عبد القادر الفطواكي
لم تعد الأحزاب السياسية المغربية اليوم مطالبة أكثر أي وقت مضى إلى تجديد خطابها وبرامجها فحسب. بل أضحت ملزمة بشكل فعلي إلى تغيير عدد من وجوهها وقياداتها التي أعاد بعض منها هاته الأحزاب عقودا سحيقة إلى الوراء.
وبتحليلنا لعدد من المسارات السياسية للأحزاب الوطنية، نجد أن العائق الأكبر وراء تطور هاته الأخير وفشلها في استقطاب عدد كبير من شباب وكفاءات هذا الوطن. هو تعاقب نفس الوجوه والقيادات المنتهية الصلاحية (سياسيا) على تسيير هاته الأحزاب، بطرق أسهمت في عزوف سياسي كبير لهاته الفئة التي تشكل قاعدة الهرم الديموغرافي ببلادنا وكنزه اللامادي.
حزب الإتحاد الدستوري وبتاريخه المتميز في جميع المحطات السياسية، نموذج حي لبعض من الأحزاب السياسية المغربية، التي تعيش حالة من حالات" الشرود"، في ظل استمرار قيادة "غير شرعية" في تسيير دواليب هذا التنظيم السياسي اليبرالي المغربي بأسلوب عبثي و قرارات انفرادية تتحدى النظام الداخلي الذي يحدد الاختصاصات وحدود العمل لقيادة وأجهزة الحزب حسب ما عبر عنه عدد من أعضاء المكتب السياسي وأعضاء المجلس الوطني في خرجات إعلامية.
لم يكن الراحل المعطي بوعبيد يدرك ولو للحظة أن الحزب الذي أسسه سنة 1983، وحاز المراكز الأولى خلال الانتخابات التشريعية سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بل وشارك في جل الحكومات التي قادت المغرب خلال تلك المرحلة. ستتهاوى أسهمه ويتراجع توهجه السياسي، ليصل إلى ما وصل إليه من تقهقر منذ سنوات، على خلفية الخلافات الحادة التي طفت بين الأمين العام وأغلبية مكتبه السياسي.
كيف يعقل أن يعيش البيت الداخلي لحزب الاتحاد الدستوري حالة كبيرة من الاحتقان الداخلي؟ وهل من المعقول أن تعيش كل تنظيماته حالة من الجمود والشلل؟، بعد تأخر انعقاد المؤتمر الوطني لحزب دستوري يحمل في جيناته الفكر الليبرالية، وذلك لما يربو عن 3 سنوات بصفر مجلس وطني منذ وصول ساجد سنة 2015 إلى قيادة الحزب وهو ما يعبره فقهاء القانون مخالفة صريحة وبينة لروح القانون. إضافة اتهامات من قيادات حزبية قالت أن الأمين العام حاول إقصاء أعضاء المجلس الوطني خالفوه الرأي، وذلك بعدأن حاول عقد مجلس وطني في حدود 170 من أصل 1000 عضو موزعين على جهات المغرب، حيث عبروا عن استغرابهم الشديد من توجه ساجد نحو عقد مؤتمر وطني دون عقد مؤتمرات إقليمية وجهوية، في تغييب للقانون الأساسي للحزب.
لقد فشل الأمين العام لحزب الإتحاد الدستوري، في إدارة عمودية الدار البيضاء لولايتين، تاركا بها ملفات عالقة إلى حدود الساعة، بالإضافة إلى فشله مرتين في الحصول على عضوية جهة الدارالبيضاء- سطات، الذي دبرها 12 سنة. وهو ما أسهم في حصده لإخفاق مدوي في تدبير حزبه، إن الفرق شاسع بين تدبير الشأن المحلي والحزبي. فإبعاد الكفاءات الأكاديمية، والشباب والنساء كذلك عن المشاركة في تدبير دواليب الحزب. كانت بمثابة الخطأ الجسيم الذي أسفر عن جرّ "الحصان" لذيول الهزيمة خلال الاستحقاقات الماضية وهو ما تعززه غيابات الشبيبة الدستورية ومنظمات المرأة والتنظيمات الأساسية التي تطعم كل الأحزاب بما يلزمها من الأسماء المكونة التي ستساهم في مساعدتها على رسم خارطة طريق واضحة المعالم لمسارها في شتى الاستحقاقات.
أكيد أن حزب الإتحاد الدستوري الذي قادته أسماء سياسية كبيرة، يضم من الأطر والطاقات الفكرية والكفاءات العلمية ما يضمن إرجاعه بشكل سريع إلى سكته الصحيحة، ووضعه في مصاف الأحزاب التي تحظى بمكانة مرموقة عند المغاربة. لكن كل هذا لن يتأتى إلا إذن تم تجاوز عدد من الخلافات، من خلال نفخ روح جديدة في آليات هذا التنظيم الحزبي ومنظماته وهياكله وشبيبته مصالحة داخلية، وذلك عبر تقديم كفاءات و"بروفيلات" مثقفة بمسار أكاديمي قادر على القطع مع سلوكات القيادات السابقة وإخراج الحزب من حالة الفراغ التي عمرت طويلا.
بعد تجارب الأحزاب الاشتراكية و الإسلامية و المحافظة كذلك وغيرها في تسيير الشأن الحكومي للبلاد، المغرب في حاجة اليوم أكثر من أي وقت سابق لحزب بحساسية ليبرالية، بمقدوره مواكبة التغيرات السياسية والجيو- إقتصادية التي أصبح يعيشها العالم، مع تأمين الجبهة الداخلية عبر جعل المواطن في صلب اهتماماته والتجاوب والتفاعل المستمرين مع مطالبه المواطنين ومع الأحداث والتطورات المتلاحقة التي يعيشها المغرب، والمساهمة في البناء الديمقراطي المنشود، والعمل على استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي،و العمل على تجديد أساليب وآليات العمل استنادا لما ظل ينادي به الملك محمد السادس في معظم خطبه وتوجيهاته.
نتمنى بصدق أن يتحلى الدستوريون بما يكفي من الشجاعة لانتخاب الكفاءات المناسبة القادرة على إخراج الحزب من نفقه المظلم وإعادة ترتيب أوراقه وتموقع "الحصان" بالخارطة الحزبية المغربية. لأن المطلوب في أمين عام الجديد أن يكون سياسي تعلم ومارس السياسة كتوجه إستراتجي في البلاد وليس كتوجه انتخبي مؤقت.
إن حزب الاتحاد الدستوري يزخر برجالات أثبتت جدارتها في كل الاستحقاقات الانتخابية بمدينة الدار البيضاء لولايات متعددة، وقادرة على دعم القيادة الجديدة بكل مسؤولية، وهناك جهات فيها رجالات لها وزنها الانتخابي في الشمال والغرب، وفي مناطق أخرى هناك كفاءات في الخارج مناضلة تم تهميشها، كما تم طرد عدد من المناضلين وأعضاء أقوياء من المكتب السياسي ما افرغ الحزب من طاقات هو اليوم في أمس الحاجة إليها.
كما نتمنى نجاح المؤتمر الوطني السادس للحزب الذي سيقام بالقاعة المغطاة التابعة لمركب محمد الخامس بالدار البيضاء يومي 1 و2 أكتوبر المقبل، ووجب عليه لم الشمل وجمع جميع الكفاءات المثقفة من رجال ونساء. ففي نجاح الديمقراطية بأحزابنا نجاح للمسار الديمقراطي بالمغرب وللمغاربة قاطبة.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00