بقلم : عزيز بوستة
هل يجب أن نصدق أنّ أي شخص يمكنه أن يحكي أي " كلام" للرأي العام المغربي ويمضي الأمر مرور الكرام بلا عقاب؟ يبدو أنّ الأمر كذلك. لقد سمعنا رئيس الحكومة يعرض خطابا بجرعات عالية من الرضا عن النفس أمام محاورَين تحليا بقدر من اللياقة فلم يلحّا كثيرًا. أيّ مسؤول سياسي كان سيفعل الشيء نفسه، لكنه يعلم أنّه سيُعرض نفسه لاحقًا للنقد السياسي. غير أن ما حصل بعد ذلك هو صمت. حزب التقدم والاشتراكية تفاعل باقتضاب على شبكات التواصل، وحزب العدالة والتنمية ردّ بلهجة أكثر حدّة. وهذا تقريبًا كل ما في الأمر، باستثناء الغضب الكبير على مواقع التواصل.
في السنة المقبلة وحين ستسمح الظروف – ونتساءل: أي ظروف تحديدًا؟ – سنشهد هجمات شرسة على التجمع الوطني للأحرار ورئيسه، من كل الجهات، حتى من أحزاب الأغلبية نفسها، الأصالة والمعاصرة والاستقلال. لكن تلك الهجمات ستبدو جوفاء. لأنّ ما قاله عزيز أخنوش في خرجته التلفزيونية الأخيرة يورّط هذين الحزبين أيضًا؛ فقد أكد بوضوح أنّ الأغلبية واحدة وأنها ستظل متماسكة إلى حين انطلاق المنافسة الانتخابية. فإذا لم يكن البام والاستقلال موافقين على هذا الكلام، فعليهما أن يعبّرا عن موقفهما الآن… أو أن يلتزما الصمت إلى الأبد.
النقطة الوحيدة التي قد يلتقيان حولها مع أخنوش هي الهجوم المتكرر على الحكومات السابقة، التي – حسب رأيه – لم تحقق إنجازات تذكر. الاستقلال كان قد غادر الحكومة سنة 2013، فيما لم يشارك البام في أي حكومة منذ نشأته الحديثة. أما التجمع الوطني للأحرار، فكان حاضراً قبل وبعد وصول العدالة والتنمية إلى السلطة. لكننا في المغرب لم نعد نستغرب من سرد مثل هاته التناقضات.
حزب التقدم والاشتراكية عبّر عن موقفه عبر رسالة مصوّرة من أمينه العام نبيل بنعبد الله، ورئيس منتدى الاقتصاديين بالحزب محمد بنموسى. الأول تحدث عن “غياب التواضع” و“التعالي” وعن “أرقام مغلوطة”، داعياً إلى “المقاومة” – إلى الأمام أيها الرفاق! أما الثاني فخاض في التفاصيل، مستعرضاً ما اعتبره ثغرات في أداء رئيس الحكومة، لكنه دعا في النهاية إلى فتح نقاش متكافئ بين المعارضة والأغلبية وهو موقف منطقي، لكن البام والاستقلال، مهما استشعرا الحاجة لانتقاد أداء أخنوش الإعلامي، فلن يجرؤا على ذلك علناً، وربما اكتفيا بالهمس في صالونات مغلقة.
والحق أن ما قاله محمد بنموسى يعكس حقيقة مُرّة: “نحن أمام مهزلة ديمقراطية يكون فيها المواطن، مرة أخرى، ضحية ممارسات فاضحة لطبقة سياسية بعينها.”
لكن بالمقابل يبقى موقف العدالة والتنمية، الذي دوّى بصوتي شخصيتين بارزتين هما سعد الدين العثماني، وإدريس الأزمي الإدريسي. فكلاهما فنّد تصريحات رئيس الحكومة، متهمَين إياه بتزوير الواقع الاقتصادي والاجتماعي. العثماني ردّ إجمالا تاركاً لنفسه هامشاً للتوسع لاحقاً. أما الأزمي فدخل مباشرة في التفاصيل.
ما كشفه الأزمي خطير للغاية. ففي ديمقراطية مثالية، كان ملفا تحلية مياه الدار البيضاء وأزمة القطيع سيُحالان إلى مؤسسات الرقابة والحكامة، وربما إلى القضاء. الأزمي اتهم رئيس الحكومة بالمحاباة والتقصير في ملف رؤوس القطيع، مذكّراً بأن الأرقام الرسمية أدت حتى إلى إلغاء ذبح الأضاحي. أما في ما يخص صفقة محطة تحلية الدار البيضاء، فقد أجاب رئيس الحكومة عن سؤال بدا جريئاً في شكله، لكنه كان متساهلاً في مضمونه، بينما وجّه الأزمي اتهاماً صريحاً بوجود تضارب مصالح واستغلال للمعلومة.
في نظام ديمقراطي سليم، مثلما يتمنى بنموسى ويأمل معه المغاربة، فإن هذه الاتهامات لا يمكن أن تمر مرور الكرام. يجب أن تتابَع قضائياً، وأن تتحرك مؤسسات الرقابة كالمجلس الأعلى للحسابات ومجلس المنافسة. فإما أن يكون أخنوش قد حرّف الحقيقة، أو أن الأزمي قد افتراى عليه، وفي كلتا الحالتين، لا بدّ من حكم قضائي يفصل بين الطرحين.
اللافت أيضاً صمت نزار بركة، وزير التجهيز والماء، المسؤول المباشر عن مشروع محطة التحلية. فمعروفٌ عن الرجل نزاهته، لكن امتناعه عن الكلام في هذه القضية يثير التساؤلات، مثلما يثير صمته حيال أسباب أزمة المياه التي تضرب المغرب. وصمتُ أحزاب الأغلبية الأخرى بدوره مقلق، إذ يضعها شريكة – على مضض – في الحصيلة المثيرة للجدل التي قدّمها رئيس الحكومة والمرتبطَين أيضاً بما سماه نبيل بنعبد الله "تورطات" رئيس الحكومة أو عدم صدقية أرقامه.
هكذا يتضح حجم المأزق أزمة حكامة حقيقية، تصاعد الشبهات، وتزايد الشكوك في النفوس. وفي غضون عام فقط، ستجري انتخابات ستفرز حكومة جديدة تتولى تدبير ملفات كبرى، من المونديال وما يثيره من اهتمام عالمي بالمغرب، إلى تحديات التحول الديمغرافي والرهانات الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
وفي الأثناء، سيكون علينا أن نتعايش مع شكوك عميقة تحوم حول نزاهة القادة السياسيين، إذ يبقى من الضروري، بل من الملحّ، كشف الحقيقة كاملة بخصوص ملف القطيع وصفقة تحلية مياه الدار البيضاء. فلننتظر ما ستؤول إليه التطورات.
15 septembre 2025 - 10:00
14 septembre 2025 - 13:00
11 septembre 2025 - 15:00
11 septembre 2025 - 09:00
10 septembre 2025 - 17:00