عبد القادر الفطواكي
لا صوت اليوم يعلو فوق صوت الارتفاع الصاروخي للأسعار والذي استعر لهيبها بداية من السنة الماضية، واستمر خلال السنة الجارية، نتيجة الزيادات المتكررة في أسعار المحروقات مثأترة بتداعيات الفيروس التاجي، من جهة والحرب الأوكرانية الروسية من جهة ثانية.
الزيادات الأخيرة في المواد الأولية والغذائية والتصنيعية وغيرها، أكيد أن ارتباطها وثيق بإرتفاع أسعار المحروقات، بحيث أن ارتفاع الأولى لن يستقيم ولا يجد ما يبرره من دون غلاء الثانية، والتي لا يمكن لمهنيي النقل والطاقة الذين يعتبرنها العصب المحرك لكل مناحي الحياة اليومية والاستهلاكية لكل مغربي ومغربية الاستغناء عنها.
من هنا يتراقص إلى مفكرتنا بشكل تلقائي سؤال جوهري، متعلق في عمقه بأزمة "لاسامير" الشهيرة، وهي الشركة التي كانت تكرر البترول الذي يستهلكه المغاربة، إضافة إلى ما كنت توفره لميزانية الدولة، وهي المؤسسة التي اغتيلت في ليل ظلام حالك بعد الإعلان في شهر غشت من سنة 2015 التوقف عن التكرير بآلاتها بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها جراء تراكم الديون التي تجاوزت 43 مليار درهم (نحو 4.4 مليارات دولار)، منها 13 مليار درهم لفائدة إدارة الجمارك، وعشرة مليارات درهم لفائدة البنوك الوطنية، وعشرون مليار درهم لفائدة البنوك الأجنبية. قبل أن يتم تعميق المشكل بقرار خصخصة هذه الشركة سنة 1996.
أصل المشكل الذي يعيشها المغاربة اليوم، يعود بالأساس إلى إقدام الحكومة السابقة على تحرير قطاع المحروقات في عهد بنكيران، في قرار عشوائي حمل معه جملة من المخاطر التي كانت قد أثارت مخاوف مجموعة من الخبراء الاقتصاديين المغاربة آتذاك، بعدما تخلقت الحكومة عن تأسيس جهاز لضبط هذا القطاع بما يحافظ على مصلحة المستهلك ويراعي المصلحة العامة، بدل فسح المجال لمجموعة ضاغطة من شركات التوزيع لتحتكر القطاع، وهو ما قد يرخي بظلاله على المعيش اليومي للمغاربة، ويهدد السلم الإجتماعي، والذي ظل علامة مغربية عربية لعقود.
هذا التحرير الحكومي العشوائي للمحروقات، والذي أغفل حماية المستهلك بتسقيف الأسعار ولّد شعورا كبيرا لدى الموزعين المستفيدين من هاته الكعكة بأنهم فوق القانون، وذلك بعد أن أصبحت الأسعار بيدهم بعد التحرير النهائي للسوق الوطنية؛ لكن، ومع الأسف، لم يتغير فارق الأسعار بسبب الاقتناء الموحد للشركات المغربية من نفس أماكن بيع المحروقات.
من هنا يبرز مدخل جد مهم لطرح عدد من التساؤلات على رأسها، لماذا لم تفكر الحكومة طيلة هاته الفترة في التدخل ومحاولة معالجة أزمة مصفاة "لاسامير"، لضمان انسيابية في تكرير وتخزين البترول ومشتقاته؟.. لماذا لم يتم التخطيط لتأسيس شركة مشابهة لـهذه الشركة؟... بل ولماذا لم يتم التدخل لتحديد نسب ربح شركات المحروقات؟
ومن له مصلحة في أن تظل دار لقمان على حالها؟ أسئلة وأخرى لازالت لم ولن تراوح مكانها بحكم أن من بين صناع القرار، سياسيون هم قطب الرحى في مسار عملية استيراد وتوزيع المحروقات بالمغرب، وليس لهم أية رغبة في تصحيح الوضع ولا المجازفة بأرباح يمكن أن تنضاف إلى جشع حسابات شركاتهم بالمغرب وخارجه.
لا يمكننا أن نستفيض في هذا النقاش دون أن نستشهد بالخرجة الأخيرة لعبد الاله بنكيران رئيس الحكومة الأسبق، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبر بث مباشر على صفحته الخاصة على "فيسبوك"، عبر فيها إن أخنوش كان أسعد الناس بعد قرار تحرير أسعار المحروقات، كما أنه كان من أشد المدافعين عنه، لكن بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة أصبح يهاجمه، معبر عن أسفه لأنه -حسب تعبيره- وثق من أن المنافسة ستضبط أسعار السوق لكن الذي وقع أن أخنوش اتفق رفقة الشركات على منافسة "غير شريفة" وغير منطقية من خلال اتفاق مسبق برفع الأسعار وعدم تخفيضها وملائمتها مع أسعار السوق العالمية. وهو تشكيك من ابن كيران في سلامة الفواتير التي كانت تقدمها شركات المحروقات لصندوق المقاصة للاستفادة من الدعم، مقرّا أنه الحكومة لم تكن تملك وسيلة للتحقق من أسعار شراء شركات للبترول التي كانت تقدم فاتورة للاستفادة من الدعم، وبالتالي فبنكيران يكون قد وضع أخنوش ومن معه في دائرة الشبهات ما لم يثبتوا العكس ويخرجوا دليل خلو ذمتهم.
إن ترأس أخنوش للحكومة المغربية، علما أنه يعد إمبراطورا للمحروقات من خلال شركته العملاقة "أفريقيا"، أضحى يشكل مصدر استفهام كبير، فاتحا باب الريبة مفتوحا على مصرعيه، حول الأسباب الكامنة وراء تقاعس الأغلبية الحكومية عن إيجاد مخرج للتخفيف من حدة غلاء سعر المحروقات بالسوق الوطنية، وحول صمت أخنوش عن موضوع تحرير أسعار المحروقات، وكذا مستقبل "لاسامير" وبالتالي الأمن الطاقي للمملكة. فلماذا لا تسر حكومة "أخنوش" على خطى كل من فرنسا وإسبانيا من خلال تقليص الضريبة التي تستخلص من بيع المحروقات لخفض أسعارها؟ لأنه حينما ترتفع الأسعار فإن الضريبة ترتفع بدورها وهو ما يسمح للدولة بالتغطية على العجز الميزاني للدولة، ثم لماذا لم تتدخل الحكومة كذلك لتحديد نسب ربح الشركات المعنية التي تعمل على استيراد وتوزيع المحروقات بالمغرب وتسقيفها؟ ثم لماذا لا تتواصل الحكومة مع المواطنين لشرح وضعية السوقين العالمي والدولي إزاء هذا الخط التصاعدي للأسعار؟.
إنّ تخطي سعر البنزين لعتبة 16 درهما في أقوى ارتفاع لهذه المادة الحيوية ببلادنا، يجب أن توازيه شفافية من قبل الشركات التي تعمل في هذا المجال، من خلال تقديم كل التفاصيل المتعلقة بـمراقبة مسار البترول الذي يدخل المغرب، وتتبع كلفة تأمينه ونقله وتخزيته كذلك، ومن تم تتدخل الدولة لتحديد سعره وتسقيفه، لا أن تترك المواطن فريسة لهاته الشركات، التي راكمت من الثروات الشيء الكثير في وقت أنهكت جيوب المغاربة في ظل معارضة جد ضعيفة لم تنجح في حماية المواطن البسيط. مع ضرورة إيجاد تسوية لمشكل "لاسامير"، أو التفكير في تأسيس شركة ممثلة لها كخيار استراتيجي لتأمين الطاقة للمغاربة.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
21 janvier 2025 - 09:00