عبد القادر الفطواكي
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2026، يبدو أن التحالف الحكومي الثلاثي (التجمع الوطني للأحرار، حزب الاستقلال، وحزب الأصالة والمعاصرة) بدأ فعليا في خوض تسخينات انتخابية مبكرة، عكستها تصريحات قادة الأحزاب وأفعالهم. فعلى الرغم من محاولات الحكومة نفي وجود أي تصدعات داخلية، إلا أن ملامح المنافسة السياسية بدأت تظهر بوضوح، وكأننا أمام سباق سياسي لا يقتصر على الحفاظ على الأغلبية البرلمانية، بل يمتد إلى محاولة السيطرة على قيادة الفريق الحكومي المقبل، الملقب في الصالونات السياسية المغربية بـ"حكومة كأس العالم 2030".
قائد التحالف، حزب التجمع الوطني للأحرار، لم يخفِ طموحه في مواصلة قيادة الحكومة، بعد أن استغل عزيز أخنوش، رئيس الحزب، انعقاد المجلس الوطني للحزب في 11 من يناير الجاري لإرسال إشارات واضحة مفادها أن الحزب مستعد للاستمرار في موقع القيادة بعد انتخابات 2026. لم تتوقف التصريحات عند أخنوش، بل تجاوزها القيادي "محمد أوجار" عند حلوله ضيفا على برنامج "نقطة إلى السطر" على القناة الأولى بداية شهر يناير الجاري، عندما ألمح إلى احتمال توسيع التحالف ليشمل حزب الاتحاد الاشتراكي، في خطوة يمكن أن تخلط الأوراق السياسية مجددًا.
التجمعي والوزير الأسبق للعدل لم تتوقف تصريحاته عند هذا الحد، بل كال خلال ذات المناسبة انتقادات مبطنة لقطاع السكنى والذي تشرف عليه الوزيرة الوصية على القطاع ومنسقة القيادة الجماعية للأصالة والمعاصرة فاطمة الزهراء المنصوري وهو الأمر الذي لم يرق عمدة المدينة الحمراء، حيث أسرّت مصادر مقربة من قيادة "البام" أن الأخيرة أعرب عن انزعاجها من تصريحات محمد أوجار وأنها (يرجّح) أن تكون قد أبلغت عزيز أخنوش بالأمر.
حزب الأصالة والمعاصرة، أبدى بدوه امتعاضه من تصريحات أوجار، التي اعتُبرت انتقادًا مبطنًا لإدارة القطاع. المكتب السياسي للحزب بادر إلى الدفاع عن الوزيرة وإنجازاتها، مشيرًا إلى أرقام إيجابية تعكس نجاح السياسات المتبعة، حيث أفرد فقرة طويلة للموضوع جاء فيها أن المكتب السياسي يعبر عن : “اعتزازه الكبير بالوقع الإيجابي والملموس للتدابير المتخذة في قطاع السكنى والتعمير، كعنوان لأحد القطاعات البارزة والناجحة داخل مسار الحكومة الحالية، والذي تؤكد جميع الأرقام الرسمية أن القرارات الجريئة المتخذة، قد مكنت من رفع رقم المعاملات داخل هذا القطاع، بل داخل سلسلة القطاعات الاقتصادية والمهنية المرتبطة به، مجسدة في رفع معدل مبيعات الاسمنت، وانتعاشة واضحة في سوق شغل المهن والحرف داخل القطاع، وعائد اجتماعي مباشر على وقع عشرات الآلاف من الأسر المغربية التي استفاذت من الدعم المالي المباشر المخصص لاقتناء السكن”.
وفي موازاة ذلك، استغلت المنصوري لقاءً حزبيًا بمراكش لتأكيد طموحات "الجرار" في تصدر نتائج الانتخابات وقيادة الحكومة المقبلة. تصريحاتها جاءت لتعزز خطاب الحزب كبديل سياسي قوي، قادر على تقديم مشروع وطني طموح يتماشى مع التحديات الكبرى التي تواجه المغرب، خصوصًا في ظل استضافة البلاد لحدث رياضي عالمي بحجم مونديال 2030.
حزب الإستقلال الركن الثالث من التحالف الحكومي لم يتأخر بدوه في الرد على الطموحات الانتخابية لحزب التجمع الوطني للأحرار. بعد أن انتقد نزار بركة، الأمين العام للحزب بشكل غير مباشر في مهرجان خطابي وطني تخليدا للذكرى 81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، (انتقد)الأداء الحكومي مشددًا على ضرورة استثمار الفرص الإقليمية والدولية، مثل تنظيم كأس العالم 2030، كمحرك للتنمية. وأكد على أهمية تعبئة طاقات الشباب، محذرًا من التحديات التي تواجههم، مثل البطالة المرتفعة، تراجع الطبقة الوسطى، وتأثيرات التغيرات الرقمية والاجتماعية.
ودعا بركة إلى صياغة "عقد اجتماعي جديد" مع الشباب، يرتكز على تمكينهم من حقوقهم الأساسية، كالعمل والتعليم والصحة، وتحفيزهم على الابتكار والمشاركة في التنمية الوطنية. واعتبر أن إشراك الشباب في وضع السياسات هو السبيل لتعزيز الثقة وإطلاق ديناميات تغيير حقيقية، في مواجهة ما وصفه بأزمة الثقة الحالية.
بركة استغل كذلك اجتماعا لحزب "الميزان" في دائرة العرائش الانتخابية، ليجدد التأكيد أن حزب الاستقلال مصمم على العودة لقيادة الحكومة المقبلة، مشددا أن الحزب لن يكتفي بالمشاركة الشكلية، بل يسعى لتصدر المشهد السياسي، مستعيداً بذلك خطاباً يعكس رغبة الحزب في استعادة مكانته كقوة سياسية رئيسية.
ورغم هذه التحركات المتسارعة، حاولت الحكومة عبر ناطقها الرسمي، مصطفى بايتاس، التخفيف من حدة التكهنات بشأن وجود انقسامات داخلية. بايتاس أكد أن الفضاء السياسي يختلف عن نظيره الحكومي، وأن التصريحات الصادرة عن قادة الأحزاب تعبر عن تقديرات سياسية لا تمثل الموقف الرسمي للتحالف.
بايتاس، قال عقب الندوة الصحفية التي تعقب المجلس الحكومي الأسبوعي، إن الفضاء السياسي يختلف عن نظيره الحكومي، نافيا أن يكون الموضوع قد نوقش في المجلس الأسبوعي للحكومة لأنه لا يدخل ضمن اختصاصاته.
وأبرز الناطق الرسمي بإسم الحكومة أن الفضاء السياسي لا يمكن إخضاعه للوصاية، وأن ما يتم التصريح به في هذا الفضاء يبقى مجرد تقديرات سياسية لا تعبر عن المواقف الرسمية للأحزاب المشكلة للحكومة، وتابع أن الأغلبية منسجمة وتواصل اشتغالها تحت التوجيهات الملكية وبإشراف من رئيسها.
السباق الانتخابي المبكر هذا يكشف عن ديناميكية سياسية متجددة في المغرب، حيث تبدو الأحزاب عازمة على تعزيز مواقعها استعدادًا لاستحقاق 2026. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه التحركات مجرد تكتيكات انتخابية عابرة، أم أنها ستؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي بالكامل؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف عن الإجابة.
23 janvier 2025 - 17:00
22 janvier 2025 - 13:35
18 janvier 2025 - 09:00
17 janvier 2025 - 14:00
17 janvier 2025 - 10:00