مواطن
أدت العولمة إلى تسريع تشكل التجمعات الحضرية العملاقة وذلك نتيجة لتركيز السكان والأنشطة وخلق الثروات. وانعكس هذا التطور على توسع التمدن وتمدد المجال الحضري الذي أصبح يتطلب الهيكلة من أجل تمكينه من إنتاج مجالات قادرة على أن تلعب، في نفس الوقت، دور محركات حقيقية للنمو.
في هذا الإطار، نظم معهد مجموعة صندوق الإيداع والتدبير ندوة عن بعد بهدف التبادل حول الشروط الضرورية لإرساء مسار تنمية المدن الكبرى و مستقبلها.
لهذا الغرض، تم جمع أربعة خبراء، يوم 06 دجنبر، حول موضوع « إنجاح تشكل وتنمية الحواضر الكبرى. » :
مكنت المداخلات الأولى، من خلال تكامل الآراء، من تكوين إدراك أفضل لمفهوم الحاضرة.
فحسب تعريف البروفيسور العراقي، فإن الحاضرة عبارة عن تركز للسلطات السياسية والمالية في مدينة كبرى بشكل يولد ضواحي مرتبطة بالمركز. على هذا المستوى، طرح البروفيسور سؤالا حول ضرورة رسم حدود للحاضرة.
ومن جانبه ميز نيكولاس مايزيتي بين ثلاثة أبعاد للحاضرة والتي تمكن من التمييز بين تشكل وتنمية الحواضر الكبرى وبين السياسات الحضرية. ويتعلق البعد الأول بتعريف مؤسساتي للحاضرة، بمعنى الحاضرة كشكل قانوني للتعاون البين – جماعي بين مدينة مركزية والمجالات والجماعات المجاورة لها. أما البعد الثاني فهو وظيفي ويتحدر من الجغرافيا والاقتصاد الترابي، أي أننا نُعَرِّفُ الحاضرة كموقع ترابي لديه علاقات ممتدة على مسافات بعيدة أكبر من علاقاته مع ضاحيته القريبة. وفق هذا التعريف فإن علاقات باريس مع نيويورك أكثر من علاقاتها مع سان دينيس. البعد الثالث يعتبر الحاضرة كسياسة وطنية لإعداد التراب والتي تمكن من ضمان توازن بين مختلف المجالات الترابية. وبذلك فإن تحديد الحاضرة، من خلال هذا التعريف الثلاثي، يمكن من التمييز، من جهة، بين السياسة الوطنية لتنمية الحواضر الكبرى المتمحورة حول قضايا الآداء الاقتصادي والجاذبية، ومن جهة ثانية، السياسات الحضرية المتمركزة حول التعاون مع المجالات الترابية المجاورة التي لم يعد ينظر إليها كضواحي.
في السياق المغربي، أبرزت شيماء بلوالي أن مفهوم الحاضرة كان قد حُصِر منذ حوالي عشر سنوات في إطار مبدأ وحدة المدينة الذي حدد خمسة أقطاب كبرى، وهي الدار البيضاء وفاس والرباط وطنجة ومراكش، وذلك انطلاقا من مستوى 500000 ساكن. وتم تنظيم هذه الأقطاب بهدف تحقيق تكاملات في الموارد المالية وسياسات التهيئة الحضرية والأداء الحضري.
وأخيرا، وحسب إدراك الجماعات الترابية، المقترح المقدم من طرف حسام عباد، فإن تنمية الحواضر الكبرى تعد مسلسلا لتركز الساكنة والأنشطة الاقتصادية والرساميل والتجهيزات المهيكلة لتجمع سكاني. غير أنه يجب تمييزها عن الفضاء الحضري. بهذا المعنى فإن الدار البيضاء تشكل فضاء حضريا، أي مدينة ذات حجم كبير . قادرة على تركيز السلطات الاقتصادية والسياسية والتي تمكن من نشر واقعها الحضري، وعلى الخصوص السكني، في ضاحيتها. أما الحاضرة فإنها تمتد إلى الجرف الأصفر والمهدية.
على المستوى المتعلق بظاهرة تشكل الحواضر الكبرى في المغرب، أوضحت شيماء بلوالي أن المغرب يعرف ديناميكية حضرية قوية حيث أن المدن تُركز 60 % من السكان و60 % من فرص الشغل و75 % من الناتج الخام الداخلي. إلا أن الأمر يتعلق بتوسع حضري غير منتج للنمو الاقتصادي المرتقب مقارنة مع البلدان ذات المستوى التنموي المماثل. فبالنظر إلى التحديات التي تواجهها البلديات، خاصة على المستويات المالية والمؤسساتية، فإن الأمر يتطلب التفكير في الوسائل الكفيلة بمواجهتها. أما فيما يخص الدعم، فالأمر يتطلب الانتقال من منطق الوصاية إلى ديناميكيةٍ لمواكبة الجماعات الترابية.
وِفْقاً لعزيز العراقي، فإن تشكل الحواضر الكبرى يطرح الإشكاليات الناتجة عن عمليات إعادة التوطين التي تتم انطلاقا من مدن كبرى، فَيَتَمخّض عنها تَشَكُّلُ مجال أوسع، والذي يطرح إشكالية تدبيره. فالأمر يتطلب إذن ضمان جاذبية اقتصادية مع إيجاد حلول لمظاهر الإقصاء الاجتماعي الناتجة عن تركز الساكنة في الضواحي. وبالتالي، فإن الملاحظات الأساسية التي تستنتج هي، من جهة، الطابع المتجاوز لتخطيط المدن لأن المجالات الترابية تلجأ في الغالب إلى الاستثناءات، ومن جهة أخرى، فإن هذه الأخيرة تعتبر جد متشظية سياسيا وبالتالي فقد أصبح من الضروري أن يعاد النظر في حكامتها.
من جانبه، أشار حسام عباد إلى أن العوامل التي تُؤَخّر استكمال مسلسل تشكل حاضرة الدار البيضاء قد تم رصدها في إطار التصميم الجهوي لإعداد التراب لجهة الدار البيضاء – سطات. وأبرز التشخيص بشكل أساسي غياب هيئة حكامة على مستوى الحاضرة، الحاجة إلى التنسيق البين – جماعي، ضعف التقائية السياسات العمومية والاستراتيجيات، ضعف الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية، توسع القطاع غير المهيكل، الإقصاء والتمييز السوسيو – مجالي على مستوى التجهيزات العمومية ومشاكل الوعاء العقاري لاستقبال الاستثمارات. للتخفيف من آثار هذه العوامل المعيقة، تم اعتماد مخطط للتنمية الجهوية. ويتعلق الأمر بمخطط عمل يتوخى، انطلاقا من التصميم الجهوي لإعداد تراب الجهة، التمكين من بلورة تخطيطٍ للمشاريع على المستوى الترابي.
وختاما، سلط نيكولا مايزيتي الضوء على السياسات الحضرية في فرنسا، من خلال تقديم منصة مرصد مشاريع واستراتيجيات تعمير الحواضر (POPSU)، الذي يعتبر برنامجا للبحث – العمل حول الوقائع والسياسات الحضرية. يهدف برنامج البحث والعمل هذا إلى إنتاج معرفة حول المجالات الترابية من قبل فرق بحث من أجل العمل على تنوير أصحاب القرار والعودة بالفائدة على النقاش العام. و يهدف البرنامج أيضا إلى تعزيز الروابط بين الممارسين، المنتخبين، المصالح البلدية، الفاعلين السياسيين على المستوى الترابي والباحثين. نقطة القوة الثالثة للبرنامج ترتكز على دراسات حالات مونوغرافية التي تمكن من القيام بالمقارنة. يرتكز العنصر الأخير في برنامج POPSU على إرادة تثمين ونشر النتائج التي تم التوصل إليها من خلال برامج البحث لدى مجموعات POPSU المكونة من منتخبين وأصحاب قرار على الصعيد المحلي والوطني.
على إثر ذلك، أصدر المتدخلون التوصيات التالية :
فيما حاول نيكولا مايزيتي إعطاء نظرة خارجية إزاء سياق خلق الحواضر الكبرى في فرنسا، عبر تقديم المسار السياسي لتنمية الحواضر. تم إطلاق POPSU Métropoles في 2018، في سياق تأكيد الحاضرة على المستوى المؤسساتي من خلال قانون "التنظيم الترابي الجديد للجمهورية"، المعروف اختصارا بقانون NOTRE، والذي يعود إصداره إلى 2015 – 2016، وفي نفس الوقت خلال فترة واجهت فيها الحاضرة اعتراضا قويا في الأدبيات الجامعية واحتجاجات السترات الصفراء على مستوى الحركات الاجتماعية في 2017 – 2018. تولدت الاحتجاجات من الشكل الأناني للحاضرة حيث تبدو الأمور وكأن الحواضر الكبرى قد تغولت على المستويات الجغرافية والاقتصادية من خلال الاستحواذ على الموارد على حساب الضواحي المتروكة سواء من قبل السلطات السياسية أو من قبل الفاعلين في السوق. في هذا الإطار، فإن موضع البرنامج يهدف بالضبط إلى محاولة تأهيل العلاقات بين الحواضر الكبرى والمراكز الحضرية والمجالات الترابية المجاورة. وقد مكن هذا العمل من استنتاج وجود بناء وتوطيد لسياسات التعاون بين المجالات الترابية. وبذلك، فبدلا من إعطاء الأفضلية للعلاقات الممتدة على مسافات بعيدة، تتوجه الحواضر الكبرى نحو المجالات الترابية المجاورة، الشيء الذي يمكن من تعديل إدراك الحاضرة.
وأبرز البرنامج الانتقال من سياساتٍ للحواضر تستهدف التنافسية والجاذبية والتميز إلى سياساتِ تولي الأفضلية للضيافة والاستقبال والتنظيم والحوار بين المجالات الترابية والتوزيع.
17 novembre 2024 - 10:30
14 novembre 2024 - 18:00
13 novembre 2024 - 19:00
12 novembre 2024 - 14:00
12 novembre 2024 - 12:00
07 novembre 2024 - 12:00