حاوره موسى متروف
نور الدين عيوش، رجل الإشهار والتواصل، المعروف والمثير للجدل، له تحليله الخاص لـ"أسلوب" رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني، ولا يتوانى عن مقارنته بسلفه على رأس الجهاز التنفيذي عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. واعتبر عيوش أن هذا الأخير كان يعتمد على التواصل على عكس العثماني الذي يعتمد على العمل، معبرا عن تفاؤله بإصلاح بعض المجالات، وعلى رأسها قطاع التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الذي آل إلى محمد حصاد.
كيف تلقيت اختيار سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة خلفا لعبد الإله بنكيران؟
يبدو لي أن اختيار سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة كان أحسن اختيار بالمقارنة مع الوضع الذي كنا نعيشه مع عبد الإله بنكيران، وهو المشكل الذي وقع مع الدولة ومع الملكية بسبب تصرفاته. أنا أتأسف على ما وقع ولكن ما وقع وقع، وأظن أن اختيار الملك كان أحسن اختيار لأنني أقدر العثماني، الذي أعرفه كصديق وسبق لي أن عملت معه، وأعلم أن لديه حسّ كبير بالمسؤولية ولا يتدخل في عمل الآخرين. فهو يعمل مع الناس بأسلوب عمل الفريق، ويستمع إليهم وما إلى ذلك.
هل يمكن أن نستشف أسلوب العثماني من تجربته السابقة كوزير للشؤون الخارجية في الحكومة الأولى لبنكيران؟
ما قام به العثماني في وزارة الشؤون الخارجية شيء آخر ومضى، ربما نجح في أشياء ولم ينجح في أخرى. وأظن أن ما بدأ به الآن كرئيس للحكومة جيد، لأنه لم يخلق أي مشكل، ورئيس الحكومة لا يجب أن يكون له دور أن يُظهر نفسه أو يعمل لصالح حزبه. يجب أن يخدم مصلحة البلاد ومصلحة الحكومة. وهذا ما يعجبني في شخص العثماني، لأنه يبيّن أنه يعمل لمصلحة بلاده.
ثم إن لديه تجربة جيدة في السياسة، لأنني تكلّمت معه، وظهر ألا أنانية فيه ولا يظن أن الحزب هو الأساس، بل الدولة هي العماد. وقال "نحن لا نتفق مع ما وقع، سواء خروج بنكيران أو الوزارات التي حصلنا عليها ولكن علمنا أنه يجب أن نعمل لمصلحة البلاد ومستقبلها". ويعترف بأنه ليس لديهم (في حزب العدالة والتنمية) الكفاءات التي تتطلبها وزارات من قبيل وزارة المالية، رغم أن إدريس الأزمي الإدريسي كان يعجبني في عمله، وأقدره لما قام به، ولا ننسى كل هذا، فضلا على أنه الآن عمدة مدينة فاس ولا يجب أن يكون وزيرا أيضا، لكن لا أظن أن هناك كفاءات أخرى غيره. وهناك الوزارات الأخرى، من قبيل وزارة الفلاحة، من تعرف غير عزيز أخنوش يمكن أن يتقلدها ويقوم بما قام به؟ لقد قام بإنجاز كبير، وهذا يعترف به الكل، داخل المغرب وخارجه، وأنا تتبعته في الاجتماعات والمؤسسات وحضرت معه في مراكش ومكناس، ورأيت كيف يعترف الناس بقيمته وقدرته. ماذا بقي؟ بقيت وزارة التربية الوطنية، فلمن يجب أن تعطى؟ يبدو لي، وللأسف الشديد، أننا لا نتوفر على كفاءات متخصصة في التربية بالمغرب ولكن اختيار الملك، وليس غيره، لمحمد حصاد، الذي أعرفه وأعرف قدرته، اختيار عظيم.
لماذا تحديدا؟
يجب أن نفكر في كون أنه إذا تم اختيار أستاذ، أو شخص من حزب أو نقابة، لا يمكن أن يعمل إلا في إطار عقلية معينة، وحصاد ليس أستاذا ولا يتنمي لنقابة أو حزب، وقد تم إدخاله لحزب الحركة الشعبية وهذا جيد، ربما "يتقدم" ذلك الحزب ويتحسن شيئا ما، لأنه كان يحتاج إلى التحريك من الداخل، ويحتاج إلى كفاءات لا تتوفر لديه كثيرا، للأسف، وهذه "غمزة" جيدة. إذن حصاد سيقوم بعمل جيد جدا في مجال التربية.
تبدو متحمسا لحصاد، هل تعتقد أنه يمكن أن يسايرك في تصورك، خصوصا إدخال الدارجة إلى التعليم؟
لا أعلم في الحقيقة، لأن الإنسان عندما يصبح وزيرا تتغير رؤيته ويكون لديه تخوف من المسؤولية مع الجميع، وللأسف، وهذا شيء غير جيد في المغرب، هو أن الوزراء في أي سياسة يبحثون عن الإجماع ولا تكون لديهم جرأة وشجاعة للسير إلى الأمام. وقد رأيت الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون كيف وصل إلى الحكم بالرغبة في التغيير وفي اتخاذ سياسة عكس ما كان قبله، وهكذا يتطور الإنسان. المهم الوزير عندنا يحاول أن يتفادى المشاكل، والمشكلة أنه كلما تفاديت المشاكل كلما وقعت فيها. والإنسان لا يجب أن يكون هكذا ولكن هذه هي السياسة في المغرب. وسنرى ماذا سيفعل حصاد. ولكن حتى في المجلس الأعلى للتعليم (الذي هو عضو فيه)، هناك تخوفات ولا يسمون الأشياء بأسمائها، فالدارجة مثلا يسمونها "اللغة المتداوَلة"، ولا يريدون أن يسموها لغة الأم، "هم يقولونها دون أن يقولوها". واللغة المتداولة قد تكون الفرنسية أو تاشلحيت أو أي لغة أخرى. وصارعت من أجل ذلك ولكن "الله الله" وهذا ما يزعجني في هذه البلاد. واللغات في المغرب مشكل كبير. وإذا قلت لهم إنه لابد من تحديث اللغة العربية يقولون إن المشكل في عدم إتقان تدريسها. فلديهم الأجوبة جاهزة دائما، كما يرددون أن اللغة العربية مقدسة وأنها لغة القرآن... طبعا اللغة العربية عظيمة لكن لابد من تطويرها وتحديثها...
نعود إلى العثماني والكفاءات...
نعم، هل تظن أن العثماني لا يعرف كل ما ذكرتُ؟ إنه يعرف كل ذلك ويقدّر المسؤولية ويعلم ما لديه ويعلم القدرة التي يتوفر عليها والتي لا يتوفر عليها ويعرف الإمكانيات التي يتوفر عليها والتي لا يتوفر عليها، وهو يعلم أنه لو قام بالتصرف الذي كان يقوم به بنكيران لن ينجح أبدا.
إذن، في تصورك كرجل إشهار وتواصل، لن يكون العثماني ظاهرة تواصلية كما كان بنكيران؟
لا أبدا، هو لا يتّكل على هذا ولا يحبه تماما. لأنه لا يحب أن يستعرض شخصيته وعمله في إشهار أو عمل تواصلي، ولا يحب الحديث بتلك الطريقة التي تعتمد الضحك وما إلى ذلك، وهو ليس عبوسا ولا ضاحكا، هو رجل العمل "زيد زيد، گود گود"، ونحن نحتاج إلى أناس في المغرب يعملون بهذه العقلية، لا أن يقوموا "بالسينما والمسرح" وما إلى ذلك.
تشير إلى بنكيران طبعا؟
أعترف لبنكيران بقدراته وبكونه رجل متواضع، ولكن، للأسف، يقوم بالتواصل الذي بدا أنه أكثر من عمله، وكان يخلط بين عمل الحزب وعمل الدولة. ومع العثماني لن يقع هذا، وها قد رأيتَ الذكاء في قرار الملك بتعيين العثماني، لقد تشكلت الحكومة في أسبوعين، وطبعا اتُّخِذ القرار بأن تدخل الأحزاب الأخرى وتعمل في هذا الاتجاه، ولكنه لم يخلق مشكلا، قال لهم: "هذا ما تريدون؟" وشرعوا في المفاوضات للتساؤل حول الكفاءات بينهم لمصلحة الدولة، وتم إدخال الكفاءات وهذه هي طريقة العثماني وأعرف أنه يعمل لمصلحة الدولة. لقد تتبعنا عزيز الرباح عندما قال مؤخرا "لايجب أن نعمل دائما لمصلحة الحزب، يجيب أن نؤخر أحيانا مصلحة الحزب إلى الوراء وننظر في مصلحة الدولة" وذكّر بما وقع في البلدان الأخرى التي لم يحددها، ولكننا رأينا ما وقع في مصر وفي دول أخرى.
ألا يضر ذلك بالديمقراطية الناشئة في المغرب؟
طبعا هناك أشياء في الديمقراطية نتوفر عليها وهناك أشياء أخرى لم نصل إليها، نحن في الطريق إلى الديمقراطية، ومن قال بأن لدينا الديمقراطية فهو يكذب. نحن في فترة انتقال ديمقراطي، فيه مشاكل، وهناك أهمية كبيرة للملكية ولابد أن نعترف بها لها، وإذا قلنا لها "هذا لنا وليس لكم"، لم نحصل على شيء. وقد منح الدستور للملك حق إعفاء الحكومة إن أراد، وهذا ما قام به بإعفاء بنكيران بعد أن بقي لخمسة أشهر ولم يتوفق في تشكيل الحكومة، كأنه قال له "فشلت في ذلك وأنا أعفيك". كل هذا قانوني ومعترف به في مؤسساتنا ودستورنا. وحتى في الديمقراطيات العريقة إذا لم يحصل الحزب الأول على الأغلبية يلجأ إلى أحزاب أخرى حتى وإن اختلفت في توجهاتها معه.
إذن سيكون للعثماني أسلوبه الذي سيطبع به رئاسة الحكومة؟
هذا الأسلوب هو الذي يحتاج إليه المغرب في مثل هذه الوضعية، يجب أن يعمل كل الوزراء ولا يجب أن يتركوا الملك يقوم بكل الأعمال المهمة، ولا أن يختبئوا وراء الملك ويقولوا عن كل عمل مهم إن الملك هو من يجب أن يقوم به. من منعكم من ذلك؟ من منعكم من إنجاز أعمال مثل "نور" للطاقة الشمسية، أو ميناء طنجة المتوسط؟ لماذا ينتظرون إنجاز الملك ثم يقولون إن الملك يقوم بكل شي؟ هل يريدون أن يدع البلاد وهي "تسقط" ولا تسير إلى الأمام؟ حتى الوزراء يجب أن يعملوا هكذا، وأتمنى أن تنجز الحكومة الحالية أعمالا مهمة، وتحارب البطالة التي وصلت إلى مستويات مرتفعة وتصلح وضع المدرسة المغربية التي وصلت إلى أسوأ مستوى، وأتصور أن حصاد، سيقوم بعمل جيد، وسيقوم بعمل لن يتفق الجميع عليه، وأقبح شيء أن يتفق الجميع معه، لأننا إذا اتفقنا جميعا فلن نخرج شيئا صالحا لتغيير وضع التربية. وكنت قد قلت بأن السياسة والإيديولوجيا لا يجب أن يكون لهما مكان في التربية والحمد لله هذا ما وقع وأتمنى للوزير النجاح وأتمنى للعثماني النجاح أيضا لأن له دور مهم كرئيس حكومة، وطبعا الوزراء الذين معه فيهم الصالح والطالح ولكن هذا ما لدينا اليوم، ويمكن أن يحققوا أهداف محددة في التربية والثقافة والاقتصاد والصحة والعدالة حتى يسيروا إلى الأمام، أما إذا لم يقوموا بذلك أو انتظروا أن ينزل الأمر من فوق فلن يحققوا شيئا.
05 décembre 2022 - 17:00
05 août 2022 - 10:00
29 juin 2021 - 17:30
05 mai 2021 - 11:30
15 mars 2021 - 22:01
10 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 12:00
12 avril 2025 - 11:00