يواصل بول بولز حكيه عن مشاهداته في عروس الشمال، في كتاب "يوميات طنجة"، حيث كتب، في 19 أبريل 1988، أن "خيريس" ("خيريس دي لافرونتيرا" واسمها الحقيقي "تشيري نوتينغ" وهي مصورة فوتوغرافية، كانت في علاقات متشابكة مع محمد المرابط وهو صديق بولز (الصورة)، والذي كان يتكلف لصالحه جزئيا بالتسوق وإعداد الأكل ، حسب المترجم إبراهيم الخطيب) طارت في ذلك اليوم في اتجاه نيويورك، وأنها في اليوم السابق جاءت إلى بيته وهي تحمل ورودا وزنابق كبيرة "وكان المربط قد اشترى، يوم الجمعة، كمية من ورود بيضاء من نوع "كيف مونتي" ووضعها في مزهرية. لكن فكرة سيئة خطرت لـ"خيريس" قضت بجعل ورود المرابط في آنية متواضعة، وذلك لإعطاء باقتها المدهشة المكان المناسب".
ويحكي بولز تفاصيل "ترمضينة" المرابط: "فكّرت للتو، في أن المرابط سوف لن يكون سعيدا جدا بهذا الوضع، لكني لم أكن أتوقع عنف رد فعله. تقاطرت من فمه أقذع ألفاظ السباب والشتم، وكلما حاولت "خيريس" الشروع في الكلام، كان صراخه يعلو فوق صوتها. إن كل من تعود على العيش هنا، في شهر رمضان، عليه أن يتراجع عن كل محاولة لإقناع خصمه، لكن يبدو أن "خيريس" كانت تعتقد أن الظروف عادية، تماما، بحيث أصرت أن تسأل المرابط عما إذا كان تصرفها جارحا. ازداد صراخ هذا الأخير عنفا. وشرع يسب المرأة، بالعربية والإسبانية والإنجليزية، ثم عمد إلى قذفها بالوسائد، قبل أن يصفعها صفعة مدوية. لقد كانت "خيريس" منحنية عليه، لذلك لم تسقط. لكن المرابط نط بخفة، والتقط عودا من أخشاب المدفأة، وتوجّه صوب المرأة البائسة لضربها على الجمجمة. لم يحدث صراخي، وأمري إياه بالجلوس والكف عن الكلام، أي أثر. لكن عبد الوهاب (كان إلى جانب المرابط يتكلف بالتسوق وإعداد الأكل وإيقاذ المدفئة خلال أيام البرد)، الذي كان صحبة عبد الواحد (بولعيش السائق)، تدخل بين الخصمين، حيث تمكن من تهدئة المرابط، لبضع لحظات (كان عبد الوهاب من أصول ريفية؛ لذا أصغى إليه المرابط بكل طواعية) (هذه الملاحظة الأخيرة لبولز). لكن هذا الأخير (أي المرابط) شعر –ولا شك- أنه رضخ بسهولة، لذا واصل الصراخ مجددا قائلا: بأنه يوجد في غرفة مليئة بالذين يجب، في نظره، قتلهم لنعهم من تلويث الجو الذي يتنفسه المسلم. إثر ذلك غادر الغرفة، وسمعناه وهو يواصل التلفظ بالسباب والكلام المقذع، قاطعا المطبخ جيئة وذهابا. كانت "خيريس" تنتحب، وعبد الوهاب قرر المغادرة، وذلك ما فعله بسرعة، ناسيا مطريته، أما عبد الواحد فظل جالسا وهو يهز رأسه، ويهمس لي: أي رجل رهيب هو! إن له قلبا أسود كالقار.
أظن أن سلوك المرابط أثار جنقه، أما أنا فلم أكن مندهشا؛ إذ سبق لي أن عاينت، من قبل، أزمات جنون المرابط وغضبه الشديد، لكنس شعرت بالعار من حدوث كل ذلك في شقتي، ومن أن تدفع إحدى مدعواتي ثمن ذلك. وعندكا كانت "خيريس" تغادر، وهي مازالت تنتحب، صرخ المرابط فيها: لوعدت من نيويورك، فسوف أقتلك.
خمس دقائق، قبل ذلك، كانت قد همست لي: "هل تعتقد أنه سيقتلني؟".
أجبتها أنا أبتسم: "طبعا، لا".
لكن وعيد المرابط لم يكن ليطمئنها، وكنت أمنّي نفسي أنها حين تعود من السفر، فإن شهر رمضان سيكون قد انتهى.
قبل الذهاب إلى بيته، جاء المرابط معتذرا عن تصرفه: "لقد شاءت إثارة جنوني، وكانت تقول، دون توقف، إنني لص. فهل باستطاعتها البرهن على ذلك؟ وهل لديها شهود؟" (إشارة إلى نزاع حول بيت تكلف المرابط بإصلاحه لكنه لم يعده إليها).
إنه سيكون من العبث الاعتقاد بأن ما حدث سببه باقة ورد، وضعت في المكان غير المناسب، كما يظن ذلم أجنبي عن البيت، لكن وعي المرابط كان شقيا، وعندما يشعر مغربي. بأنه مذنب، فإنه يعمد إلى نهج سبيل الهجوم".
اقرأ أيضا: "الترمضين" كما عاشه الكاتب الأمريكي بول بولز في طنجة (1)
15 avril 2024 - 10:40
13 avril 2024 - 19:05