مصطفى أزوكاح
من منكم منشغل بالحوار الاجتماعي الذي أطلقته الحكومة مع النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب؟. قد يجازف المرء بالجواب، بأن قلة قليلة جدا ققط، هي التي تهتم بجولة الحوار في ظل حكومة سعد الدين العثماني، وحتى تلك القلة القليلة تتابعه بالكثير من الفتور، وتحاول أن تستلسم للأمل في أن يفضي إلى شيء ما. اتفاق ما يمكن أن يحقق الحد الأدنى من انتظارات العمال والموظفين في المغرب.
نقول انتظارات، تجاوزا، على اعتبار أن الكثير من العمال والموظفين، لم يعودوا ينتظرون. لم يعد هناك تشويق في ذلك الحوار، الذي فقد الكثير من جاذبيته، فالحكومة لم تدع للحوار سوى من باب" الصواب " ومن أجل رفع العتب، هي التي تعبر عن ضيقها من رفع الأجور، والنقابات تسعى إلى لعب دورها الطبيعي الذي لم تعد تتقنه كثيرا، والاتحاد العام لمقاولات المغرب، يقبل بذلك الحوار على مضض، فهو غير مستعد لتقديم " تنازلات"، يمكن أن تنال من «تنافسية » المقاولة، خاصة مع قرب انتخاب رئيس الجديد لرجال الأعمال.
عندما عصفت حكومة عبد الإله بنكيران بتقليد "التوافق" في الحوار الاجتماعي، لم يعد ذلك التمرين يثير الكثير من الفضول. فقد كانت المفاوضات تحبس الأنفاس، بما يحيط بها من ضغط من قبل النقابات بالنزول إلى الشارع، وما يبديه رجال الأعمال من تمنع وسعي للحصول على « هدايا » تخفف من وقع ما يسمحون به من زيادة في الأجور، وما تسعى إليه الحكومة من تقريب لوجهات النظر، دون أن تغفل أنها طرف في ذلك الحوار، الذي تتحاشى خلاله أن تقدم تنازلات يمكن أن تفضي إلى النفخ في كتلة أجور الموظفين التي تراها مرتفعة.. لكنع مع ذلك كانت تستجيب لأسباب سياسية في أغلب الأحيان..
لم تتغير مطالب النقابات منذ أكثر من خمسة أعوام، فهي تلح على تنفيذ ما اتفق عليه في 26 أبريل 2011، الذي جاء في ظل الربيع العربي، و تدعو لتجميد مناقشة أو سحب مشروع قانون الإضراب من البرلمان وتحصين الحريات النقابية، بالإضافية إلى تحسين الدخل أو الزيادة في الأجور، فيما يسعى الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى الحصول على التزامات حول مرونة سوق الشغل وتنظيم قانون الإضراب. ويظهر أن الحكومة تسعى إلى تقديم نفسها كمسهل للحوار، رغم أنها معنية به كما النقابات و رجال الأعمال.
غير أن الجديد في هذا الحوار الذي أطلقته حكومة العثماني، هو أنه يأتي بعدما لم يعد هاجس " السلم الاجتماعي "، الذي كان يحكم الحوارات الاجتماعية يضغط على الحكومة، فقد تجرأت حكومة عبد الإله بنكيران على ذلك الهدف الذي كانت تستحضره الحكومات السابقة، لم تأبه به كثيرا، عندما تجاوزت النقابات ووعيدها، وفرضت إصلاحات للتقاعد في الوظيفة العمومية ووضعت مشروعا لقانون الإضراب بالبرلمان.
هل تستطيع النقابات انتزاع شيء ما عبر جولة الحوار الحالية؟ عندما قالت الحكومة للنقابات بأن مطالبها ستكلف القطاعين العام والخاص 35 مليار درهم، فإنها كانت تسعى إلى إبراز أن الكلفة ستكون كبيرة جدا، إذا ما استجيب لمطلب تحسين الدخل والزيادة في الأجور كما تتصور ذلك النقابات، التي لم تقتنع بما اقترحته حكومة العثماني، التي تريد اختزال تحسين الدخل في زيادات في التعويضات العائلية و" الزرورة"..
تحاول النقابات أن تبدى نوعا من الحرص على تحقيق مطالبها، فهي تؤكد على أنها لن تقبل اتفاقا لا يتضمن تحسين الدخل أو الزيادة في الأجور، لكنها لا تفصح عن تفاصيل ما تقترحه، فهي تغذي نوعا من الغموض، الذي يوطده، عدم التنسيق في ما بينها من أجل تقديم مطالب موحدة، يمكن أن تضعها في موقف قوة في حوارها مع الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب.
تذهب المركزيات النقابية إلي الحوار متفرقة، فتجربة التنسيق بين الاتحاد المغربي للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، تكسرت على صخرة التصويت على مشروع قانون التقاعد الذي فرضه عبد الإله بنكيران، لتتبادل النقابات بعد ذلك الاتهامات لعبضها البعض. اتهامات وصلت درجة الوصم بالخيانة. وتجلى أن ذلك التنسيق لم يكن " استراتيجيا " كما ادعت القيادات حين الإعلان عنه، وبدا أن حب الزعامة والأحقاد التي تراكمت في الماضي في نفوس القيادات تجاه بعضها البعض ، لا يمكن أن يفضي إلي توحيد كلمتها خدمة للعمال والموظفين.
وفي الوقت الذي تأتي الحكومة بملف واحد إلى الحوار، وبينما يدافع رجال الأعمال عبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب عن مصالحهم، تبدو النقابات منهكة وفاقدة للبوصلة، بسبب تسرب أمراض الشيخوخة إلى أوصالها،والصراعات داخلها، وعدم تجديد طرق عملها، وعدم إعدادها جيدا لملفاتها، غير أن اللافت في هذه النقابات هو رفض قياداتها لتجديد النخب داخلها.. هذا ما قد يفسر رفض بعضها لقانون النقابات الذي يفترض أن يقيم نوعا من التداول السلس والصحي داخلها.
الحكومة تدرك أن النقابات لم تعد لها الأنياب التي كانت تخيف بتكشيرة منها إلى حدود التسعينات، لكنها تحتاجها من أجل الصورة الأخيرة التي ستتناقها وسائل الإعلام، إذا ما جرى التوصل إلى اتفاق مهما كان مضمونه. المهم أن تكون النقابات حاضرة، حيث يخشى من أن يزيد ضعفها في انفلات الوضع النقابي، مع ظهور تنسيقيات لا يعرف إلى ما يمكن أن تقود إليه احتجاجتها في ظل ارتفاع الأسعار وتضرر القدرة الشرائية للأسر. فهل ينفخ الحوار قليلا من الروح في النقابات، حتى تستعيد شيئا من جاذبيتها؟
يعتبر الراسخون في العمل النقابي، أن الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في الماضي في المغرب، لم تأت، في جزء كبير منها، استجابة لضغط اجتماعي، بل جاءت في ظرفية سياسية، اقتضت شراء نوع من السلم الاجتماعي، هذا يسري على اتفاقات 1996 و2000 و2003 و2011. وبما أن حكومة عبد الإله بنكيران، لم تكن واقعة تحت ضغط سياسي كبير، فإنها لم تسع إلى الوصول إلى اتفاق ما مع النقابات، بل إن من المراقبين من يعتبرون أن تلك الحكومة تراجعت عما اتفق عليه مع حكومة عباس الفاسي في 26 أبريل 2011..
ويتجلى أن هناك نوعا من الاتفاق الضمني على ترك الحوار الاجتماعي رهنا بالظرفيات السياسية الضاغطة، بدل مأسسته. فالمأسسة تقتضي وضوحا في الرؤية و أجندة ملزمة للجميع.. وهو الوضوح الذي يبدو أن الأطراف المنخرطة في الحوار لا تسعى إليه، لأنه يستدعي التزامات يتوجب الوفاء بها، لا اتفاقات من أجل معالجة أزمات ذات طبيعة سياسية في بعض الأحيان…والجميع يتذكر كيف نص اتفاق 26 أبريل 2011 على توحيد الحد الأدنى في الصناعة والتجارة والفلاحة دون أن يجسد ذلك الالتزام على أرض الواقع.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00