موسى متروف
"إن الوفاء لتقاليد الحزب، الذي جعل من منهجية النقد الذاتي أسلوباً دائماً لتجاوز النقائص والبحث عن التطور والتجاوب مع متطلبات النضال الديمقراطي، وتصحيح أخطائه، في العديد من المحطات، التي عرف فيها الحزب مراجعات شاملة، جريئة، وقاسية أحياناً، تجعل من المنطقي تعامل حزب القوات الشعبية الإيجابي مع الانتقادات التي وجهها الخطاب الملكي، للنخب السياسية وللأحزاب"، هذا ما "سجّله" المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في اجتماعه ليوم الثلاثاء فاتح غشت 2017، عن "ذاته" في تجاوب مع خطاب العرش الأخير والذي قرّع الطبقة السياسية.
من قرأ هذا الشطر الأول من النقطة الرابعة (بعد نقاط ثلاثة عامة) التي سجلتها قيادة حزب "الوردة"، تحت رئاسة كاتبهم الأول إدريس لشگر، يشعر بنَفس إيجابيي يجتاح هذا الجسم الذي تنخره العديد من الأمراض، كغيره من الأحزاب، لكن عندما قراءة الشطر الثاني من هذه النقطة الرابعة، يتبدّى كأنه يجُبّ ما قبله، وكأن "الجمل دكّ اللي حرثو"!
فقد كتب محرر البلاغ "وإذا كان المكتب السياسي، يتقبل هذا النقد، كأسلوب من أساليب التحفيز لتجاوز السلبيات في العمل الحزبي والسياسي، فإنه يرفض في نفس الوقت القراءات المغرضة، التي حاولت بعض التصريحات والتعليقات والكتابات، ترويجها، من منطلق تصفية الحسابات والحقد الدفين والمرَضي على الأحزاب السياسية الديمقراطية، وعلى الالتزام النضالي بقضايا الجماهير ومشاكلها، بصفة عامة، كما يحد من الأفق الرحب والمستقبلي الشامل لدعوة ملك البلاد إلى رؤية نقدية لكل مقومات الدولة الحديثة لبناء الثقة"، قبل أن "يعلن استعداد حزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، لمواصلة العمل النضالي الجاد، كما هو معروف عنه في ماضيه وحاضره، منفتحا على كل المشاريع التي تسعى إلى تعزيز أجواء الثقة والبناء الديمقراطي ودولة الحق والقانون والمسؤولية والشفافية".
وإذا كان صحيحا أن "العمل النضالي الجاد" معروف عن هذا الحزب "في ماضيه"، فلابد من وضع علامة استفهام كبرى أمام كلمة "حاضره"، في ضوء ما يعرفه القاصي والداني من انزياح عن فلسلفة "المدرسة الاتحادية" في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد وصول لشگر إلى "زعامة" هذا الحزب، مع تسجيل أن استعمال كلمة "زعامة" يأتي في هذا السياق تجاوزا، والذي وصل إلى "قاع انحداره" بعد أن صار هذا الحزب "يستجدي" المشاركة في الحكومة، بأي طريقة كانت، بشكل لا يُقيم وزنا لمناضليه الشرفاء ولرمزية زعمائه التاريخيين، الأحياء منهم والأموات.
رحم الله المهدي بنبركة عندما تجاوز بنقده الذاتي حزبه (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وقبله حزب الاستقلال الذي انشق عنه) ليجعله نقدا ذاتيا للصراع السياسي في البلاد كلّها بموازين قواها المختلّة، عندما أعلن عن الأخطاء الثلاثة (أولا، "أنصاف الحلول" انطلاقا من استقلال البلاد إلى "تبرير التسويات كأنها انتصارات تخدم في الواقع أغراضا انتهازية"، وثانيا، صراع مغلق ضمن "المعارك المتعددة التي اضطررنا لخوضها من سنة 1956 إلى 1960 دون أن يعرف الشعب شيئا عنها، وكلها كانت تدور بين جدران أساطين حزب الاستقلال، أو داخل القصور الملكية دون أن ينفذ صداها إلى الخارج". وثالثا، عدم طرح سؤال "من نحن؟"؛ "بسبب التسويات وأنصاف الحلول غير المشروحة، وبسبب المعارك الدائرة في طي الخفاء، لم نتمكن من تحديد آفاقنا البعيدة")، في إطار ما يمكن اعتباره "نقدا ذاتيا معرفيا"، يأتي عادة نتيجة تحليل نقدي عميق لأسس إيديولوجيا معينة، أو بسبب ظهور سلبيات "جسيمة" في ممارستها الواقعية.
في المقابل، عوض أن ينسج من يزعمون أنهم من "خَلَف" هذا الزعيم على منواله، صاروا يُؤْثرون الحديث عن "تصفية الحسابات والحقد الدفين والمرَضي على الأحزاب السياسية الديمقراطية"، كأن هذه الأخيرة لا تشتكي، في لحمتها وسداها، من عيوب بأسمالها المتهالكة، وتفضل تعليق عيوبها على مشجب من "يتآمرون" عليها.
صحيح أن علاقة الدولة بالأحزاب لم تكن دائما علاقة "تعاون" أو "صراع" في إطار لعبة سياسية واضحة القواعد، بل خلقت هذه الدولة أحزابا و"عيّنت" زعماءها وقضت ردحا من الزمن في "فبركة" الانتخابات أو "ضبطها"، بتقنيات انتقلت تدريجيا من "الفجاجة" إلى نوع من الضبط على استحياء... كل ذلك لا يمنع من أن هذه الأحزاب كانت لديها "القابلية" لتخضع لهذا النوع من التعامل، وانتقل "الديمقراطي" فيها من الصراع إلى المشاركة في الحكومة، قبل أن تصبح هذه المشاركة هي الهاجس الأول والأخير، كوسيلة لتفادي الانقراض!
لا يسع المتأمل في مآل حزب "الوردة" إلا أن يخاطب روح الشهيد بن بنبركة، الذي ظل حيا بأفكاره وإن رحل من دار الفناء، بقول الشاعر "لقد أسمعْتَ لو ناديْتَ حيّاً// ولكن لا حياة لمن تنادِي....
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00