في الصميم
حسن عبيابة : تدبير اقتصاد الأزمات ظهر نتيجة التحولات الجيوإقتصادية الدولية
ذ.حسن عبيابة/ أستاذ التعليم العالي ووزير سابق
وبدون مقدمات وعكس ماجاء في العديد من التقارير والدراسات التي تحظى بمصداقية كبيرة، وجدت معظم دول العالم نفسها غير مستقلة كليا أو جزئيا من الناحية الإقتصادية، وخصوصا في مجال الطاقة والأمن الغذائي، واكتشف العالم فجأة بأن اقتصادات العديد من الدول، بما فيها بعض الدول المتقدمة، قد تصبح مهددة في حياتها الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما جعل بعض الدول تتخلى عن بعض القيم وتعلن الحروب العسكرية والحروب الاقتصادية، وتدعم الصراعات الإقليمية والدولية لكي تستفيد من التدبير الدولي للأزمات، وذلك بعقد الصفقات السرية والعلنية وفق عقود مقايضة غالبا مايكون الخاسر فيها هو الإقتصادات الضعيفة.
ويبدو أن الديموقراطية وحدها أصبحت غير كافية لخلق اقتصاد قوي، فالإنتخابات النزيهة والحكومات المشكلة لأغلبيات، ولو قوية، أصبحت متجاوزة إن لم يكن لها نفوذ قوي في الخارج على المستويين الدولي والإقليمي، والمثال هنا واضح في السياسية الفرنسية، فسياسية فرنسا مع دول الإتحاد الاوروبي ومع العالم العربي ومع إفريقيا لاعلاقة لها بالصورة الديموقراطية المعلنة في فرنسا، فهي تبيع السلاح لمن يدفع أكثر، وترسل جيوشها حسب المصلحة الخاصة، وهذا توجه جديد للعديد من الدول في إطار التعامل مع إقتصاد الأزمات،
وبالتالي أصبح هدف معظهم الدول في العالم هو البحث عن تقوية إقتصاداتها بالدرجة الأولى، وفي خطاب العرش لهذه السنة أعطى جلالة الملك توجيهاته السامية إلى جميع المؤسسات المعنية بالتنمية موجها خطابا مباشرا إلى الحكومة والأحزاب السياسية والهيئات الاقتصادية، للعمل من أجل جلب الاستثمارات الأجنبية التي أصبحت تبحث عن ملاذ آمن للعمل، وهي فرصة للمغرب لتحقيق النمو، لأنه لا بديل لتحقيق نمو إقتصادي كاف للتنمية المستدامة إلا بالاستثمارات الخارجية، كما يحصل في عدد كبير من الدول المتقدمة والصاعدة، لأن الحلول في المغرب لن تبقى في إنتظار تساقط الأمطار بكميات كافية، ولا بإنتظار سائح يأتي أو لا يأتي، وإنما الحل يأتي بتوفير بيئة مناسبة تؤمن الإستثمار الأجنبي وتؤمن منافع للإقتصاد الوطني عن طريق تطبيق ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن الصراع الداخلي حول ثروة قد تكفي وقد لا تكفي لحاجيات المواطنين لا تحقق النتائج المطلوبة، كما أن المعارك بالوكالة مع أو ضد الحكومة قد لا ينتج شيئا، فمماسة المعارضة بأي شكل ديموقراطي وقانوني مسموح به ويبقى مطلوبا، لكن البحث عن البديل المشترك للتنمية هو المطلوب أكثر من الجميع، والمغرب بحكم تفكير الدولة الضامن للاستمرار الإقتصادي والإجتماعي، إستطاع أثناء فترة كوفيد-19، وما نتج عنها من تراكمات مالية أن يكسب خبرة للتعامل مع كل الأزمات المالية والإقتصادية، كما أن التعامل الدبلوماسي للدولة والدخول في محاور جد مهمة من الناحية الجيوسياسية جعل المغرب قادرا على التعامل مع الأزمات الإقتصادية ولو بالتقليل من الأضرار، لأن دولة المؤسسات قادرة على التعامل مع التحولات العالمية، بغض النظر عن بقاء الحكومات أو تغييرها كليا أو جزئيا، ولدينا في النموذج الإيطالي والفرنسي وغيره من الدول الديموقراطية خير مثال، حيث تعتبر فيه الدولة ثابتة والحكومات متغيرة حسب ما تمليه المستجدات السياسية.