عبد القادر الفطواكي
أطلقت تصريحات الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، رصاصة الرحمة على النظام العسكري الجزائري، بعد أن كشف عددا من الحقائق المتعلقة بالجزائر التي أكد أنها كان مجرد "إيالة تركية" قبل الاحتلال الفرنسي لها.
ماكرون فجّر قنبلة القرن عند استقباله لـ 18 شابا من الفرنسيين، ذوي الأصل الجزائري ومزدوجي الجنسية. من أجل مناقشة قضية "مصالحة الشعوب"، بحكم أنهم أحفاد "حركيين" تعاونوا مع الجيش الفرنسي خلال فترة الاستعمار أو أنهم أحفاد معمرين أوروبيين عادوا إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر.
الرئيس الفرنسي تساءل خلال ذات اللقاء، عما إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ معبّرا عن اندهاشه الكبير لقدرة تركيا في جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر، والهيمنة التي مارستها، وترويجها لفكرة أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون. وهو الأمر الذي صدقه الجزائريون، حسب تعبير ماكرون.
تصريحات "إيمانويل ماكرون"، يجب قراءتها قراءة صحيحة ومتأنية، فالرئيس الفرنسي قصد بالأمة الجزائرية هنا مفهوم "الدولة"، أي أنه أراد التشديد لعدم وجود دولة مستقلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تسمى "الجزائر" قبل الاستعمار الفرنسي بهذا القطر الشمال أفريقي، على غرار "الامبراطورية المغربية الشريفة"، أو ما أسمي بـ"المغرب الأقصى"، والتي يمتد تاريخها لـحوالي 12 قرنا.
كلام سيد "الأيليزي"، تجاوز التاريخ ليتناول وضع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والذي قال عنه أنه "رهين" لنظام "متحجر"، مضيفا أنه يجري حوارا جيدا مع الرئيس الجزائري، وأن الأخير عالق في نظام شديد التصلب. "ماكرون" كشف كذلك أن من يصنع الكراهية والعداء ضد فرنسا هو النظام السياسي والجيش وليس الشعب الجزائري، حيث وصف النظام الجزائري الحالي بالنظام "المنهك"، بحكم أن سن أصغر جنرال في الجيش الجزائري يربو على 78 عاما فما فوق.
التصعيد الخطير للرئيس الفرنسي في حق الجزائر لا يجب فصله أبدا، عن قرار فرنسا التقليص من عدد التأشيرات الممنوحة للجزائرين، بعد أن استدعت الجزائر السفير الفرنسي لديها للاحتجاج، معتبرة أن هذا القرار جاء بدون تشاور مسبق مع الجانب الجزائري، في رد فعل قوي يبدو أن باريس لم تستسغه بعد أن نقل سفيرها المعاملة الغير اللائقة التي لقيها من طرف الجانب الجزائري، خلافا للموفقين الحكيمين لكل من المغرب وتونس اللذان كانا معنيين كذلك بقرار خفض التأشيرات الفرنسية لرعايها، لكل حُمق حكام الجزائر أوقعهم في المحظور.
نقطة أخرى غاية في الأهمية تُعلل لهجة الرئيس الفرنسي القوية والعنيفة في وجه الجزائر، تلك المتعلقة بـ"البلطجة" التي قادتها مخابرات الأخيرة في مالي وبتورطها في قتل سائق مغربي بالبلاد، إضافة إلى القلاقل التي أحدثتها بشمال موريطانيا وحركاتها البهلوانية في وجه المغرب بقطع علاقاتها الدبلوماسية معه، ومنع مجالها الجوي في وجه طيرانه المدني والعسكري، وهي تحركات وقرارات لم تُحط ولم تستشر فيها الجزائري فرنسا ولم تأخذ رأيها كما جرت الأعراف السياسية الجاري بها العمل بذلك، ما من شأنه أن يمس باستقرار المنطقة برمتها.
وبهذه التصرفات التي باتت تغذي "الإرهاب" بالمنطقة من خلال دعم جبهة البوليساريو الإنفصالية والتي كبدتها فرنسا خسارة قاسية بتصفية قائد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الصحراء الكبرى عدنان أبو وليد الصحراوي أحد رموز الجبهة. يبدو أن باريس ضاقت ذرعا بالنظام العسكري الجزائري وجنرالاته المسنة حيث باتت تنوي تغيير هذا النظام العقيم الذي لم يجر إلى الويلات على منطقة الشمال الإفريقي والساحل، حيث تعيش عصابة الجنرالات بعد اليوم أحلك أيامها بعد أن أشرت فرنسا لنشر كتاب "ربيع الإرهاب في الجزائر"، والذي يروي تفاصيل صناعة الإرهاب من طرف النظام الجزائري، بشهادة قادة عسكريين و أطر فرت من الجزائر تنتمي لـ " نادي الصنوبر" الشهير.
ومن شأن الكتاب الذي سيغير نظرة الجميع للنظام المتحكم في دواليب الحكم في الجزائر، الكشف عن وثائق عبارة تحركات سرية بين النظام الجزائري و الحركات الإرهابية التي ذبحت وقتلة الجزائريين خلال ما أسمي بـ"العشرية السوداء"، و التي اشترطت على النظام الجزائري الدفع المتواصل للحفاظ على التوازن بالبلاد وضمان صمت هذه الحركات، حتى يؤكد القادة العسكريون للشعب أن الإرهاب قائم في أي لحظة،مما يعطي الإحساس الملحّ بالحاجة إلى العسكر لاستثاب الأمن بالبلاد.
الإصدار الجديد الذي يكشف نفاذ صبر فرنسا من حماقات العسكر الجزائري، يكشف تورط كل من الجنرال توفيق مدين، وخالد نزار، وسعيد شنقريحة، وأسماء أخرى، في توظيف ورقة "الإرهاب" لإشعال فتيل الحرب الأهلية في الجزائر، بالحجج والبراهين والأدلة الدامعة.
كلام ماكرون إذن يظهر بما لا يدع مجالا للشك، أن تبون لا يعدو أن يكون إلى واجهة رئاسية جامدة، تصرف من خلالها "كبرانات" الجزائر سياساتها المخبولة، والعداء الكبير للمغرب عقدتها التاريخية، ليتضح بشكل واضح الدور القذر الذي لعبته وتلعبه المؤسسة العسكرية الدكتاتورية الجزائرية بالبلاد والمنطقة برمتها في نفث سموم الحقد والتوتر والاحتقان. فهل تقطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع باريس وتمتع مجالها الجوي عن طائراته المدينة، أن جنرالات الجارة الشرقية ستعمل بالبيت الشعري للشاعر "عمران بن حطان" والذي قال فيه "أسد علي وفي الحروب نعامة"، في علاقتها مع المغرب تارة و مع ماما فرنسا تارة أخرى.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00