بقلم: محمد الشمسي
أذكر فيما أذكر أنه كان لي شرف المشاركة في ندوة نظمها مركز حقوقي بالرباط حول الموضوع القديم الجديد"عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء"، كنت رفقة أستاذ جامعي في صف الفريق المنادي بالإبقاء مع التنفيذ، وفي الضفة الأخرى مشاركان يناشدان إعدام عقوبة الإعدام ...
أدلى كل واحد منا بدلوه للدفاع عن اختياره بما في حوزته من براهين وأمثلة، وفتح مسير الجلسة باب الأسئلة والمقترحات والمداخلات، فكان أن قصدني أحد الحاضرين بسؤال لا ينتهي بعلامة استفهام، بقدر ما ينتهي بعلامة تعجب، كان شابا مندفعا يتحدث بمحياه قبل لسانه خاطبني بالقول (بما معناه) " ...أحيي فيك براعتك في محاولة التأثير على الحاضرين وإقناعهم أن إعدام الحياة فيه منفعة، لكن من خلال لون سحنتك يبدو أنك متعطش للإبقاء على عقوبة تتنافى مع قيم الإنسانية ..."، تدخل المسير وحاول إيقافه وثنيه عن قصفي بهكذا إهانة، لكني طلبت منه أن يترك المتحدث يتم حديثه، فنحن في ندوة حقوقية وعلمية من أركانها أن نختلف مع بعضنا وأن ننجح في تدبير اختلافنا وحتى خلافنا، فواصل السائل كلامه بالقول إن المسلمين هم هواة تنفيذ عقوبة الإعدام، وإن العرب هم من استقدم هذه العقوبة المهددة للحياة إلى المغرب الذي كان يسكنه الأمازيغ في سلم وطمأنينة وإنسانية، وختم صاحبي كلامه بإعادة تركيزه على لون بشرتي واستنتاجه أني عربي قدمت من الشرق، موضحا أن العالم المتحضر يقدس الحق في الحياة وأن "الهمج" هم من يعادون هذا الحق، خاتما قوله بسؤال استهزائي وساخر"كيف نرهن حياة المواطنين لدى قضاء غير مستقل؟...
أجبت سائلي أو شاتمي إن صح الوصف، بالحذر كل الحذر من العبوة الناسفة التي يحملها في جوفه لأنها إذا انفجرت لن تُبقي ولن تذر منا أحد، عبوة الحقد والميز وتصنيف الناس على أساس اللون والسحنة والدين، سألته عن علاقة البشرة والعرب والمسلمين والإسلام بموضوع الندوة، وقلت له أنه عليك أن ترفض أحكام القضاء غير المستقل في نظرك كليا، فلا تهلل لأحكام البراءة ثم تشكك في أحكام الإدانة، وأن الإعدام كعقوبة لا يعني"معاداة الحق في الحياة"، بل هو لحماية وصون الحق في الحياة، وقلت له من الكلام ما جعله يعانقني في ختام الندوة آسفا نادما...
ونحن في غمرة نقاشاتنا وأسئلتنا واقتراحاتنا وقع توزيع توصية الندوة التي لم تكتمل بعد، بأن المجتمعين يناهضون عقوبة الإعدام ويطالبون الدولة المغربية بتشطيبها من سجل العقوبات، رفضت الدوس على صوتنا نحن دعاة الإبقاء على هذه العقوبة، واعتبرت البيان الختامي للندوة مزورا، وفيه خيانة للأمانة العلمية، وتيقنت أنه تم استدارجي ورفيقي في "منصة الإبقاء"، لتأثيث مشهد بئيس لولادة توصية غير شرعية، ومنذ يومها قاطعت مثل تلك الندوات، بعدما تبين لي أن هناك حملة مسعورة و ممنهجة ومسنودة بالمال والإعلام وقد تقوت ونطورت من العاصفة لتصبح إعصارا جارفا يعدم ويجرف كل صوت يطالب بالإبقاء على عقوبة الإعدام... وصفت ما حدث يومها ب"التطرف الحقوقي" ومن قام بذلك هم "غلاة حقوق الإنسان"...
واليوم يعتدي أحدهم جنسيا على الطفل الصغير عدنان ثم يقتله ويحفر له حفرة ليخفي جريمته، وغدا بعد محاكمته وصدور حكم قطعي بإعدامه، سيتأسس لهذا الآثم السفاح ائتلاف عالمي يناصره ويرفض إعدامه، ويعتبر حياته أزكى وأطهر من حياة ضحيته، وسيصبح المجرم عدو البراءة وعدو الحياة إنسانا يستحق الحياة، ويسأل أهل عدنان الموءود بأي ذنب اغتصب صغيرهم وقتل وأقبر تحت التراب...
علينا أن نتحرر من الغلو في حقوق الإنسان، ونعلم أن هناك جرائم تصل من الوحشية ما يجعل مقترفها مثل الورم الخبيث الذي لا ينجو البدن ( المجتمع) إلا باجتثاثه بعملية استئصالية قوامها التطبيق السليم للقانون.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
18 novembre 2024 - 10:00
26 novembre 2024 - 16:00