عبد القادر الفطواكي
ككل سنة، هبّ موسم الأعمال الرمضانية محمّلًا بالوعود كعادته، حيث اصطفت هذه الإنتاجات على الشاشات كمعروضات فنية يُفترض أن تعكس نبض المجتمع وهمومه. إلا أن هذا الضيف "السمج" ظهر مرتبكًا في صورة حبلى بالضبابية، مما يؤكد أن الدراما المغربية أضاعت بوصلتها بين واقعها المفترض وتوجهاتها المستوردة.
قضينا ما تيسّر من اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر الفضيل، وهو ما قد يشفع لنا في أن يكون تقييمنا لمستوى الأعمال الرمضانية أكثر موضوعية. بداية، ولنكون منصفين، فقد نجحت الأعمال الدرامية المغربية بعمومها في تحقيق طفرة كبرى على مستوى الكم والجودة البصرية، كما أفلحت عدد من الأسماء في تدوين مشاركاتها بمداد من الفخر والتميز.
لكن للأسف، ظلت أحلام هذه الأعمال مطاردة بلعنة أزمة السيناريو والوهن على مستوى الحوار، حيث عانى جلّها من ضعف بيّن في بناء الشخصيات مع غياب خلفيات نفسية واجتماعية تبرّر تصرفاتها، مما أدى إلى تسلسل غير منطقي في الأحداث، وتطور اعتباطي أفضى إلى إنهاك الحبكة الدرامية، فضاعت معه متعة المشاهدة.
السيناريوهات بدورها جاءت باردة برودة طقس رمضان لهذا العام، بأفكار سطحية وشخصيات تفتقد العمق والهوية، حيث تم تقديم قرى مغربية غارقة في الفوضى و"السيبة" لا تمتّ لواقعنا المغربي بصلة، بمشاهد حملت جرعات عالية من العنف الذي أصبح عنصرًا دراميًا أساسيًا وجزءًا من الديكور اليومي لهذه الأعمال. كما أن المواضيع المطروحة تبدو وكأنها مستوحاة من ثقافات دخيلة أو مستوردة من المشرق العربي، مما يطرح تساؤلًا جادًا: هل تفقد الدراما المغربية تدريجيًا وظيفتها كمرآة للمجتمع؟
الحوارات خسرت بدورها رهان الجودة، حيث غرق صُنّاعها في مستنقع المفردات الركيكة والعبارات التي تخدش الذوق العام، مع افتقار واضح للرقيّ اللغوي. يبدو أن النصوص باتت تلهث خلف الإثارة السطحية بدل التركيز على جودة التعبير وقوة المضمون، مما جعل بعض الأعمال مجرد نسخ باهتة لقصص لا تمتّ إلى المعيش المغربي بصلة.
وسط هذا المشهد المتشابك الأوجه، تبرز ظاهرة أخرى لا تقلّ إشكالية عن سابقاتها، تتمثل في تكرار نفس الوجوه الفنية في معظم الأعمال الرمضانية، بل وحتى في الإعلانات، خصوصًا في وقت الذروة، وكأن تلفزتنا العمومية أصبحت حكرًا على مجموعة محدودة من الأسماء. سيقول قائل إن هذا التكرار له ما يبرره، فالدينامية الإنتاجية التي أصبح يعيشها التلفزيون المغربي حتمت تحديد عدد من الأعمال قبل فترة طويلة من عرضها، دون أن يكون للممثلين أو الشركات المنتجة أي تحكّم في توقيت بثّها. كما أن القنوات تعمد في أحيان كثيرة إلى تأخير عرض بعضها إلى وقت لاحق، مما يؤدي إلى تكرار ظهور نفس الأسماء في موسم واحد، كما حدث مع الفنانين عبد الله ديدان ودنيا بوطازوت، على سبيل المثال.
لكن هذا المعطى لا ينفي أن العلاقة الحميمة التي تربط شركات إنتاج بممثلين بعينهم تسهم في تفضيل هذه الشركات التعامل مع وجوه مألوفة لضمان نوع من الاستمرارية في التعاون، خاصة حين يتعلق الأمر بعقود تشمل أكثر من عمل، مما يخفف من الكلفة المادية. وهذا ما يفسر لماذا نجد نفس الأسماء تتكرر بشكل ملحوظ في أكثر من عمل فني واحد وفي نفس السنة.
منطق الممثلين، بطبيعة الحال، يقترب من منطلق مهني، فإتاحة فرصة عمل أمام ممثل للعب دور في مسلسل أو عمل فني معين أكيد أنها لن تُقابل بالرفض، خاصة في ظل محدودية الفرص المتاحة داخل الصناعة التلفزيونية بالمملكة، وفي ظل غياب أي قوانين تُحدّد مشاركة فنانين وتقنيين في أعمال متعددة خلال حيز زمني قصير.
دعونا من هذا كله، فالأسئلة التي تهمنا اليوم كالتالي: هل هذا التكرار يخدم الدراما المغربية أم يُفقدها بريق التنوع والتجديد؟ ومتى نشهد مواهب جديدة تتصدر المشهد بدل أن يبقى مقصورًا على نفس الأسماء كل سنة وموسم رمضاني؟ إن الإبداع الحقيقي لا يقتصر على جودة الصورة أو حبكة القصة فحسب، بل يمتد ليشمل وجوهًا جديدة قادرة على ضخّ دماء مختلفة في شرايين الدراما المغربية.
ورغم هذا التيه السردي، لا يمكن إنكار التطور التقني الذي شهدته بعض الإنتاجات. فالتصوير الاحترافي، والديكورات المدروسة، والمؤثرات البصرية والصوتية منحت المشاهد تجربة بصرية راقية. أما على مستوى الأداء، فقد برزت أسماء أثبتت نضجها الفني، على رأسها دنيا بوطازوت، وعبد الله ديدان، وعزيز داداس، الذين قدموا أداءً متقنًا بعيدًا عن النمطية. كما نجحت السلسلة الكوميدية "صلاح وفاتي" في نفخ روح التجديد في جزئها الثالث، وحقق مسلسل "رحمة" نجاحًا لافتًا، رغم بعض الملاحظات حول السيناريو الخاص به وبعض اللقطات الخارجة عن نص الذوق العام.
فمتى سنصل إلى دراما مغربية خالصة، تلتقط نبض الشارع دون تشويه، وتعكس ثقافتنا دون تغريب أو تشريق؟ متى نصنع من البساطة عمقًا، ومن الواقع فنًا؟ فما فائدة الإبهار البصري إن كانت روح الإبداع المغربي غائبة عن أعمال التلفزيون المغربي؟
26 mars 2025 - 14:00
26 mars 2025 - 11:00
24 mars 2025 - 15:00
24 mars 2025 - 12:00
17 mars 2025 - 14:00