عبد القادر الفطواكي
عادة ما يهتم الجمهور ووسائل الإعلام بالفنانين والنجوم، متجاهلين عدد من الذين يعملون في الخفاء، ويقفون وراء نجاح هؤلاء الفنانين، ويصنعون بعضا من نجاحاتهم ويهندسون خطواتهم الفنية.
مهنة إدارة أعمال الفنانين، واحدة من المهن الجديدة، التي أصبح عدد من الفنانين المغاربة يستنجدون بخدماتها من أجل ضمان تموقع أفضل في المشهد الإعلامي، والمشاركة في عدد من التظاهرات. فمهنة مدير الأعمال أو "الماندجير" كما يحلو للبعض تسميتها، تتطلب جهدا وحنكة كبيرتين في كل ما يتعلق بالنواحي الإدارية والفنية المرتبطة بعمل النجوم، وذلك في سبيل تحسين صورتهم وتطوير أدائهم والحرص على تسويق أعمالهم بالشكل اللائق و المطلوب، وكذا ضمان مشاركتهم في مختلف الحفلات و المهرجانات والتظاهرات الوطنية أو دولية.
يقول مجيد التازي مدير أعمال عدد من الفنانين المغاربة والعرب، أن ثقافة الـ"منادجير" أو إدارة أعمال الفنانين، أصبحت تشهد انتشار كبيرا في السوق الفنية بالمغرب، خلافا لما كانت عليه مع السابق، لكنها للأسف وبموازاة هذا التقدم، أصبحت مهنة "منادجير" مهنة ما لا مهنة، في ظل اقتحام عدد من المتطفلين هذه المهنة، من دون أن تكون لهم أدنى فكرة عن شروط التي يجب توافرها في مدير أعمال الفنان.
وتتمثل هذه الشروط حسب التازي، في "الاحترافية" وهي شرط ضروري وأساس للنجاح في هاته المهمة، بالإضافة إلى القدرة على إقامة علاقات اجتماعية متشعبة مع عدد من الفاعلين والمتدخلين في المجال الفني، زد على ذلك قدرة المدير الفني على التفاوض والإخلاص والثقة المتبادلة في العمل، وهي أمور تغيب حسب المتحدث عن عدد من الذين تطفلوا على المجال "ما يبرر التسويق السيء لصور عدد من النجوم الذين سقط بعضهم في فخ النسيان، أو في مشاكل كبيرة مع منظمين ومتعهدي الشركات الخاصة فيما يخص توقيع العقود واستخلاص المستحقات المادية".
وأضاف التازي، الذي راكم 18 سنة من التجربة في هذا الميدان، أن إدارة أعمال الفنان من أصعب المهن على الإطلاق، لاسيما وأن عددا من الفنانين المغاربة ومتعهدي الحفلات والمهرجان لم يستوعبوا بعد هذه الثقافة الجديدة في التواصل، والتي تسهل عملية تحضير الفنان وجعله منتوجا جاهزا للمشاركة في أي عمل فني و من دون مشاكل، حيث يسعى عدد منهم إلى الاتصال مباشرة بالفنان، من أجل الحصول على "أسعار" أقل نظير حضوره لاحدى السهرات أو المهرجانات، متجاوزين مدير الأعمال، والذي ومن دونه لا تستقيم تلك العملية بالشكل القانوني المطلوب ما يمهد لمشاكل تصل في بعض الأحيان إلى ردهات المحاكم.
نفس المشاكل والاهتمامات تتحدث عنها مديرة الأعمال خديجة مصدق المشهورة في المجال الفني بـ"كاتي"، وهي واحدة من ابرز الأسماء النسائية في هذا المجال الذي لم يعد حكرا على الرجال، وهي من ساهمت في صناعة شهرة الفنانة "زينة الداودية".
وتقول المتحدثة، انه ومن واقع إدارتها لأعمال عدد من الفنانين المغاربة، أن أسباب اندلاع الخلافات بين الفنانين ومديري أعمالهم، تنتج عادة في حالة فقدان الثقة، وبالتالي يتربص كل طرف بالآخر، ويتحين الفرص للانقضاض عليه، وقد تتطور الأمور لتصل اقسام الشرطة وفي بعض الأحيان للقضاء إذا لم يتدخل بعض الأصدقاء المشتركين لحسم الحلافات ووأدها قبل أن يتطور ووصولها إلى المحاكم.
وترى "كاتي" أن الاحترافية، أهم من صلة القرابة أو الصداقة في مهنة مدير الأعمال، وهي وصفة تقود الفنان إلى النجاح بغض النظر عن الكسب المادي، حيث دللت على رأيها بالقول أن غالبية الفنانين الذين حققوا نجوميةً واسعة، وظلوا في القمة، يقف وراء نجاحهم مدراء أعمال محترفين، حتى لا يؤدي "جهل" الفنان بتلك التفاصيل إلى توريطه فيما يضر بنجوميته، ويفقده حب الجمهور أو يثير غضب الصحافيين منه.
وأضافت خديجة، أن بعض الفنانين، يتخذون أحد أصدقائهم أو المقربين منهم مدراء لأعمالهم، وهو قرار يعجل بأفول نجم الفنان قبل بزوغه، فمراكمة التجربة والدراية الفنية الكافية بعوالم هذا الميدان ضرورية للمدير الفني، فهو المسؤول الأول عن اختيار استوديوهات التسجيل و الموسيقيين والكورال على سبيل المثال، وهو مطالب كذلك بالإشراف على مسلسل إنتاج و تصوير الأعمال الفنية ومتابعتها المادية والفنية من بداية من عملية "الميكساج" و"الماستوريتغ" وتصوير الكليب و"البرومو"، وكذا المشاركة في مراقبة "التيمبو" و المقامات التي يجب أن يغني عليها الفنان والتي أنجزها الملحن و الكاتب، وهي أمور وجب على "المنادجير" ضبطها، سر أخر في نجاح وظيفة مدير الأعمال تضيف"كاتي" تكمن في ضرورة توفره على أذن موسيقية تلتقط كل الألحان الجميلة و تلفظ النشاز.
أما فيما يخص المقابل المادي فتضيف "كاتي" التي إشتغلت بالميدان لما يفوق 20سنة أنه يوفر مورد رزق محترم بالرغم من موسميته، مضيفة أن نسبة تعويض مدراء الأعمال تختلف من فنان لآخر وتتدخل فيها أمور عديد، أولها شهرة الوجه الفني وموقعه في الساحة الفنية، بالإضافة إلى نسبة الطلب عليه في المهرجات و التظاهرات والتلفزة كذلك، وهي محددات تستخرج منها نسبة أرباح "الماندجير" الشهرية من جهة، والموسمية حسب السهرات و التظاهرات و"البلاطوهات"، التي نجح المدير الفني، في ضمان مشاركة الفنان الذي يشتغل لحسابه في أحدها، وتتأرجح التعويضات تضيف المتحدثة، ما بين 20 إلى 30 بالمائة وقد تصل إلى 50 بالمائة في بعض أحيانا.
فيما يرى سعيد هادي مدير أعمال عدد من الفنانين المغاربة والجزائريين، والمقيم بمدينة تولوز الفرنسية، عكس ذلك، مشيرا أن المغرب لا يتوفر على مدراء أعمال محترفين وحقيقيين، وأن جل من يعتقدون أنهم يمتهنون هذا المجال لا يمارسون في حقيقة الأمر إلا مهنة "ريجيسور"، لأن معظمهم لا يعلم من أين تبدأ ولا أين تنتهي مسؤولية صاحب هذه المهنة، والتي لا علاقة لها بإقحام اسم الفنان و ضمان مشاركته في احد المهرجانات فقط، بل هي فن وحرفة قائمة الذات تتطلب من ممتهنيها توفر عدد من الشواهد و الديبلومات و الخبرة الكبيرة من أجل النجاح في صناعة نجم متكامل، فـ"المنادجير هو من يرفع من شأن الفنان أو يقبر نجمه.
"الماندجير"، يضيف الهادي هو المسؤول الإداري و الفني و التقني في تسيير كل كبيرة و صغيرة عن عمل النجوم، و كل ما يدور في فلك عملهم، فهو المسؤول عن شكل وإطلالة الفنان وطريقة كلامه، وكذا خرجاته الإعلامية، واختياراته الموسيقية، فهو رئيس الفرقة في كل تعاملات الفنان، وصلة الوصل بين عدد من المتدخلين في الحلقة الفنية للنجم الذي يدبر أعماله.
وأكد هادي الذي اشتغل إلى جانب عمالقة فن "الراي" أمثال لشاب "خالد" و"بلال "والشابة "ماريا" وعدد من نجوم الأغنية الشعبية المغربية في المغرب و أوروبا، أن التسويق الرقمي للفنان بالمغرب مازال مدراء الأعمال المغاربة متأخرين فيه بحوالي 10 سنوات.
تلك نقطة مهمة يجب أن يشتغل عليها مدراء الأعمال بشكل سريع لأن التكنولوجيا الرقمية هي المستقبل، وليس التهافة على مشاركة نجومهم في المهرجانات وتدوين أسمائهم في صفحات السهرات الخاصة، لأن عمل مدير الأعمال مع الفنان لسنوات والحرص على اختياراته الموسيقية بشكل سليم، هي من تفرض اسمه و أعماله بقوة لكل التظاهرات، وليس تدخلات آخر لحظة من طرف بعض "السماسرة".
ويعتقد هادي أنه يجب إعادة الاعتبار لهذه المهنة، بحيث يجب أن يكون ممتهنوها مدراء لمقاولات ومؤسسات تدبير قبل الخوض في تفاصيليها، وأن يتقنون التسيير التجاري و "الماركوتنينغ"، ويجيدوا قواعد "الكوتشينغ" والتحدث بعدد من اللغات، من أجل صناعة سليمة للنجوم و بقواعد صلبة و متينة تضمن صمود شخصيتهم و أعمالهم لعقود من الزمن.
18 novembre 2024 - 12:00
11 novembre 2024 - 11:00
07 novembre 2024 - 12:00
01 novembre 2024 - 16:00
29 octobre 2024 - 13:00
18 novembre 2024 - 10:00