مواطن
أطلقت الحكومة المغربية مسطرة اعتماد مشروع قانون المالية 2022، وهو بالمناسبة أول مشروع قانون مالية في عمر الحكومة الجديدة المتمخضة عن انتخابات 8شتنبر المنصرم. وإذا كان مشروع قانون المالية دخل مراحل المصادقة البرلمانية والمناقشة في اللجان الموضوعاتية داخل المجلسين، فإن حركة معا كفاعل سياسي ملتزم ببرنامج متابعة الحكومة ومساءلتها خارج القنوات الرسمية تقدم قراءتها للمشروع تنزيلا لورشنا المفتوح منذ تنصيب الحكومة "التزموا معنا".
السياق العام:
يأتي مشروع قانون المالية برسم سنة 2022 في سياق اقتصادي خاص مرتبط باستمرار آثار جائحة كوفيد 19 في التأثير في سير القطاعات الاقتصادية، رغم بوادر الانفراج التي تجسدها نسبة النمو المتوقع لسنة 2021 البالغة 6.2%، والمرتبط أساسا بالإنتاج الفلاحي القياسي الذي بلغ 103 مليون قنطار في سنة فلاحية استثنائية. وفي سياق آخر، يتم اعتماد هذا المشروع بتزامن مع تنزيل الإجراءات الأولى للبرنامج الحكومي الجديد والإعلان عن دخول النموذج التنموي الجديد حيز التنفيذ والمرتبط بمحاولة إعادة هيكلة منظومتي التكوين والإنتاج.
على الصعيد الدولي، تتواصل موجة التعافي في الاقتصاديات العالمية وفق وتيرة غير مضبوطة بتحقيق نسب جيدة سرعان ما تتراجع بعد تجدد الموجات الوبائية والإجراءات الاحترازية التي تحد من عودة النشاط الاقتصادي إلى سابق عهده. كما تشهد أسواق المواد الأولية عموما والطاقية بصفة خاصة ارتفاعا مضطردا للأسعار وانتشارا لموجات الغلاء المرتبطة بارتفاع تكاليف النقل والتخزين وحدة الطلب وعدم قدرة الألة الإنتاجية على مواكبته.
سياسيا، تمارس الحكومة مهامها بعد انتخابات تشريعية ومحلية استثنائية مكنت أحزاب الأغلبية من السيطرة على كل المجالس التمثيلية من مجلس النواب ابتداء، ووصولا إلى مجالس الجماعات المحلية، غير أن هذا لا ينفي ملاحظتنا السلبية حول الانتخابات الأخيرة باعتبارها مرتعا خصبا لاستعمال المال، وتجسيدا في كل المستويات لتزاوج المال والسلطة، وعدم قدرة الأحزاب المعارضة على إنجاز أدوارها بالشكل المطلوب. ومن بوادر الممارسة السياسية داخل المجالس المنتخبة يمكن ملاحظة ضعف مستوى المساءلة السياسية وهيمنة الخطاب التقريري للوزراء وفرق الأغلبية، مما يؤشر على وضع سياسي غير صحي يروج لخطاب أحادي الجانب ويترك هامشا صغيرا للمعارضة داخل المؤسسات وينقلها خارجها.
بعد تعداد هذه السياقات التي تؤطر مشروع قانون المالية 2022، رصدت حركة معا بعد ورشات متتالية لخبراء الحركة مجموعات من الملاحظات بخصوصه. أولى هذه الملاحظات تحمل طابعا إيجابيا باعتبار الميزانية المرصودة للاستثمار العمومي، مما يؤشر إلى انتهاج سياسة مالية توسعية خالفت الدعوات إلى انتهاج سياسة تقشفية. ثاني الملاحظات الإيجابية تتعلق بفتح ورش التغطية الاجتماعية المعممة خلال السنة القادمة في أفق استكمال البرنامج المرحلي سنة 2025.ثالث الإجراءات الاجتماعية الرفع من ميزانيتي قطاعي التعليم والصحة ب 9 ملايير درهم برسم السنة المقبلة. تثمن الحركة هذه الإجراءات الساعية للاستمرار في إنعاش الاقتصاد الوطني في فترة ما بعد الجائحة وتعزيز الإمكانيات الاقتصادية للمواطنين المغاربة خاصة من يعيش منهم في مستوى الهشاشة، وتحسين الولوج للخدمات العمومية الأساسية.
وإذا كانت الإجراءات المتخذة تستحق من حيث المبدإ التنويه، فإننا في حركة معا نتساءل عن الجدوى الاقتصادية وتأثيرها على مستوى النمو الاقتصادي، بل نتساءل عن إمكانية تنزيلها مع مستوى نمو متوقع يصل إلى 3.2% والذي بالكاد سيعيد الاقتصاد الوطني إلى مستوى سنة 2019 ما قبل الجائحة. وهنا تربط الحركة مشروع قانون المالية مع البرامج الانتخابية للأحزاب المشكلة للأغلبية التي تحدثت عن نمو مستديم وقوي، وعن شروط الإقلاع الاقتصادي التي رهنها تقرير النموذج التنموي الجديد بنمو يصل 6%، وتخطي فخ النمو المتوسط الذي يكبل الاقتصاد الوطني والذي لم يتجاوز معدل 3.5% خلال العشرية الأخيرة.
أولا: الاستثمار العمومي
تطرح الحركة إشكالا بنيويا للاقتصاد المغربي والمرتبط بمستويات الاستثمار والنمو المترتب عنه، حيث يتعدى معدل الاستثمار بالنسبة للناتج الداخلي الخام 30%، بنسب نمو متوسط لا تتعدى 3.5% كما أسلفنا، بينما تأثيره في بلدان أخرى صاعدة كتركيا والفيتنام والتايلاند وماليزيا... يتعدى 5.5% إلى 6% كنسب نمو سنوية، رغم أن معدلات الاستثمار فيها لا تتعدى 25%. كما نرصد أن الجهد الاستثماري مركز في القطاع العام بنسبة تتعدى 60%، مع يصاحب ذلك من إشكالات مرتبطة بالأثر الاقتصادي وتوفير بيئة مساعدة على استشراء الفساد وصعوبة آليات المراقبة وعدم تنزيل المشاريع (نسبة إنجاز ميزانية الاستثمار العمومي لا تتعدى 75%). هذه النسبة (60%) تبقى جد مرتفعة بالمقارنة مع معدل 15% المسجل في الدول السابق ذكرها.
ثانيا: فرص الشغل
يقدم مشروع المالية رقم 125 ألف منصب شغل سيتم خلقه خلال السنة القادمة، وهو رقم يطرح تساؤلين مهمين: كيف يمكن خلق هذا الرقم بنسبة النمو المعلنة أي أن كل نقطة نمو تخلق أزيد من 39 ألف منصب شغل، علما أن المعدل الحالي لا يتعدى 25 ألف منصب شغل لكل نقطة نمو؟ ثم كيف يمكن تحقيق رقم مليون منصب شغل الذي أعلن عنه في البرنامج الحكومي خلال 5 سنوات أي بمعدل 200 ألف منصب، الذي يفوق الرقم المعلن عنه ب75 ألف منصب، وذلك رغم الجهد الاستثماري الاستثنائي غير المسبوق خلال هذه السنة؟ بالإضافة إلى الأرقام المعلنة، تستمر الحكومة في سياسية التوظيف الجهوي دونما تأطير قانوني مناسب بخلق 17 ألف منصب في قطاع التعليم يتم تمويلها من نفقات المعدات، مما يتناقض مع البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية، ويؤجل الحسم في ملف يتخذ شكل كرة ثلج تتضخم في قطاع حيوي يخوض رهان الإصلاح بتنزيل مضامين القانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين.
ثالثا: التضخم
بنى مشروع المالية 2022 توقعاته على أساس معدل تضخم يصل إلى 1.2%، وهو معدل مرتفع عن السنوات الماضية بسبب ارتفاع الأسعار في أسواق المواد الأولية العالمية. هذه النسبة المتحكم فيها ترجع بالأساس إلى اعتماد المغرب سياسة دعم أسعار غاز البوتان التي ارتفعت بأكثر من 300%، وبلغ مستوى نفقات المقاصة المرتبطة به 2.2% من مجموع النفقات العمومية. بخصوص هذا الرقم الضخم، نتساءل في حركة معا عن المستفيدين من هذا الدعم وعن نسبة الاستهلاك المنزلي من مجموع الوطني الذي يعد من أكبر الاستهلاكات على الرغم من كوننا دولة تستورد كل حاجياتها من الغاز.
وعلى الرغم من الجهد الإنفاقي في دعم الغاز، إلا أن الإجراءات المنصوص عليها في مشروع قانون 2022 تبقى محتشمة بخصوص دعم القدرة الشرائية للمواطنين. فقد تصاعدت أصوات الاحتجاجات بخصوص الزيادات الأخيرة التي شهدتها مجموعة من المواد الأساسية كالقمح والزيوت النباتية والمواد الأولية... في هذا السياق، كنا نتوقع من الحكومة تقديم مقترحات لمراجعة الضريبة على القيمة المضافة وحقوق الجمارك والضريبة الداخلية على الاستهلاك لمواجهة تبعات التضخم المستورد وحماية القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة وتخفيف كلفة الإنتاج للمقاولات المغربية والرفع من تنافسيتها.
كما ندعو الحكومة المغربية إلى سياسة استباقية توقعية للارتفاع المستمر للأسعار في أسواق المواد الأولية، والتي تؤشر التوقعات على استمرار موجة التضخم في الانتشار كإحدى تبعات ارتفاع الطلب واسترجاع النشاط الاقتصادي لمستوياته السابقة وارتفاع تكاليف النقل واللوجستيك والعودة التدريجية لوحدات الإنتاج... ويشكل الاستثمار في المشتقات المالية أحد أنجع السبل للحماية من تقلبات السوق الدولية، والتي تتيح تأمينا مستقبليا للاقتصاد الوطني.
رابعا: السياسة الجبائية
جاء نص المشروع بإجراءات ضريبية جديدة سترفع مستوى المداخيل الضريبية من 201 مليار درهم برسم 2021 إلى 231 مليار درهم برسم سنة 2022 تمثل الضرائب غير المباشرة نسبة 42.8%، وهو مؤشر غير سليم لتقييم مبدإ العدالة الضريبية. وقد نص المشروع على إجراءات تثير الكثير من التساؤلات حول جدواها الاقتصادية وتأثيرها على نسبة تغطية المداخيل الضريبية للمصاريف العامة التي لا تتعدى 65%، من قبيل فرض ضريبة الاستهلاك الداخلية على التجهيزات المنزلية من فئة استهلاك الطاقة باء B فما تحت، والتي لا نعلم حجمها السنوي ولا قيمة المبيعات المرتبطة بها، علما أن هذه النوعية من الأدوات المنزلية تستهدف الطبقة الاجتماعية الهشة والفقيرة لانخفاض أثمنتها مقارنة مع الفئة ألف A.
بخصوص الضريبة على الشركات، تخلت الحكومة عن قرار التضريب التصاعدي لصالح التضريب التناسبي مما نعتبره في حركة معا قرارا مجحفا ويشجع على التهرب الضريبي، ويكبح تطور بنية الشركات من مقاولات متوسطة الحجم إلى مقاولات كبرى. في المقابل، لا نجد في نص المشروع إجراءات فعالة لتوسيع قاعدة الخاضعين للضريبة على الدخل في أفق إدماج القطاع غير المهيكل. وفي نسق استمرارية الترافع على مبدإ العدالة الضريبية، نذكر بمجموع المقترحات التي سبق تقديمها والتي نقدر أنها لم تنل الاهتمام من المسؤولين الحكوميين ومهندسي السياسة الضريبية.
الضريبة على الدخل
الضريبة على القيمة المضافة
الضريبة على الشركات
الضرائب المحلية
خامسا: القطاع الخاص
يفتقر مشروع قانون المالية 2022 إلى إجراءات تحفيزية لمواجهة المشاكل الهيكلية لقطاع الأعمال والاستثمار الخصوصي. ولعل أحد أكبر المعيقات للقطاع المغربي التي تم التغاضي عن اتخاذ إجراءات فيها كلفة اللوجستيك التي تمثل ما يعادل 20% من الناتج الداخلي الخام، وهو رقم مرتفع عن المعدل المعياري الذي يتراوح بين 12 و15%، مما يفقدنا ما بين 0.5 إلى 0.7% نقطة في النمو الاقتصادي. إن إحدى الأولويات التي نقدر في حركة معا أنها ضرورية لضمان جذب الاستثمارات والرفع من الإنتاجية مراجعة أسعار العقار الموجه للبنيات الصناعية والذي يماثل نظيره في دول إسبانيا والبرتغال مع الفارق الكبير في مستويات الكفاءات البشرية بين المغرب والبلدين الإيبيريين. كما تنضاف مصاريف العبور بين ضفتي مضيق جبل طارق وارتفاع كلفات الشحن والتخزين في الموانئ المغربية إلى المؤشرات السلبية.
وفي نفس الإطار يطرح مشكل التنزيل الفعلي لمقتضيات القانون 13.09 المرتبط بالإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية للتيار العالي والمتوسط، حيث يقتصر الإنتاج الحالي على الوحدات التي تستعمل التيار العالي، بينما توضع عراقيل لوجيستيكية على الوحدات التي تحتاج لتيار متوسط التوتر وهذا ما يحد من تنافسيتها الدولية نظرا لكلفة الطاقة المرتفعة في المغرب.
في ختام هذه الورقة، تؤكد حركة معا أن ممارستها لهذا التمرين الديمقراطي تنزيل لمبدئها الأساسي "التمكين السياسي للمواطن المغربي"، وأنها ستظل حركة فاعلة منفتحة لمناقشة قضايا الشأن العام وفق مقاربة تشاركية مع جميع الفاعلين باعتماد تثمين المبادرات الإيجابية ونقد السلبي منها واقتراح إجراءات لتجويد السياسات العمومية.
26 novembre 2024 - 11:30
25 novembre 2024 - 14:00
25 novembre 2024 - 13:00
24 novembre 2024 - 14:00
22 novembre 2024 - 11:00
18 novembre 2024 - 10:00