موسى متروف
أعتذر في البداية لروح القاضي الطبيب الفيلسوف الفقيه أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد ومحبّيه لأنني أستعير عنوان كتابه "كتاب فصل المقال وتقرير في مابين الشريعة والحكمة من الاتصال"، مع بعض التحوير، في سياق لا علاقة له بالشريعة وإن كنت أتمنى أن تكون له علاقة بـ"الحكمة"، ولكن ليس بمعنى الفلسفة، وإنما بالمعنى البسيط للكلمة، في زمن افتقدنا فيه إلى الحكمة والحكماء، أي إلى العقل والعقلاء.
فقد استمعت بانتباه إلى ما قاله يومه الثلاثاء محمد عبد النبوي، الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، الذي صار رئيسا لمؤسسة النيابة العامة بدل وزير العدل، خلال حضوره في منتدى وكالة المغرب العربي للأنباء، وشاطرته الرأي في ما ذهب إليه من مرافعة ضد الاعتقال الاحتياطي، وخصوصا عندما تحدث بشكل مباشر عن التلميذ الذي يُشتبه (وأسطّر على هذه الكلمة لأن البراءة هي الأصل) في كونه عنّف أستاذه في ثانوية سيدي داوود بمدينة ورزازات.
لقد تحدث عبد النبوي عن كون مؤشرات عدم اعتقال التلميذ المعني أوسع من اعتقاله بحكم أنه حدثٌ وتصرفاته تصرفات طيش وليس تصرفات إجرامية، لذلك ما كان الأمر يحتاج إلى اعتقال، وهذا لا يعني عدم محاكمته على تصرفاته بالمطلق، ولكن، إذا اقتضى الأمر، محاكمته في حالة سراح حتى تثبت إدانته أو براءته.
لقد علا ضجيجٌ كبيرٌ بعد مشاهدة "الفيديو" إياه، لكن لا ندري ما الذي جعل ذلك التلميذ يدخل في حالة هيجان ويعتدي على أستاذه، خصوصا أن موقف التلاميذ الآخرين يطرح أكثر من سؤال في مدينة لا يُعرف شبابها بالشغب، لتتناسل الأسئلة التي لا يمكن أن يجيب عنها إلا التحقيق القضائي.
وأكرر مرة أخرى أن عدم اعتقال التلميذ لا يعني عدم محاكمته، ولكن عدم اعتقاله (لو تم) كان سيأخذ في عين الاعتبار إمكانية أن يكون بريئا من ما نُسب إليه، وتفادي وقوع ضرر كبير عليه وعلى مستقبله، كما يقع لـ3,4 في المائة من المعتقلين الذين تثبت براءتهم، حسب الرقم الذي أورده رئيس النيابة العامة اليوم الثلاثاء.
لو بقيت قضية هذا التلميذ معزولة لقلنا إنها حالة تحتمل الخطأ والصواب في تصرف من اعتقلوه يوم الأحد 5 نونبر، لكن الأمر تعدّاه إلى تلميذين ومتدرب في التكوين المهني هذا اليوم (الثلاثاء 07 نونبر) بمدينتي القنيطرة والرباط، ليُطرح سؤالٌ كبير حول ما يقع.
هل فجأة قام التلاميذ ليعنّفوا أساتذتهم في عملية منسقة، ليعبّروا عن غضبهم من الذين يفترض فيهم أن يقفوا لهم ويفونهم التبجيل، كما تمنى الشاعر؟! هل ما وقع كان دائما يقع مثله بعيدا عن الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي أو قبل اختراعها؟
إنها أسئلة وأخرى تتناسل في ضوء أزمة حقيقية تنضاف إلى أمراض التعليم المزمنة والتي لم يجد لها "الأطباء" الحكوميون ومن أعلى منهم دواء غير هذه المقاربة الأمنية التي بدأت بتعيين وزير (محترم في مجال تخصّصه على كل حال) خرج لتوّه من وزارة الداخلية، وليعلن في أول تصريح له عن الكلمة السحرية التي اعتبر أنها المفتاح وهي "الانضباط"، وانتهت بتحريك الشرطة القضائية "تحت إشراف" النيابة العامة في حالات التلاميذ المذكورين!
التعليم، يا سادة، أكبر من أن يُختزل في هذه "الحرْكات" الأمنية التي تستهدف جهة واحدة في العملية التعليمية، لأن المعتدي قد يكون أستاذا (وهذا ما يشهد عليه أجيالٌ من ضحايا "سنوات الرصاص" التي كانت تعرفها المدرسة من خلال تعنيف التلاميذ من طرف الأطر التربوية والإدارية، ولا شك أنه مازال هناك معلمون وأساتذة وأطر إدارية تسبقهم أيديهم) عوض أن يقوم بعملية "التعليم"، وقد يقوم بها التلميذ عوض أن يقوم بعملية "التعلّم". لذلك يجب معالجة المشكلة من أصلها والتساؤل حول ما آل إليه الوضع في المدرسة العمومية وبشكل هادئ، وإذا اقتضى الحال تدخُّل الأمن والقضاء كالحالات التي بين أيدينا فمن الأحسن ألا تراعي النيابة العامة إلا المصلحة العامة، ولا تنسى أن الأمر يتعلق في الأغلب بقاصرين، ربما يحتاجون إلى من يسمعهم أكثر من الساعين إلى "إعادة تربيتهم"، في إنتاج فج للنسقية السلطوية في التنشئة الاجتماعية، لأن المعلم، يجب أن يبقى "مقدسا" لدى التلاميذ" (وإن خُرّبت صورته من طرف الفاعل السياسي)، لأن "هيبته" من "هيبة الدولة"!
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00