مصطفى أزوكاح
لا يرى محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، أي حرج في الاستدانة، مادام المغرب يلجأ إلى السوقين الداخلي والخارجي من أجل تمويل الاستثمارات، حيث يعتبر أن جودة البنيات التحتية، جاذبة للمستثمرين الأجانب.
الوزير يسعى لطمأنة المغاربة، حين يؤكد على أن المديونية متحكم فيها، ولا خطر على المغرب منها، لكن لماذا يستدين المغرب؟ صحيح أنه يعمد إلى ذلك من أجل تمويل الاستثمارات عبر الموازنة، بالإضافة إلى دعم الرصيد من العملة الصعبة عند اللجوء إلى الاقتراض من السوق الخارجي.
يعبر اللجوء إلى الاقتراض في جزء منه، عن مشكل يعاني منه المغرب على مستوى تعبئة موارده الجبائية وغير الجبائية.
عندما تلجأ إلى الاستدانة، فلأن مواردك الجبائية وغير الجبائية لا تكفي من أجل رصدها للنفقات. هذا أول درس يتعلمه طلاب المالية العمومية في الجامعة المغربية.
هل يحقق المغرب اكتفاءه الذاتي من الموارد الجبائية؟ لا يخفى على أحد أن عائدات الضريبة على الشركات تأتي من عدد قليل من الشركات الكبرى أو تلك المدرجة في البورصة، ويغذي الأجراء الميزانية العامة ب75 في المائة من موارد الضريبة على الدخل، ولا يفلت المستهلكون من ضغط جبائي كبير، سواء عبر الضرائب الداخلية على الاستهلاك أو الضريبة على القيمة المضافة التي يراد تقليص أسعارها الأربعة إلى سعرين فقط.
والثابث أن حوالي ثلث الشركات تعلن حصيلة سالبة لسنوات، ولا تؤدي الضريبة على الشركات، ومع ذلك لا يموت العديد منها، تستمر في الحياة، ناهيك عن تلك التي تمارس الغش أو التهرب الضريبيين.
وما يعلمه القاصي والداني، هو أن أصحاب المهن الحرة من مهندسين ومحامين وأطباء.. لا يساهمون سوى ب5 في المائة من موارد الضريبة على الدخل.
صحيح أن الحكومة تبنب الإصلاح الذي أقرته مناظرة الصخيرات، غير أن ترجمته عبر مشاريع قوانين المالية المتتالية، لم تأخذ سوى شكل ترميمات أو تصحيحات أو تأويلات لمقتضيات، لم تنفذ إلى عمق الإصلاح الذي أعلن عن أنه يراد منه إحقاق العدالة الضريبية.
ليس ذلك هو الإصلاح الأول، فقد انخرط المغرب قبل أكثر من عقدين من الزمن، في إصلاح ضريبي، في سياق برنامج التقويم الهيكلي، من أجل ترسيخ نظام جبائي حديث، يتمحور حول الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، غير أنه لم يحقق هدف تكريس عدالة ضريبية وعد بها الملزمون المغاربة.
ونحن نرى كيف أن الحكومة أبدت حماسا كبيرا في الأعوام الأخيرة في تقليص نفقات الدعم وحاولت، بالكثير من الإصرار، محاصرة "تضخم" كتلة أجور الموظفين، لكن لماذا لا تبدي نفس العزم في تحصيل الضرائب إحقاقا للعدالة الضريبية؟
ولماذا تكتفي وزارة الاقتصاد والمالية بتقرير بارد حول الإعفاءات والاستثناءات الجبائىة؟ لقد وصلت تلك الإعفاءات والاستثناءات إلي حوالي 33 مليار درهم والتي تستفيد منها قطاعات إنتاجية واجتماعية، غير أنه يتوجب على السلطات العمومية أن توضح الجدوي منها ومدى استفادة مستحقيها منها ومدى راهنية بعض منها.
يفترض الكثيرون أن غياب التوزيع العادل للعبء الجبائي وسيادة التهرب والغش الضريبي، يحرم خزينة الدولة من موارد مالية مهمة.
فلو جرت تعبئة تلك الموارد أو جزء كبير منها، ستجد الدولة نفسها في غنى عن الإمعان في الاستدانة، بما يترتب عنها من فوائد.
تحس الحكومة بحرج سياسي كبير عندما يجري الحديث عن المديونية، خاصة الخارجية منها التي تصل إلى حوالي 16 مليار دولار، عند استحضار ما في ذمة الخزينة ومؤسسات وشركات الدولة والجماعات المحلية، وهو ما ما يرفع الدين العمومي إلي مستوى جد مرتفع.
ذات الحرج يفترض أن تحس به الحكومة، عندما ترى كيف أن ملزمين يتعرضون لضغط جبائي مرتفع، بينما ينعم آخرون ب"ترف" التهرب أو الغش والتملص.. أو يستغلون قصور المراقبة عن الإحاطة بجميع المفترض فيهم أن يساهموا في المجهود المالي للدولة.
قبل أسابيع، دعا وزير الاقتصاد والمالية، الشركات إلى أن تعطي الدليل على نوع من "المواطنة الجبائية"، حتى لا يعول المغرب على المديونية والهبات، غير أن الثابت أن تلك المواطنة الجبائية التي تعني أن يبادر الملزمون إلى الوفاء بما في ذمتهم من ضرائب عن طيب خاطر، لا تترجم دائما على هذا الشكل، فلا بد من إبداء الحكومة لنوع من الحرص على تحقيق الإنصاف الجبائي بين الجميع. هذا يستدعي سيادة القاعدة القانونية وترتيب العقاب على من يحيد عنها. هذا مدخل حاسم في بلورة أي نموذج تنموي جديد.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00