موسى متروف
أعشق معاجم لغة الضاد، خصوصا القديمة منها، التي لا تكتفي بشرح الكلمات، بل تورد لها شواهد من تراثنا العظيم.
وعندما حضرت أمس الاثنين (25 شتنبر2017) لقاء نزار بركة، حين قدّم برنامجه لخلافة حميد شباط، عدت إلى لعبتي الأثيرة، وبحثت في الاسم الشخصي للمرشح المحظوظ، ووجدت ما يُحيل على ما وقع وما سيقع خلال هذا الأسبوع، والذي لن ينتهي إلا وتكون صفحة شباط قد طُويت طيّا. رفعت الأقلام وجفّت الصحف و"انتهى الكلام".
كيف لا، وما وقع بالأمس لم يكن لقاء "حزبيا" بسيطا لمرشح لقيادة حزب؟ لقد كان مؤتمرا قبل المؤتمر واستفتاء قبل التصويت على الأمين العام الجديد لحزب سيدي علال في نهاية هذا الأسبوع.
وحتى لا أبقى في إطار السياسة بلغتها الثقيلة على القلب والتي لاكتها الألسن حتى فقدت معانيها خلف مبانيها، أدعوكم إلى الوقوف على "مكر الكلمات" (مع الاعتذار لياسمينة خضرا، صاحب الرواية الشهيرة بهذا الاسم).
وقبل ذلك، أود أن أوضح أنني ركّزت على الاسم الشخصي، فقط، لأن الاسم العائلي "بركة" فيه ما فيه من "البركة" التي يحملها نزار، وهو حفيد علال الفاسي من ابنته الكبرى السيدة ليلى، وهو زوج السيدة راضية، الحفيدة الأخرى للزعيم التاريخي من ابنته السيدة أم البنين، زوجة عباس الفاسي (أعود للتذكير بهذه السلسلة الذهبية من باب أن "الذكرى تنفع المؤمنين").
هي بركةُ الجد، التي تملأ عليه بيته ويودّ أن تملأ كلّ جنبات البيت الاستقلالي من جديد. تصوروا أنه لم يذكر، بالأمس، أي حساسية في الحزب بالاسم إلا "بلا هوادة"، تيار خاله وخال زوجته، عبد الواحد الفاسي. المهم أن بركة مرشحٌ يعض على ترشحه بالنواجذ، وبلا هوادة!
و"بركة" اسم يحمل أيضا معنى "كفى"، التي رفعها في وجه شباط، ومن ذلك يمكن أن ننسج أن نزار قال لشباط "بركة"!
في المقابل، يحيل اسم "نزار" في المعاجم على معان طريفة.
يقول ابن منظور، في لسان العرب: "ونزار: أبو قبيلة، وهو نزار بن معد بن عدنان . والتنزر: الانتساب إلى نزار بن معد. ويقال: تنزّر الرجل إذا تشبه بالنزارية أو أدخل نفسه فيهم. وفي الروض الأنف: سمي نزار نزارا لأن أباه لما ولد له نظر إلى نور النبوة بين عينيه، وهو النور الذي كان ينقل في الأصلاب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ففرح فرحا شديدا ونحر وأطعم، وقال: إن هذا كله لنزرٌ في حق هذا المولود، فسمي نزارا لذلك".
وها نحن نكتشف بركة إضافية، وهي "نبوية" هذه المرّة في اسم نزار!
وفي "المعاني الجامع"، يُقال نزرَ فلاناً، أي "احتقره واستقلّه أو أَعْجَلَهُ أو استخرج ما عنده قليلا قليلا"... وربما تصدق كل هذه المعاني على صاحبينا، وإن كان بركة صرّح بالأمس، بوضوح، بأنه يريد ضمان الكرامة لشباط، بعد أن تشاركا "الطعام" في بيت توفيق احجيرة!
ولمّا نبحث عن معنى "نزُرَ الرَّجُلُ" نجد أنه "قَلَّ خَيْرُهُ"، وحين يشرح ابن منظور "النزر" يقول إنه "القليل التافه"، وهكذا يمكنكم أن تجدوا لي كلّ المعاذير لوضعي العنوان الذي يقول إن " نِزار ينزِر شباط الذي نَزُر ولا يترك له إلا نزرا!"... أرأيتم أنني لم آت بشي من عندي؟! حتى المعاجم تنزر شباط وتجعل لنزار من يفرح به فرحا شديدا وينحر ويُطعم، كما فعل تماما معد بن عدنان مع ابنه نزار، وربما كان أحسن مَن يقوم بكل هذا رجل الصحراء القوي، الذي يذكّر بأيام العرب، حمدي ولد الرشيد، وأتخيّل أنه يختم الوليمة بقوله "إن هذا كله لنزرٌ في حق نزار!".
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00