عزيز بوستة
في سنة 1975 كانت المسيرة الخضراء، واليوم باتت الإشارات كلها خضراء، لقد استغرق الأمر خمسين عاما، ولم يُحسم الأمر نهائيا بعد، وذلك بسبب تقلّب مواقف العالم وبسبب تسرّع الجزائر وقصر نظرها السياسي.
وعلى الرغم من أن العالم لا يزال غارقا في "زمن الأزمات المتواصلة"، إلا أنه أصبح أقلّ ترددا في عام 2025، فيما تظل الجزائر - على ما يبدو - متخبّطة لكنها بدأت تفكر. ومع ذلك، فقد شهد هذا العام تقدّما ملحوظا باعتماد القرار 2797 من قبل مجلس الأمن، بعد معركة قانونية شرسة بين أعضائه.
لقد مرت قضية الصحراء المغربية بأربع محطات حاسمة، بداية من سنة 1975 (المسيرة الخضراء)، ثم وقف إطلاق النار سنة 1991، فمقترح الحكم الذاتي المغربي 2007، لكن الفترة ما بين 2020/2024 كانت مرحلة حاسمة في تاريخ هذا الملف بعد اعتراف الولايات المتحدة وفرنسا بسيادة المغرب... أما سنة 2025 فهو تاريخ يتمثل المنعطف الخامس في هذا النزاع الذي أشعلته الجزائر وتغذيه منذ عقود، رغم أن لا الجزائر ولا المغرب بحاجة إليه بعد اليوم. القرار الجديد يكرّس أولوية، بل وتفرّد، المقترح المغربي للحكم الذاتي، ويدعو الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات تفضي إلى تسوية نهائية لهذا النزاع الذي عطّل طويلا ـ بل أكثر من اللازم ـ مسار الاندماج المغاربي.
الرباط مستعدة، والمغرب عبّر مرارا، على لسان الملك، عن رغبته في المضي قدمًا نحو الحل. لكن هل الجزائر مستعدة لتجاوز عقد القرن العشرين والانفتاح على القرن الحادي والعشرين بكل ما يحمله من وعود ومخاطر؟. حقيقة السؤال مطروح، والإجابة ليست مطمئنة، بالنظر إلى مناورات النظام الجزائري وميل قياداته إلى السير عكس الاتجاه.
تصرّ الجزائر على مبدأ (تقرير المصير) عبر الاستفتاء، وهو مبدأ لا شكّ أنه أساسي في ميثاق الأمم المتحدة، لكنه ليس المبدأ الوحيد، إذ إنها لا تذكر كل الحقائق. فالقرار 2625 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ينصّ بوضوح على أن حق الشعوب في تقرير مصيرها يمكن أن يُمارَس من خلال إنشاء دولة مستقلة، أو الاتحاد مع دولة أخرى، أو باختيار وضع سياسي آخر بحرية تامة.
ومن الآن فصاعدا، سيكون من الضروري تعزيز وترسيخ انخراط سكان المنطقة في مغربيتهم، من خلال مشاركتهم في الانتخابات التي تُنظَّم منذ عقود. أما الجزائر، فلم تعلن بعد موقفا رسميا من القرار 2797، في حين أصدر جبهة البوليساريو بيانًا هاجم فيه النص بشدة ورفضه بشكل قاطع. وهنا يبقى السؤال مطروحًا على الشكل التالي: ماذا سيحدث في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة؟.
أما الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، فمعروفة بتحفظها تجاه المنظمات متعددة الأطراف وميلها إلى الاتفاقات الثنائية المباشرة. وقد انعكس ذلك على اختصار القرار ووضوحه، إذ صيغ بقلم الوفد الأمريكي الذي فضّل الصيغة السريعة والمباشرة. وفي السياق نفسه، صرّح "ستيف ويتكوف"، مستشار ترامب وصديقه وشريكه في لعب الغولف، أن فريقه يعمل على اتفاق سلام بين المغرب والجزائر، متوقعًا أن يتم التوصل إليه في غضون ستين يومًا. رجاؤنا أن يتحقق ذلك، رغم التحفظ المشروع تجاه مدى استعداد المسؤولين الجزائريين للاستماع إلى صوت العقل.
لكن، بما أن القرار يضع قادة الجزائر في موقف حرج، فمن المرجّح أن يبذلوا كل ما في وسعها للتأثير في مسار المفاوضات حول ما تسميه الأمم المتحدة "الحكم الذاتي الحقيقي". وقد يشكّل وصف "الحقيقي" ورقة تعطيل بيد الجزائر، وأداة ضغط بيد الأمريكيين على المغرب. ومع ذلك، يبقى الرهان والثقة في دبلوماسينا وخبرائنا القانونيين لتفكيك هذه المعضلة الجدية التي تنتظرنا.
من جانب آخر، يُتوقَّع أن تسعى روسيا والصين إلى تعقيد المشهد، كلّ لأسبابه الخاصة، فالروس يستخدمون الملف ضمن مقايضاتهم الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، لكنهم امتنعوا عن استخدام الفيتو احترامًا لعلاقاتهم الجيدة مع الرباط، خصوصًا بعد توقيع اتفاق الصيد البحري الذي يشمل ضمنًا المياه الصحراوية المغربية. أما الصين، فموقفها بالامتناع يبدو غامضا وغير مفهوم، إذ آثرت النأي بنفسها عن القضايا الدولية التي لا تمسّها مباشرة.
وبينما تثبت روسيا والصين تمسكهما بحسابات التوازن الإقليمي في المغرب الكبير، يظل السلاح الأقوى للمغرب هو جديّته — تلك الجدية التي تتجلى في احترام التزاماته، ثبات مواقفه، وحيوية دبلوماسيته.
غير أن هذه القوة ترتبط أيضًا بمستوى التنمية والديمقراطية في البلاد، وهو ما يستدعي إصلاحًا سياسيًا مستمرًا، لأن الطبقة السياسية المغربية ستكون منخرطة قريبًا، بشكل مباشر أو غير مباشر، في المفاوضات حول "تحديث وصياغة التفاصيل النهائية لمقترح الحكم الذاتي"، كما أعلن الملك محمد السادس في خطابه مساء ذلك اليوم نفسه.
لقد حقق المغرب هذه النتيجة بفضل مسار تنموي متسارع (رغم الفوارق في الوتيرة)، وبفضل ثقته في قدراته وإيمانه بذاته وهو الأساس في كل ما تحقق. إذا يجب الاستمرار في التقدّم، بجدية أكبر، وبوتيرة أسرع وأقوى، لأن العالم اليوم لا يرحم الضعفاء، والبقاء دون قوة يعني التخندق في موقع خطير ضمن هذا السياق العالمي المضطرب.
ختامًا، يمكن القول إننا ننتقل إلى مرحلة جديدة في قضيتنا الوطنية كما في النظام الدولي الجديد، فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025 وما بعده. اليوم، في الأمم المتحدة، يتقدّم المغرب بشكل واضح، لكن كما في كرة القدم، التقدّم شيء، والحفاظ على التفوق شيء آخر، يتطلب مهارات وأدوات مختلفة. ولنراهن على أن المغرب - بدولته، ومجتمعه، ودبلوماسيته، ونخبه، وشبابه - قادر على ذلك.
وفي انتظار القادم، لنفرح بما تحقق، ولنبقَ إيجابيين وبنّاءين تجاه جيراننا.
01 novembre 2025 - 18:00
01 novembre 2025 - 10:00
31 octobre 2025 - 23:00
31 octobre 2025 - 22:30
31 octobre 2025 - 21:30
ضيوف المواطن
مواطن حمدي24 octobre 2025 - 12:00