عزيز بوستة
يحق لنا انتقاد عبد اللطيف وهبي بقدر ما نشاء، بل قد يكون ذلك مبررًا في العديد من المناسبات. لكن لا يمكن إنكار مصداقيته حين يقف في وجه مخالفي القانون في الفضاء الرقمي، أولئك الذين يروّجون الأخبار الزائفة، غير آبهين إلا بالأرباح التي يجنونها من وراء النقرات، في اندفاعهم الأعمى ضد كل شيء وكل شخص.
نعم، حرية التعبير قيمة سامية، لكنها، كغيرها من القيم، تحتاج إلى ضوابط وتأطير يحميها من الفوضى والانحراف. فالأشخاص الذين يُطلق عليهم اسم "المؤثرين"، وأحيانًا يلقبون أنفسهم بـ"نشطاء الإنترنت"، ليسوا في الواقع سوى باعة كلام. كلما كانت تصريحاتهم أكثر جنونًا وراديكالية، زاد جذبهم للمستخدمين، وبالتالي تضاعفت أرباحهم المالية.
لكن الأهداف تختلف: فغالبًا ما يتحدث هؤلاء دون امتلاك أي معلومات أو أدلة، في حين أن المتلقين – أو ما يُفترض أنهم متلقو "المعلومة" – يفتقرون في كثير من الأحيان إلى الأدوات النقدية التي تمكّنهم من التمييز بين الصحيح والزائف.
مؤخرًا، أوقفت الشرطة عائلة وتم استجواب أفرادها، مع وضع بعضهم رهن تدابير الاعتقال الاحتياطي في انتظار محاكمتهم. من بين هؤلاء فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا، تم إيداعها في مؤسسة لرعاية الطفولة، وهو ما أثار جدلًا واسعًا في صفوف الرأي العام.
جميع هؤلاء الأشخاص هم من أقارب هشام جيراندو، اليوتوبر الذي اعتاد الصراخ من كندا، متهمًا مسؤولين من مختلف الأجهزة والمؤسسات بجرائم دون أدلة، ما زج بعائلته في المغرب في دوامة مشاكله.
هل هذه "التنديدات" صحيحة أم مزيفة؟ لا أحد يعلم، فالمهمة تقع على عاتق القضاء للفصل في الأمر. وقد بدأ عمله بالفعل، وهو عمل قابل للتحسين والمساءلة. فجميع مؤسسات الحكم، المعارضة، والرأي العام، لها الحق في رفع الصوت إذا لم يقم القضاء بواجبه على أكمل وجه، ولكن طبعًا في إطار احترام صارم للقوانين والإجراءات.
في الأشهر الأخيرة، خرج هشام جيراندو عن الإطار المقبول. فتصريحاته لم تعد مجرد "انتقادات"، بل أصبحت تطال مؤسسات الدولة والملكية، التي يجب حمايتها. قد يقول البعض إن حرية التعبير تعني أن كل شيء يمكن قوله، لكنهم مخطئون. فليست كل فكرة قابلة للتداول، ولا كل رأي يستحق النشر؛ فهناك قوانين، قواعد، عقائد، وتقاليد يجب احترامها.
جيراندو، في اندفاعه وراء الربح، لم يعد يهتم سوى بجذب أكبر عدد من المشاهدات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مصلحته في الزعم بأن الملك يواجه "انقلاب في القصر"، أو أنه "ضحية لممارسات سحر وشعوذة"، بالتواطؤ مع مسؤولين كبار في الدولة.
لا يمكن لأي شخص عاقل قد يصدّق هذا النوع من الادعاءات من يمكن أن يقتنع بوجود "انقلاب"، أو "استيلاء سري على السلطة"، لا مصلحة لهذا الشخص في كل ذلك سوى النقرات، لأن النقرات مربحة، وتدرّ على صاحبها ما يقارب 10,000 دولار كندي شهريًا عبر مشاركة الأرباح الإعلانية.
إضافة إلى أن الرجل لا يدافع عن أي أيديولوجية أو موقف سياسي أو فكري. فهو حين يتحدث أمام الكاميرا، لا يفسّر شيئًا، لا يثبت شيئًا، بل يكتفي بتوزيع التهم بشكل عشوائي. يذكر أسماء مسؤولين على الملأ، دون دليل، مستغلًا صمتهم أو صمت القضاء ليجعل البعض يصدق افتراءاته. بل انه حتى في حالات الوفاة، مثل وفاة السياسي عبد الله بها أو عبد الحق الخيام، يلمّح إلى "مؤامرات" دون أن يقدم أي إثبات، مستعينًا فقط بنظرات استفهامية وابتسامات مريبة وإيماءات مواربة.
لو لم يتدخل القضاء في هذه القضية، لكان ذلك غير مبرر، ولكان سيفتح الباب أمام تكهنات لا نهاية لها. وإذا ثبت أن قاصرًا متورط في هذه الدوامة، فإن القانون والحقوق يحمياه من أي تعسف، في ظل اهتمام الرأي العام بقضيته.
لكن في النهاية، لا ينبغي للقضاء أن يخضع للعواطف أو أن ينجرّ وراء الملاحقات التعسفية. المطلوب هو أن يقوم بواجبه في إطار العدالة، بينما يبقى للمجتمع دوره في مراقبة هذه العملية دون تحيز.
اليوم، نجد شخصيات مثل دونالد ترامب، إيلون ماسك، وبيتر ثيل يسيطرون على مشهد وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لم تعد هناك حدود للمعلومات المتداولة، حتى وإن كانت خاطئة. الإنترنت بين أيديهم ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل أداة للهيمنة على السلطة وزعزعة استقرار الدول، وهم لا يخفون ذلك، بل يعلنونه صراحة.
لقد بدأ هذا الأمر بالفعل، ولا يمكن السماح باستمراره. من الضروري أن تدافع الدول عن نفسها، وأن تضع حدًا لهذه الأكاذيب والتشهير المنظم، الذي يهدف إلى نشر الشك، ثم الذعر، ثم الفوضى.
يصول هشام جيراندو ويجول في كندا، حيث سبق أن تمت مقاضاته وإدانته بسبب تهديداته وإساءته للمحكمة. لكن الكنديين، الذين يبدو أنهم لم يدركوا بعد كيف تغيّر العالم، لا يلقون بالًا لهذه الفيديوهات التحريضية، معتبرين أنها "شأن مغربي داخلي". والغريب أن هناك مغاربة، رغم تعليمهم ومعرفتهم، يلومون الدولة على "تكميم الأصوات الحرة"، دون أن يدركوا حجم الأضرار التي تلحق بالأشخاص الذين يتم اتهامهم زورًا. فالمسؤول المغربي، حتى وإن كان سياسيًا أو أمنيًا، هو في المقام الأول إنسان، وله أيضًا حقه في الكرامة، وهو أمر نميل إلى نسيانه.
في عالم يزداد خطورة يومًا بعد يوم، حيث تتنامى الشكوك وتبدو الآفاق أكثر قتامة، لا بد من الاختيار: إما الإيمان بالدولة، مع وضعها تحت رقابة قانونية ومؤسساتية، وإما الانسياق وراء ترّهات المقامرين بمصير الشعوب. إما تعزيز المؤسسات ضمن الحدود المقبولة، أو الدفاع عن أشخاص لا يعدو أن يكونوا سوى مستغلين لسذاجة الناس ومستثمرين في مشاعر الحقد والسخط.
أما الأجهزة الأمنية، والقضاء، والمؤسسات، فكلٌّ يؤدي دوره من موقعه. وبالنسبة للمَلكية، فهي في موقعها الصحيح أيضًا، رغم ما قد يزعج ذلك بعض الأصوات الناشزة، على غرار هشام جيراندو، الذي يمثّل نموذجًا صارخًا للتهديدات الرقمية التي تواجه العالم اليوم، والمغرب على وجه التحديد.
04 août 2024 - 20:00
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00