موسى متروف
في مذكراته "يوميات طنجة" (1987-1989)، الذي ترجمه الكاتب المغربي إبراهيم الخطيب (والصادر أخيرا في إطار سلسلة "كتاب الدوحة")، حكى الكاتب الأمريكي الراحل بول بولز عن بعض مشاهداته في المغرب، انطلاقا من رؤيته طبعا، لكن بغير قليل من الدقة.
بولز، المتوفى سنة 1999، ألف الحياة في عروس الشمال، التي زارها في مطلع الثلاثينات، قبل أن يستقر فيها منذ أواسط الأربعينات، وكانت له ملاحظات، دونّها، حول كل ما يثير انتباهه، من عنكبوت ترمي خيوطها بأحد أركان بيته، إلى تصرفات المغاربة في شهر رمضان، وبمناسبة هذا الشهر الفضيل، نستعيد ما دوّنه حوله.
يحكي بولز ما وقع يوم 19 أبريل 1988؛ حيث كتب:
"لا أحد يدري -بالضبط- ما إذا كان شهر رمضان سيبأ اليوم أو غدا. لقد علمنا، أمس مساء، فقط، عندما دوّت صفارات، أن الصيام سيبدأ اليوم (هذا هو رمضان الثاني الذي استُعملت فيه صارات الإنذار، عوض المدفع! "Allez savoir donc pourquoi"). ضربة مدفع تكون كافية لتجد نفسك في الجانب الآخر من الحدود، في بلد الممنوع. البعض يزعمون أنه، بسبب جولان السيارات، يتعذر سماع المدفع. ربما كان هذا صحيحا عند غروب الشمس، أما في الرابعة والنصف صباحا، فالمدينة تكون صامتة. أستغرب كيف لم يشر أي مسلم إلى سخافة استعمال صفارة إنذار (تستعمل -عادة- تحسبا من هجوم جوي) للإعلان عن يوم الصيام المقدس.
في كل سنة، يكون علي أن أتذكر تنبيه الذين يأتون لشرب الشاي هنا، أن عليهم الانصراف قبل مدة طويلة من غروب الشمس؛ ذلك أن الساعة التي تتلو حلول الليل يجب قضاؤها في البيوت، وليس في الشارع، قطعا، لأنها الوقت الذي تم فيه مهاجمة الأجانب. الشوارع تكون خالية تماما، فلا سيارة، ولا مارّ، ولا شرطي يوجدون، حينئذ، في أي مكان من المدينة.
إحدى زائراتي، وهي أمريكية مسنة، تم ضربها وركلها بالأقدام، وسرقة متاعها في الشارع، أمام العمارة. لقد شعرت بالذنب، تقريبا، لكوني أعيش في مكان، لم تعد اعتداءات من ذلك القبيل تثير دهشة أحد.
لكن الشعور الحقيقي بالذنب هو ذلك يخامرني في حضور أناس مسلمين؛ فهم يعانون وأنا لا أعاني. أنا مرغم، هنا، في البيت، على الأكل والشراب أمامهم. هم يزعمون، دوما، أن رؤيتهم شخصا، وهو يتناول الطعام، لا يزعجهم البتة. يقولون لي: إذا جعت، فعليك أن تأكل. لا أحد يطلب مني أن أتوقف عن الأكل. هذا صحيح، لكن الضغط الاجتماعي حادّ، إلى درجة أنه لو فوجئ أحدهم، وهو يأكل في مكان عام، لتم القبض عليه، وزُج به في السجن.
هم يقولون إن العطش أشد إيلاما من الجوع، والمدخنون يغدون حانقين في الأيام الأولى للصيام. وطيلة الشهر تزداد المشاداة بين الناس، لكن لا أحد يعترف بأن سوء مزاجه ناتج عن رمضان. يقول عبد الواحد (يقصد عبد الواحد بولعيش، وهو حسب المترجم، سائقا لبولز): إذا كان مزاجك سيئا بسبب رمضان، فإن صيامك يغدو بدون قيمة، والأفضل ألا تصوم.
مع ذلك، فالناس يهتاجون عند أول فرصة، وأنا أحتاط ألا أعارضهم، أو أوجه النقد إليهم".
14 mars 2024 - 14:20