عبد القادر الفطواكي
أبت الصحافة الإسبانية إلا أن تحشر أنفها، كما دأبت عدد من أقلامها، في مجموعة من القضايا السياسية والاجتماعية الداخلية للمغرب، بشكل أحادي الجانب، ودون تقديمها لدلائل ملموسة عن ما نشرته وتنشره، ولا حتى باحترام أبسط شروط الممارسة الصحفية المتعارف عليها عالميا في ضرورة تقديم الرأي والرأي الآخر.
آخر ما جادت به قريحة الصحافة الاسبانية، ركوب جريدة "إلبايس" على موج الضجة التي خلفتها صور "مفترضة" للبرلمانية عن حزب العدالة والتنمية "آمنة ماء العينين" عارية الشعر بلباس متحرر.
تاريخ "إلبايس" الذي رأى في أخبار المغرب مواد صحفية دسمة على الدوام، اتسم منذ فترة بشد وجدب، فخلال سنة 2010 قرر وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الطيب الفاسي الفهري، مقاضاة يومية "إلباييس" الإسبانية، بسبب "تحويرها" لجواب خاص به حول أحداث "إكديم ازيك" الأليمة والتي راح ضحيتها عدد من رجال الأمن المغاربة الأبرياء؛ حيث أشار وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة آنذلك، خالد الناصيري، أن الموضوع الوحيد الذي ركز فيه الصحفي عن الجريدة الاسبانية، كان يتعلق فقط بالاتهامات الكاذبة المتعلقة بممارسات التعذيب المنسوبة للمغرب، والتي نفاها الفاسي الفهري في عدة مناسبات خلال الحوار "الملغوم"، قبل أن تنسب إليه، حيث ألح في حواره "المشبوه"، على أن الوزير "اعترف بشكل ضمني وقوع حالات تعذيب للصحراويين بعد اعتقال عدد منهم على خلفية الأحداث الدامية بإكديم إزيك".
صفعة الحكومة المغربية للجريدة "الفضولية"، التي تجاهلت مشاكل بلدها واختلالته السياسية، وأزمة إقليمي "كتالونيا" و"الباسك" ومنظمة المسلحة "إيتا" في وقت سابق، بلغت مداها بمنع "إلباييس" من الأكشاك المغربية، بسبب تطاول الصحيفة على ملك البلاد سنة 2012، والتي كانت قد ضمنت إحدى أعدادها رسما كاريكاتوريا يمس بالاحترام الواجب للملك محمد السادس، وهو ما اعتبر ضربا للفصل 29 من قانون الصحافة.
مقاضاة أخرى تعتبر الأقوى للحكومة المغربية في حق الجريدة المثيرة للجدل، كان سنة 2013 من طرف وزارة العدل والحريات، بعد نشرها لفيديو منسوب لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تم الولوج إليه عن طريق الرابط الإلكتروني للصحيفة الإسبانية، التي نشرت الشريط بصيغته الأصلية باللغة العربية، يتضمن دعوة صريحة لارتكاب أعمال إرهابية في المغرب، ما وضع الصحيفة في حرج كبير، بعد قرار العدالة الاسبانية إعادة البحث في الملف، الذي كانت قد حفظته في وقت سابق.
"إلباييس" التي لا تدخر جهدا للتدخل في الشأن الداخلي للمغرب، تابعت كل كبيرة وصغيرة عن المغرب خلال السنوات الأخيرة، لكن للآسف بشكل "لا مهني" مفتقر لشرط أساسي في مهنة صاحبة الجلالة والمتمثل في "الحياد".
الجريدة الاسبانية، تناولت ظاهرة هجرة الشباب مؤخرا، رابطة الموضوع بـ"القمع والبطالة" التي يتعرض لها الشباب المغربي دون أن تأتي كذلك بدليل، بعد أن شحذ صحفيو "إلباييس" أقلامهم، في التطرق لعاملات "الفرولة" المغربيات، اللواتي قيل أنهن تفضلن "الحريك" للهروب من "البؤس" في بلدهن والبقاء في إسبانيا، حسب ما أوردته الصحيفة المذكورة بإحصائيات مجهولة المصدر.
آخر "قفشات" صحيفة "إلباييس"، ركوبها على قضية "صور" البرلمانية "ماء العينين" أمام ملهى "مولان روج" بباريس وما عقبها من نقاش في الصالونات السياسية المغربية، امتدت إلى ما أسمي "انقساما" بالبيت الداخلي لحزب "المصباح".
"إلباييس" تناولت في مقال لها حمل عنوان "لعبة قذرة للصور ضد الإسلاميين في حكومة المغرب"، معطية حكم قيمة جاهز، حول موضوع لم يكشف كاتب مقاله بعد كل التفاصيل المتعلقة به، في ضرب خطير وسافر لأخلاقيات هذه المهنة النبيلة.
المنبر الاسباني المعرف "إلباييس" شرع من خلال نشره لمقال خاص حول الموضوع، في توزيع اتهامات خطيرة تهم تورط جهات "مرتبطة بالدولة" في تسريب صور البرلمانية "ماء العينين" بباريس، قائلة أن الهدف هو "النيل" من حزب العدالة والتنمية بسبب ما أسماه مقال اليومية الإسبانية "نظافة أيادي مسؤولي البيجيدي في تسيير الشأن العام" الذي يقود الائتلاف الحكومي بالمغرب منذ سنة 2011.
تفاصيل بسيطة غابت عن صحفي "ألباييس" (سهوا أو عمدا)، الذي طرح نظرية "المؤامرة" في قضية ما بات يعرف بـ"صور ماء العينين"، أولها أن الصور محل النقاش- وإن صحت-، فقد كان التقاطها بشكل علني طبيعي بدليل أن البرلمانية ظهرت منشرحة مبتسمة وهي تعلم أن الصور تلتقط لها بكامل إرادتها، وهو ما يدحض مسألة ترصد خطوات البرلمانية من طرف "عيون متربصة".
ثاني الملاحظات، يهم تغاضي "إلباييس" عن التطرق للنقاش الدائرة رحاه بالشارع المغربي، والمتعلق بـ"شيزوفرينيا الخطاب والفعل" لدى عدد من قيادات ومناضلي حزب المصباح، والذي بلغ مداه البيت "البيجيدي".
"الشك" المشكوك فيه، من طرف صحفي "ألباييس"، في حديثه عن "جهات تسعى إلى توجيه ضربات تحت الحزام للحزب الإسلامي بغية إضعافه أمام الرأي العام وإظهار قيادييه على أنهم منافقين يقولون ما لا يفعلون"، لا تغذيه أية معلومات أو معطيات مضبوطة إذا ما استندنا إلى لغة العقل والمنطق.
فسرد "إلباييس" لعدد من فضائح "البيجيديين" بدء من "الكوبل الدعوي" بنحماد والنجار، مرورا بـ "العشق الباريسي" للوزير يتيم، وصولا إلى صور "مفترضة" لأمينة ماء العينين بدون حجاب وبثياب مكشوفة أمام أشهر كازينوهات العاصمة الفرنسية باريس، يمكن اعتباره بمثابة هروب إلى الأمام في التنصل من صور حاول حزب العدالة والتنمية طلية مساره السياسي تسويقها للمغاربة من أجل كسب ودهم، ليلعب ورقة الضحية كلما سقطت عن سوأة أحد أعضائه ورقة التوت.
قضية ماء العينين وغيرها، تظل في نهاية المطاف، أمرا يهم المغاربة من شأنه تقوية النقاش الديمقراطي الداخلي بين عدد من أطياف المجتمع المغربي، ولا دخل لأي وسيلة إعلامية إسبانية ولا غيرها أن تعطي المغرب دروسا في هذا الباب، لذلك وجب على إلباييس وأمثالها "تديها فالجيهة لي ضارها"، فهناك مشاكل اجتماعية وسياسية بإسبانية أعمق من المغرب.
05 janvier 2024 - 12:00
19 décembre 2023 - 12:00
18 novembre 2023 - 20:00
18 septembre 2023 - 20:00
19 juillet 2023 - 10:00
07 novembre 2024 - 12:00