فتح الله سفيان
مباشرة بعد الإعلان عن البيان الختامي لمؤتمر برلين الخاص بالوضع الليبي، بدأ التساؤل حول قدرة هذه الدول المشاركة في صياغة هذا الاتفاق على ضمان تطبيقه على أرض الواقع، خاصة وأن هذا الاجتماع غابت عنه دول قريبة جغرافيا من ليبيا ومعنية بشكل كبير بالتطورات الجارية في هذا البلد المغرب تونس السودان، وكذا الأخبار القادمة من محيط العاصمة طرابلس، والتي تتحدث عن خرق لإطلاق النار من أحد طرفي الصراع.
وعرف هذا المؤتمر الذي أقيم أول أمس الأحد انتقادات واسعة، من دول المغرب وتونس والسودان، همت الطريقة والمعايير التي تم على أساسها اختيار الدول المشاركة في المؤتمر كما جاء في بيان الخارجية المغربية، التي أكدت من جهتها على أن اتفاق الصخيرات مازال يشكل الإطار السياسي الوحيد الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين، من أجل تسوية الأزمة القائمة في البلاد.
وشدد المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي على ضرورة تعزيز الهدنة في ليبيا بين طرفي الصراع بوقف كل التحركات العسكرية، بما في ذلك الهجمات التي تستهدف منشآت النفط و كذا تشكيل قوات عسكرية ليبية موحدة، وحظر توريد السلاح إلى هذا البلد من خلال تشديد إجراءات المراقبة.
وتعليقا على قمة برلين، قال المحلل السياسي نوفل البعمري في تصريح خص به" المواطن"، إن مؤتمر برلين فشل في تحقيق الأهداف التي كانت منتظرة منه، بإعادة بعث الأمل في تحقيق السلم داخل ليبيا وفق رؤية مؤسساتية واضحة تتقدم بليبيا نحو المستقبل، كدولة موحدة ولها سيادتها الكاملة على مجالها الجغرافي. وفي قراءته للبيان الختامي الصادر عن الدول المشاركة في المؤتمر، اعتبر المتحدث ذاته أنه (المؤتمر) قدم بيانا إنشائيا، وعاما في مواقفه، لكنه رغم ذلك مازال يحمل نقطة مهمة تشير إلى رغبة مختلف الأطراف في العودة لاتفاق الصخيرات، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة سبق لها أن كانت داعمة و حاضنة لاتفاق الصخيرات، مما يؤكد أن هذا الاتفاق هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة الليبية.
وفي السياق ذاته أكد كريم عايش، أستاذ باحث بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح خص به "المواطن"، أن البيان الختامي للمؤتمر قدم حلولا أدبية غير مضمونة التطبيق و غير معززة بآلية تحقيق لنعتبره هشا و قابلا للخرق طالما بالنظر إلى التجارب السابقة للمبعوث الأممي في هذا الشأن، إذ لن يقبل حفتر المسيطر على 80 بالمئة من ليبيا ترك نفوذه وقوتهو تضحيات عناصره ليتقاسم السلطة مع معسكر الحكومة الشرعية المسيطرة فقط على 20 بالمئة، وبالتالي فستكون مسألة وقت لينتهي وقف إطلاق النار و تعود المنطقة إلى فوضى مفتوحة على كل الاحتمالات.
وعن سبب غياب المغرب ومحاولة الالتفاف على اتفاق الصخيرات قال عايش إن غياب المغرب يمكن فهمه كمحاولة من الدولة الحاضنة للمؤتمر بإبقاء المغرب متواريا خلف فرنسا باعتبار أن هذا الأخير يتشارك مع فرنسا المواقف نفسها، وإن كان الكثير من المتتبعين اعتبروا غياب المغرب عائد لسياسته القائمة على عدم التدخل و البقاء على مسافة واحدة من كل الأطراف، مقابل حضور جزائري مبرر بالنظر لطول الحدود بينها وبين ليبيا و دخولها تحت المعطف الايطالي ضدا في فرنسا المختلفة معها حول العديد من النقط.
من جهته أبرز البعمري أن إبعاد المغرب في حد ذاته لا يعني استهدافه، بل إن محور برلين إن جاز التعبير أراد الالتفاف على مخرجات اتفاق الصخيرات الذي دعمته أطراف الصراع الليبي، و الأمم المتحدة، وإيجاد بدائل أخرى للدول المشاركة في المؤتمر دون مراعاة مصالح الشعب الليبي.
كما أكد عايش أن مؤتمر برلين يعد بمثابة محطة أظهرت للعالم كون مشاكل الدول العربية لا يمكن أن يحلها العرب فيما بينهم فبالأحرى أبناء نفس البلد و الذين رفعوا مستوى التناحر إلى القطيعة، وهو ما ظهر جليا، حسب المتحدث عينه من خلال غياب طرفي النزاع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، والقائد العسكري، خليفة حفتر عن طاولة المفاوضات، وغياب أي لقاء مباشر بينهما.
واعتبر المتحدث ذاته أن الساحة الليبية استحالت إلى رقعة صراع بين الدول العظمى في وضع رجلها بالمنطقة على غرار أي بؤرة صراع بالعالم تضم مصادر للطاقة، لذلك و مع الحديث عن مساندة تركيا لحكومة الوفاق عسكريا، فطنت هذه القوى إلى تمدد تركي في مشهد يعيد الأذهان التوسع العثماني بالمنطقة و انتشار النفوذ التركي الذي صار مؤثرا و فاعلا خاصة في مواجهة الدعم الإماراتي و السند المصري.
بلاغ المؤتمر، حسب عايش سطر على المسلمات التي يؤمن بها الجميع و ركز على وقوف الكل على مسافة واحدة من الصراع داخل ليبيا بتكريس خصمين و اعتبار البقية الغير منضوية تحت لواءيهما جماعات إرهابية ومسلحة ممتدة لداعش و القاعدة، لتحييد أي احتمال لحرب مفتوحة قد تشرك دولار وعناصر خارجية، لذلك اتفق الجميع على عدم التدخل و ترك الملف بيد المبعوث الأممي و اقتراح مجموعة من التدابير الكفيلة بنزع فتيل الحرب.
لكن المتحدت ذاته عاد ليؤكد أن البيان لم يسطر آلية فعالة و لم يحدد لجنة مواكبة من طرف القوى العظمى و لم يفرض أي عقوبات أو تدابير رادعة، و لم ينص صراحة على عدم تسليح طرف على حساب آخر ولا على تدخل قوات دول خارجية في دعم و تمديد أمد الصراع.
وتابع عايش أن البلاغ الختامي للمؤتمر و إن كان قد حقق اجتماعا غير مسبوق حول بؤرة توتر نفطية، فانه صك ضمان لعدم تقسيم ليبيا ولا قبول الأمر الواقع، و هو ما تضمن حتمية اتفاق الطرفين حول حل يمكنهما من التواجد فوق الأرض الليبية وفق تبادل للمصالح و المواقف والالتزامات.
وحدد البيان أيضا حسب المتحدث نفسه الإطار القانوني و التفاوضي الذي يوحد كل الأطراف حول طاولة واحدة و تحت رعاية الأمم المتحدة، كما يعزز صلاحيات المبعوث الأممي و يقوي مكانته كمحاور ملزم بالخروج بالملف الليبي الى الحل و بمتابعة وثيقة من الدول العظمى بما فيهم برلين، التي جعلت من الملف خطواتها الأولى في المنطقة حتى تتمكن من الحصول على صحتها من صفقات و نفط ليبيا.
23 octobre 2024 - 15:50
18 octobre 2024 - 13:00
17 octobre 2024 - 15:40
15 octobre 2024 - 15:40
11 octobre 2024 - 13:00
07 novembre 2024 - 12:00