موسى متروف
أعلنت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب عن زيارتها للمغرب خلال الفترة ما بين 21 و27 أكتوبر المقبل، ضمن ما يقتضيه "البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" الذي صادقت عليه المملكة.
ومن المنتظر أن يكون المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المخاطَب الرئيسي للجنة والذي يَعِد، في هذا الحوار مع "مواطن"، بتسهيل مأموريتها، مؤكدا أن الواقع لا يرتفع، وأن للسجل الحقوقي للدولة المغربية جوانب قوة وجوانب ضعف، وإن كان يُصر على أن التعذيب لم يعد منهجيا، بل هو حالات معزولة يتحملها أشخاصٌ تجب مساءلتهم إذا ما ثبت ذلك في حقهم.
في أي سياق تقوم اللجنة الفرعية لمنع التعذيب بزيارتها للمغرب خلال الفترة ما بين 21 و27 أكتوبر المقبل؟
كان المغرب قد صادق، منذ 21 يونيو 1993، على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وفي الولاية السابقة على عهد الحكومة التي ترأسها الأستاذ عبد الإله بنكيران صادقنا على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب. هذا البروتوكول يتضمن مقتضيين مهمين جدا.
أولا، أن الدولة الطرف تقبل بأن تقوم اللجنة الفرعية لمنع التعذيب بزيارات لها وتسمح لها بدخول أماكن الحرمان من الحرية وتلتقي مع المحتجزين حول قضايا التعذيب، وفي هذا الإطار ستأتي هذه اللجنة إلى المغرب في التاريخ المعلن عنه.
وثانيا، يجب أن تنشئ الدولة المصادِقة آلية وطنية للوقاية من التعذيب، لتصبح هذه الأخيرة تبحث بنفسها في مخافر الشرطة أو السجون أو في أي مكان من أماكن الاحتجاز المفترضة لترى إن كان هناك تعذيب أو معاملة أو عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة. إذن لن نقتصر على الآليات التقليدية للوقاية من التعذيب من شرطة أو درك ونيابة العامة، بل ان عمل هذه المؤسسات ستدعمه هذه الآلية الجديدة.
وأين وصل تأسيس هذه الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب؟
لقد اختارت بعض الدول أن تجعل الآلية الوطنية للوقاية عبارة عن لجنة خاصة.
وهناك دول اختارت أن تكون الآلية ضمن المجالس الوطنية ذات الولاية العامة، كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان في حالة المغرب، أو مع مؤسسة متخصصة كما هو الحال بالنسبة للوسيط مثلا أو حتى تابعة للبرلمان في بعض الأحوال.
ونحن سرنا في اتجاه أن تكون الآلية محتضنة من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لأن أغلب الدول تبنت هذا الاختيار. كما أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يبحث في مجال حماية حقوق الإنسان لذلك من الأجدى تفادي إحداث مؤسسات جديدة تعنى بنفس المهام، إذن ستكون هذه الآلية جزءا من مكونات المجلس الوطني لحقوق الإنسان في صيغته الجديدة التي اقترحناها في مشروع القانون الجديد المعروض على مجلس النواب، مع العلم أن هذه الآلية لها معايير لقبول اعتمادها من قبل الآليات الأممية لحقوق الإنسان وأهمها الاستقلالية. وقد عملنا على توفير عناصر الاستقلالية طبقا للمعايير المعتمدة في هذا الشأن.
وماذا عن باقي الآليات الوطنية الأخرى؟
هناك العديد من الآليات التي نصت عليها اتفاقيات الأمم المتحدة، إلا أن المجلس الوطني لحقوق الانسان سيحتضن بمقتضى مشروع القانون الجديد، ثلاثة منها: فالإضافة إلى الآلية الوطنية المنصوص عليها في البرتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، التي تحدثنا عنها، هناك آلية مرتبطة باتفاقية حقوق الطفل، وآلية ثالثة مرتبطة باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري.
وقد قدمتُ مشروع قانون المجلس الوطني الذي يتضمن هذه الآليات في الصيغة الجديدة للمجلس، كما سبقت الإشارة الى ذلك وبعد المصادقة على هذا المشروع سيتم تعيين أعضاء المجلس الوطني، الذين سيتم اقتراح بعضهم من طرف جلالة الملك وآخرون سيقترحهم رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين بناء على معايير في هذا الشأن. وبعد هذه التعيينات، سيكون هناك رئيس والجمعية العمومية للمجلس وسيتم تأسيس الآليات المشار إليها، وضمنها الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، التي أتمنى أن تتأسس في أقرب وقت لحاجة بلادنا إليها، لوضع النقط على الحروف بشأن التعذيب ان كان حقيقة أو ادعاء.
وماذا سيقع بعد تأسيسها؟
بعد تأسيسها وتنصيب أعضائها ستمارس صلاحياتها طبقا للقانون المنظم لها والمعايير الدولية ذات الصلة، في إطار الاستقلالية الممنوحة لها، ستنظر في كل الأمور المتعلقة باختصاصها ولا تطلب إذنا من أحد، لأن القانون هو الذي يعطيها هذا الحق، فهي تبحث وتعد تقارير، فما قام به المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في هذا الشأن، سيتم تقويته مع إحداث الالية الوطنية للوقاية من التعذيب بالنظر للصلاحيات الموسعة والقوية الممنوحة لها. وما سنتوصل إليه يمكن أن نحيله على القضاء نظرا لما ستتوفر عليه تقاريرها من مصداقية وأيضا لمصداقية أعضائها واستقلال رأيهم. وهذا ما يتوفر الآن في الدول الحديثة في مجال الوقاية من التعذيب. اذ أنه إضافة لما حققناه سابقا، في هذا المجال، من مجهودات، لابد من مجهودات إضافية كثيرة...
وما هو واقع الحال فيما يتعلق بالتعذيب؟
أقول بصدق بحكم موقعي السابق وزيرا للعدل والحريات ومسؤولا عن النيابة العامة لأكثر من خمس سنوات، أننا وقفنا مرارا على تعذيب مصدره أشخاص يشتغلون في الدولة لكنهم يخرقون سياستها الثابتة في هذا الشأن، ومن قام بذلك فليتحمّل مسؤوليته. لأن الدولة لا مصلحة لها في تعذيب أحد إطلاقا. فكما المعلم الذي يضرب التلميذ في القسم أو المواطن الذي يضرب آخر في الشارع، أو الرجل الذي يضرب زوجته، هناك أيضا الشرطي الذي قد يعذب غيره ويتسبب للمواطنين وللدولة في مشاكل نحن في غنى عنها. يجب أن تكون الأمور واضحة، إن من يفعل ذلك لابد أن يعتبر جانيا يستحق العقاب بدون تردد ولا مواربة.
يعني هي حالات فردية معزولة؟
هي حالات فردية ليست ممنهجة، وهذا ليس رأي وزير فقط، إذ حتى المؤسسات الحقوقية المستقلة تؤكد ذلك، وعلى سبيل المثال لما زارني الأمين العام لمنظمة العفو الدولية (أمنستي) وناقشنا الموضوع صرح أنه مقتنع بأن التعذيب لم يعد ممنهجا في المغرب وإن أكد على ضرورة التصدي للتعذيب الذي مازال ممارسا في إطار حالات فردية. وأنا أتفق معه تماما، وما ينبغي التأكيد عليه في هذا الشأن هو أننا لنصل إلى "صفر تعذيب" ينبغي التركيز على التربية على قيم حقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية وكافة أطوار التكوين التي يخضع لها الموظف فضلا عن الرقابة اللازمة والزجر الضروري.
في هذا السياق، كيف تستعدون لزيارة اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب في أكتوبر المقبل وأنتم، السيد وزير الدولة، ستكونون المخاطَب لها؟
هذه ليست المرة الأولى التي تزور فيها آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المغرب. فقد زاره حوالي 11 إجراء خاصا بمن فيها الإجراءات ذات الحساسية الخاصة كالمقرر الخاص المعني بالتعذيب وفريق العمل المعني بالاختفاء القسري وفريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي. هي زيارة عادية وإذا كان هناك من استعداد فهو موجود منذ مدة، و"يلا ما عندناش ما عندانش". والحقيقة أنه في أدائنا جوانب قوة وجوانب ضعف كأي دولة، ونحن لن ندعي أشياء ليست لدينا، نعم، قمنا بمجهودات كبيرة ووصلنا والحمد لله إلى ما وصلنا إليه وما زلنا في حاجة إلى مجهودات أخرى. لذلك سنقدم لهم الواقع كما هو ولن نسع الى إخفائه، وحتى إذا أردنا ذلك فلن نتمكّن منه، فإذا أرادت اللجنة زيارة مخفر للشرطة بسيدي بنور أو ازحيليگة أو العيون أو الداخلة أو فگيگ، فلها الحق في ذلك وهي التي تختار، فبماذا سنستعد؟ وإذا أرادت لقاء شخص فلن يكون أمامنا إلا تسهيل مهمتها، ليس بإمكاننا أن نقول له: "الله يخلّيك يْلا ما استرنا"؟ بل ستلتقيه والواقع لا يرتفع، وسنرى المعطيات التي تتوفر عليها وما نتوفر عليه نحن. وأنا أقول، بصفتي محام لأكثر من 30 سنة، ليس كل من ادعى أنه خضع للتعذيب فقد تم تعذيبه، وليس كل من لم يستطع إثبات التعذيب فإنه لم يُعذّب، ذلك أن إثبات التعذيب ليس بالأمر الهين والسهل، بل الحقيقة أن هناك من يدعي التعذيب لأنه عُذب وهناك من يدعيه في إطار الدفاع عن نفسه أمام القضاء للإفلات من العقاب كادعاء انتزاع الاعتراف تحت الضغط والإكراه.
إذن عندما سيأتي أعضاء اللجنة سيكون لهم الحق في زيارة ما يريدون وشرطنا الوحيد هو أن يشتغلوا وفق الإطار المرجعي المنظم لعمل اللجنة وسنكون متعاونين لإثبات إرادة الدولة في محاربة التعذيب وإذا كانت هناك حالات تعذيب، فيتحمل مسؤوليته الأشخاص الذين ارتكبوه وينبغي أن تكون القاعدة هي أن لكل جريمة عقوبة.
وأؤكد أننا حينما صادقنا على البروتوكول الاختياري فلإننا أردنا أن نعرض أنفسنا للمساءلة الأممية والوطنية الدقيقة والدائمة لأن ذلك يمثل سبيلا جيدا لتجاوز الاختلالات الحقوقية في هذا الشأن.
ربما ما سيكون محرجا هو ما يتعلق بحراك الريف لأن معتقلين على خلفيته ادعوا خضوعهم للتعذيب...
على كل حال، أنا لا أصدّق ولا أكذّب، ادعاءات التعذيب، لأن الأطباء الشرعيين هم المؤهلون لتقديم خبرتهم للقضاء، والقضاء وحده المؤهل ليقول إن كان هناك تعذيب أو لا وجود له، وإذا تبث شيء منه فلابد من متابعة الجناة ومعاقبتهم طبقا للقانون.
إن من أوجب واجبات الدولة تطبيق القانون دون تردد في حق كل من يرتكب هذه الجريمة النكراء، ولا يجوز أبدا التستر على الجناة، لأنه في هذه الحالة يصبح التستر نفسه جريمة تضاف الى جريمة التعذيب، وإذا حصل شيء من ذلك، فقد يعني شيئا واحدا أننا على مسافة كبيرة من دولة القانون واحترام حقوق الإنسان، وهذا الأمر الذي لا يمكن قبوله، وبهذا المعنى يصبح الموضوع من مسؤولية الجميع، كل حسب موقعه ودوره، بما في ذلك المجتمع المدني الذي لا تخفى أهمية نضاله بكل الوسائل المتاحة قانونا.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
10 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 11:00