدي" تقوّى أكثر فأكثر، وظهر العماري كأنه فشل في المهمة التي أُوكلت إليه وهي كبح جماح الحزب الإسلامي...
هذه قراءتكم، ولا أعلم إن كان هناك تعاقدٌ، وإذا تعاقد فهو مَن يمكنه أن يتحدث عنه، أما ما كان فيه التزام سياسي وما أعلنه الحزب، منذ ولادته، فهو الدفاع عن المشروع الديمقراطي الحداثي. وفي قراءة من الزاوية السياسية بهذا المعنى، يمكن القول إن الفشل لا يخصّ "البام" وحده، لأن هذه دينامية جارية داخل مجتمع، بحيث أن القوى الحاملة للمشروع الحداثي الديمقراطي هي التي يجب أن تخوض المعركة بكل مكوناتها. وأعتقد أن "البام" يقوم بدور أساس في هذه المرحلة، التي بدأت منذ تأسيسه إلى الآن، وأعطى القوة لمشروعه السياسي بالتواجد بهذا العدد من المنتخبين، وبنسب من صوت عليه كمشروع، وهذا يؤكد أنه يضطلع بأدواره التي أعلن عنها منذ البداية، لكننا نلاحظ، للأسف، تراجع المكونات الأخرى في هذا المجال. إلا أننا مع ذلك نبقى غير راضين على ما حققناه ونطمح إلى الأفضل دائما.
الآن وبعد طيّ هذه الصفحة، مازال هناك إرث إلياس العماري، فقد كان تدبيره، كما يُقال، مركّزا حول شخصه، وتدبيره شموليا أو دكتاتوريا، وتركيزه تم على "ريافة"، كما قال بعض قادة الحزب كعبد اللطيف وهبي. كيف سيتم تدبير هذا الإرث؟
إذا أردنا أن نخوض العملية بهذا الشكل، فهذا معطى تاريخي مرتبط بالنشأة لن نتوقف عنده كثيرا، ولن نقوم بالتداول القبلي أو الجهوي على مستوى إدارة الحزب. أعتقد أنه إذا أردنا أن ندخل في هذه الرؤية، فإنها لن تتمكن من التقدم. ربما يجب أن نبحث في "النوع" الذي يمكن أن يفيد المشروع السياسي، والذي يمكن أن يعطيه مصداقية أقوى، على مستوى العلاقة بالمواطن، والذي يجيب على هذه التساؤلات التي فيها تركيز إعلامي وسياسي على فاعل سياسي واحد نظرا لمرحلة التأسيس، ونظرا لكونه الفاعل الأساسي الأول الذي يختلف بشكل صريح مع مشروع الحزب الذي يقود الحكومة. فلا يمكن أن نجيب عن المنطق القبلي بتغيير المنتمين إلى هذه المنطقة وتعويضهم بآخرين من منطقة أخرى. أعتقد أن هذا المنطق لا يستقيم في السياسة، إننا سنبحث عن أشخاص يمكنهم أن يقدموا إضافة نوعية للرؤية، ومصداقية للعمل ويقدمون الأجوبة المناسبة ما أمكن للاختلالات الموجودة والانتظارات التي تترجم بقوة العلاقة مع المواطن أساسا، وتبني التحالفات المطلوبة لكسب معارك قادمة. إن السياسة لا تبدأ وتنتهي في يوم واحد، ولكنها صيرورة يلزمها الصبر والتأني وبُعد النظر، وليس فقط التدبير اليومي أو الآني أو اللحظي.
والجانب الثاني في الأداء بالنسبة إلى المرحلة تلزمه تصحيحات، لدينا فيه اقتراحات كذلك، للانتقال من نمط للتسيير إلى نمط آخر. ونعتقد أن المرحلة نفسها تستدعي ليس فقط التسيير عبر الشخص، لكن البحث ما أمكن عن البُعد الجماعي في تدبير المحطة القادمة الذي يمكن أن يعطي قوة أكثر لهذا التماسك التنظيمي، سواء في ظرفية الاستقالة الحالية أو في الجواب على هذا النوع من التساؤلات. لقد كان لدينا أمين عام من الصحراء وأمين عام من مراكش أو الدار البيضاء و أمين عام من الريف، إذا أردنا أن نعدد المناطق ...فهل تريدون أن نعتمد "تناوبا" قبليا في التسيير؟
وما هي اللمسة التي ستضفيها على تدبير الحزب في هذه الفترة؟
أعتبر أن المهمة الموكولة إلي هي تدبير مرحلة انتقالية إلى حدود انعقاد المجلس الوطني وآنذاك ستتحدد الصيغة التي سيتم اعتمادها. في هذه المرحلة الانتقالية، وفي أفق المجلس الوطني، أقترح هذا البعد الجماعي في التدبير، كما هو مطروح الآن، وربما يكون مدخلا للتدبير المطلوب في المرحلة القادمة، مهما كان الشخص الذي سيُدير المرحلة كأمين عام. أعتقد أنه يجب إيجاد صيغ لتدبير جماعي من خلال فريق. وقد كانت لنا تجربة بأشكال مختلفة في تاريخ الحزب، فقد كانت هناك لجنة للمتابعة وكان هناك نواب للأمين العام، وهذا نقاش سنجريه على أساس تقديم الاقتراحات إلى المجلس الوطني.
أليس وضعك حاليا كمن يوجد في فترة تجريبية لاقتراحك أمينا عاما فيما بعد؟
لا أريد أن أستبق المراحل وأرى أن التركيز يجب أن ينصبّ على إنجاح هذه المرحلة بنوع من التروي، ولا نحتاج فيها إلى صدامات أو لتصفية حسابات مع هذا الطرف أو ذاك، ومن لديه اقتراحات فليقدمها إلى المجلس الوطني. وما يجب أن نستحضره هو دقة اللحظة لتقوية المشروع على المستوى السياسي وتدبير هذه المرحلة بروح جماعية وبغيرة على المشروع وبروح البناء. أعتقد أن هذا هو المطلوب في هذه الظرفية وقد عشنا في المراحل السابقة مثل هذه الهزات واستطعنا، رغم الظروف الصعبة والسياق الصعب، أن نغلّب روح العمل الجماعي لإنجاح التحولات داخل المشروع، أكثر من تصفيات الحسابات بين الأطراف...
في هذه الفترة يحتاج الحزب أكثر من أي وقت مضى، حتى أكثر من لحظة 20 فبراير 2011، إلى نقد ذاتي، وقد شرع الأمين العام السابق للحزب حسن بنعدي في هذا الأمر، خلال خرجاته الأخيرة، بحيث تحدث عن كون الحزب ظل منبوذا في المجتمع رغم نجاحه الانتخابي، وتحدث عن فقدان الرؤية ونقص في الحكامة والتواصل... ما رأيك في هذه القراءة؟
أنا لا أشاطر الرؤية التي يعبر عنها السي حسن، ولكن فعلا يجب تصحيح الاختلالات على مستوى الرؤية في علاقة بالمواطن، وهذا يحتاج إلى مجهود، وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة إلى جميع الأحزاب السياسية في هذا الموضوع، فقد كان هناك مجهود لبلورة المشروع البرنامجي للحزب، من طرف الفريق الذي أشرف على العملية بروح منفتحة، من حيث إعداد الوثيقة في المجال الاقتصادي والاجتماعي... الخ وقراءة سياسات الخمس سنوات الماضية. صحيح أنه يجب تطوير، بشكل آخر، قراءتنا للحقل السياسي ومتطلبات التفاعل معه، إذا أردنا أن نقوّي حضورنا، من خلال بلورة آليات للتواصل والتفاعل مع المواطنين، ومع أعضاء الحزب أنفسهم. فالحزب الذي يتوفر على أزيد من 6000 منتخب وعلى فريق من 102 نائبا بمجلس النواب ورئاسة مجلس المستشارين وخمس جهات، لابد له من إعداد السياسة المرافقة لهم، وقد بدأت العملية من خلال مشروع الأكاديمية التي من المفترض أن تبلور برنامجا تكوينيا مرافقا لهؤلاء المنتخبين، وأيضا من خلال استقطاب أطر ذات جودة عالية لكي تشتغل مع الفريقين البرلمانيين، وهو ما تمّ فعلا مؤخرا. وبالنسبة إلى السياسة الإعلامية والتواصلية، بدأ مشروع تلزم فيه قراءة الآن، لنتوقف عند ما توفقنا فيه ورصد الاختلالات الموجودة فيه. وهذه هي الرؤية المشتركة التي نأمل أن تشكّل هذه الوثيقة التقييمية أرضية لها يمكن أن يتملّكها مناضلو الحزب كأرضية للتواصل وتعميق النقاش لأنها ليست مهمة موكولة ليس فقط للأمين العام وحده ولا للمكتب السياسي وحده؛ بل لجميع الطاقات الموجودة في الحزب، وهي طاقات ذات جودة عالية ومتعددة، من أطر في مختلف المجالات، وفي الجامعات، والشباب، والنساء، ورجال الأعمال، والمهندسين وأطر التربية والصحة... هؤلاء يجب أن يشعروا بتملكهم لهذا المشروع ويخوضوا أشكال ترجمته على مستوى العلاقة بالمجتمع، وأعتقد أن هذه المرحلة هي التي يجب فيها تطوير آليات التعبئة وفتح فضاءات التفاعل مع مختلف المكونات. وقد قمنا أيضا برصد ما هو واقع من اختلالات، وخصوصا على المستوى التنظيمي، وهي العملية التي تمت منذ ثلاثة أو أربعة أشهر، من خلال تقييم عمل التنظيمات الجهوية والتنظيمات الوطنية.كما عرفت أزيد عن عشر جهات لقاءات حول العلاقة مع مكونات المجتمع المدني. واشتغلت لجنة أخرى على العمل الانتخابي، وبقي الآن تأطير كل هذا ضمن الرؤية السياسية، بعد تسع سنوات من العمل، لإعطائها الحمولة السياسية المطلوبة في هذه المرحلة الجديدة التي لا يمكن الاكتفاء فيها بنقد هذا الطرف أو ذاك، ولكن يجب تحديد كيف نقوّي أنفسنا نحن حتى نكون قادرين على الفعل بشكل نوعي، خاصة من المواقع التي لدينا فيها مسؤوليات كمعارضة من جهة، كمسؤولين في جماعات، كمسؤولين في خمس جهات من المملكة، ونعتقد أن هذا يتطلب رؤية جديدة ينبغي أن تكون فيها محاسبة الذات حاضرة بشكل متواصل لتطوير الأداء.
وماذا بعد عرض هذه الوثائق التي أشرت إليها، هل ننتظر إصدار عقوبات في حق المتغيبين في البرلمان أو من لا يقوم بواجبه في الجماعات الترابية التي انتخب بها؟
الإجراءات ستصدر عن الأجهزة المختصة بها من لجنة الأخلاقيات أو على مستوى المكتب السياسي الذي سينظر في الصيغ، بعد أن تقدم المؤسسة المكلفة بالمنتخبين اقتراحات في هذا الاتجاه.
إننا نتحدث عن اجراءات تهم التدبير والمس بالميثاق الأخلاقي للحزب وهذه مسألة عادية يتم اتخاذها في الوقت المناسب، ولكن لسنا هنا لتصفية الحساب مع أي كان أو التشكيك في الناس على أساس إدعاءات، كما أننا لا ننوب عن المؤسسات المختصة من قضاء أو إدارة.
في سياق الحديث عن منتخبي "البام" وخصوصا في البرلمان، يبدو أن المتغيّبين منهم، وأغلبهم أعيان ورجال أعمال، أُصيبوا بإحباط لما وجدوا أنفسهم في حزب للمعارضة، بعد أن منّوا النفس بالدفاع عن مصالحهم داخل حزب يقود الحكومة، كما صوّر لهم ذلك إلياس العماري...
لا أظن. والناس الذين نجحوا في الانتخابات شاركوا فيها لينجحوا ويأخذوا لهم موقعا وهم بالمناسبة جدد في حوالي 70% منهم عن هذا المجال وينتمون إلى فئات سوسيومهنية متعددة. ولا أظن أن كل من يترشح للبرلمان جاء ليدافع على مصالحه الشخصية. كما لا أعتقد أن الذين شاركوا في الانتخابات جاؤوا ليدخلوا الحكومة، فالبرلمان مؤسسة مستقلة، أما أن يكون حزبهم في الحكومة فهذا طموحٌ مشروع، لأنه ليس من السياسة في شيء أن يسعى حزب ما للمكوث في المعارضة . وأن يكون هؤلاء متخوفون من هنا وذهبوا إلى هناك، فالأمر يهمهم ولا نحاسب أحدا على ذلك ويشمل جميع الأحزاب تقريبا.
ألا يبدو أن الدولة تخلت عن "البام" وعوضته بالتجمع الوطني للأحرار؟
الدولة اختارت أو لم تختر، ذلك شأنها، ولكن لا أظن أن التجمع الوطني للأحرار سيقوم مقام "البام" ولا "البام" سيقوم مقام "الأحرار". إن حزب الأصالة والمعاصرة حزب وازن له مكانته داخل المؤسستين التشريعيتين الأساسيتين وفي عدد من الجماعات الترابية. أما أن الإخوان في "الأحرار" وغيرهم اختاروا الالتحاق بالتحالف الحكومي فهذا شأنهم وتقديرهم لمرحلة سياسية محددة وأولوياتها.
(مقاطعا) ولكن هناك جدل بين قيادات هذين الحزبين حول مَن يخدم أجندة "البيجيدي"...
نحن لا نحتاج في الحقيقة إلى المزايدات، وتلك آراء شخصية يُعبّر عنها البعض ولا تلزم "البام" في شيء، فالهجوم على "الأحرار" أو التنويه بـ"البيجيدي" رأي شخصي لأصحابه ولا علاقة له بـ"الأصالة والمعاصرة"، ومواقف الحزب تترجمها ما صُودق عليه داخل المؤسسات الحزبية، ولدينا الوثائق الملزمة لنا في التوجّه، ويوم نسعى إلى تغيير هذا التوجه سيكون ذلك من خلال العودة إلى المؤسسات وإعادة النظر في القراءة التي تمت للواقع السياسي والخريطة والمنظور إلى التحالفات... الخ. أما غير ذلك، فهي آراء فردية لا علاقة للحزب بها.
في ضوء هذا التشرذم الحزبي وهذه الصراعات وفي ضوء الخطاب الملكي الأخير ألا ترون ضرورة مصالحة بين الأحزاب أو حوار وطني بينها لتهدأ الأمور، وقد كان العماري قدم اقتراح مصالحة في هذا الشأن، بعد التوتر والتقاطب بين "البيجيدي" و"البام" قبيل الانتخابات، ما خلق نوعا من التنافر بين الأحزاب وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى نفور المغاربة من السياسة والأحزاب؟
يمكن القول إن اللحظة محتاجة إلى قراءة لحالة الأحزاب نفسها، لأن هناك، من جهة، هذا الابتعاد عن العمل السياسي، ومن جهة أخرى، هناك التراجعات المستمرة لعدد من القوى داخل النسيج المجتمعي، ونسبة العزوف عن المشاركة في الانتخابات... هذه كلها قضايا تُسائل الفاعل السياسي بدرجة أولى، ولكن لا يمكن أن يُجاب عنها، كما تم التعامل مع الخطاب الملكي، بالتنويه فقط، بل يستوجب مراجعة أدائنا وآليات اشتغالنا ونفكر في الأنجع للحفاظ على قوة هذه الأحزاب، لأن الديمقراطية في حاجة إلى أحزاب قوية وإلى انخراط فاعل، وتحتاج إلى أفكار من شأنها المساهمة في تطوير التجربة وفي إغناء فكر هذه الأحزاب وفي نشر التربية على المواطنة داخل المجتمع. وإذا لم تضطلع بهذه الأدوار، فلن تكون مفيدة للعملية الديمقراطية، بل ربما تصبح من نقط الهشاشة في البناء الديمقراطي داخل المجتمع، في الوقت الذي تتسع فيه أدوارها ومسؤولياتها. وهذا ما نلاحظه منذ صدور الوثيقة الدستورية في 2011.
هل يمكن أن نتصور نوعا من التقارب بين "البام" و"البيجيدي" بعد فترة إلياس العماري، بل هناك من يتحدث حتى عن حكومة وحدة وطنية في ظل ظرفية ربما تقتضي ذلك؟
المرحلة تقتضي شيئا من المسؤولية وتغليب مصلحة البلاد في الحقيقة، لأن هذه ليست مجالات للمزايدات بين الأطراف. وما يجري من توترات اجتماعية هي نتيجة سياسات، وليس لأن هذا الطرف يحركها أو ذاك، وإذا أخذنا بعض المؤشرات المتعلقة بالتشغيل، ففي عهد حكومة إدريس جطو، كان العرض تقريبا مماثلا لنسبة عدد المتخرجين من مؤسسات التكوين الذي يصل إلى حوالي 150 ألفا. مع حكومة عباس الفاسي انخفضت النسبة قليلا بحوالي 30 ألفا ومنذئذ بدأت التراكمات السلبية، لنصل إلى حكومة عبد الإله بنكيران، في إطار التوجه الاقتصادي والإجراءات التقشفية، نزلنا إلى حوالي 50 ألف منصب سنويا، بحوالي 100 ألف من الخصاص المتعلق بأشخاص يخرجون إلى الشارع... فوضع هؤلاء الآلاف من الشباب، في ظل الأوضاع الاجتماعية المطبوعة بالغلاء وطموح الإنسان لبناء حياته والانخراط في دينامية منتجة وعيش حياة كريمة، يؤدي إلى تعقيد هذه الاختلالات، إضافة إلى مشاكل التقاعد. هذه السياسات تحتاج إلى تقييم فيه نوع من المسؤولية، لأنه لا يمكن أن نبني شيئا على حساب عموم المواطنين. لابد من الأخذ في الاعتبار هذه الأبعاد الاجتماعية، والنقاش ليس هو أن أزايد عليك بهذا الرقم أو ذلك، بقدر ما نحاول تلمّس متطلبات تطوير الآليات التي تقوّي النسيج الاقتصادي المغربي، وتوفر شروط الاستثمار بشكل أقوى، من حيث إصلاح العدالة وسن قوانين وإجراءات لمحاربة الرشوة... إلخ. ولكن، في الوقت ذاته، يجب أن يكون هناك تجاوبٌ مع المطمح الاجتماعي لدى المواطن، لأن هذا هو الهدف والرافعة الأساسية لهذه الدينامية. في هذا الأمر يجب التنافس بين الأحزاب، بتقديم أرقام في مواجهة الأرقام واقتراحات مقابل أخرى، بحيث تصبح الأحزاب منتجة لفكر ولرؤية ولإسهامات في السياسات العمومية التي من شأنها تحصين هذا النسيج، وآنذاك يمكن أن يقوم المكوّن الآخر بالمرافقة. هل نقوم بحوار وطني؟ أنا أعتقد أن هذا لن يكون مفيدا صراحة....
وحكومة الوحدة الوطنية ألا ترى لها فائدة؟
هل هناك تحدٍّ كبير أو خطر يتهدد البلاد أو حرب سندخلها مما يستدعي حكومة وحدة وطنية؟! إذا كانت الدواعي الأساسية متوفرة لهذا الأمر يمكن أن نتحدث بخصوصها، أما أن نطرحها لأننا نعيش أزمة، كفاعلين سياسيين، ولم نستطع المساهمة في التأطير، فأعتقد أن هذا ليس جوابا. وهذا يمكن أن يكون بمثابة تحصين لواقع الحال للأحزاب، أكثر منه جوابا على انتظارات مجتمع.
أريد أن أعود إلى أحداث الريف، ألم تقوموا بتقييم دقيق لما وقع في سياق تقييم عمل المنتخبين، خصوصا أن المنطقة يسيرها ترابيا "البام" عموما؟
في اعتقادي هناك مسؤولية بالأساس في ضعف البعد التأطيري ودور الوساطة للمنتخبين والأحزاب، وهنا يجب أن نقر بذلك بخصوص حزبنا والنظر في كيفية معالجته. وقد أشار الأخ العماري إلى هذا البعد في استقالته.
أما المشاريع التنموية الكبرى ووتيرتها، فتلك مسؤوبية القطاعات الحكومية المعنية ومجال اختصاصها. وهذا ما ينطبق على الريف وعلى غيره من المناطق.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
10 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 11:00